لم يعد الحديث عن ثروة لبنان في النفط والغاز حلماً ، فالوقائع التي تطال بدء التنقيب في أول بلوكات الغاز مقابل ساحل كسروان تحمل ما يبشّر بخير قريب ، وبدخول لبنان قريبا نادي منتجي الطاقة.
الأرقام التي يتداولها خبراء الطاقة في المنطقة والعالم حول المخزون اللبناني المتوقع تسمح بالحديث عن ثروة حقيقية تكفي لتغطية إستهلاك لبنان لتأمين إنتاج الكهرباء، وتغذية مصافي تكرير تتولى توفير حاجاته من المشتقات النفطية، وتوزيع الغاز للإستهلاك المنزلي، وفوق ذلك المساهمة النشطة في السوق التي تشكل أوروبا وجهتها الرئيسية وفقا لمعادلات الجغرافيا.
ثمة الكثير مما يحتاج للنقاش بين القيادات اللبنانية حول ثروة الغاز والنفط، خصوصا مع التبدلات الحاصلة في الجغرافيا الإقتصادية والعسكرية والإستراتيجية في البحر المتوسط، فمن جهة هناك حجم الحضور الروسي، مع فعالية روسية عالية في أسواق النفط والغاز وشبكات الأنابيب التي تحملهما، وإحتمال ورودها كشريك إنتاجي ومنافس تجاري في الوقت نفسه.
ومن جهة مقابلة هناك التعاون المصري القبرصي الإسرائيلي اليوناني في ضخ الغاز في أنابيب مشتركة للتسويق نحو أوروبا، والإشكالية التي تواجه لبنان هي في عدم قدرته على قبول الإنخراط في هذه الشراكة التي تضم إسرائيل، وبالمقابل الأكلاف العالية لإمتلاك شبكة أنابيب موازية، تُفقد لبنان القدرة التنافسية، ومن جهة ثالثة هناك الشراكة الممكنة مع سوريا التي تبدو في وضعية مشابهة للبنان سواء في حجم الثروة المتوقعة أو في عدم تقبل فرضية التعاون في شراكة تكون إسرائيل طرفا فيها، لكن أمام هذه الشراكة مع سوريا تعقيدات السياسة اللبنانية في العلاقات الثنائية والحاجة لتوافق داخلي يتيح السير بها.
هي إشكاليات لا تنتظر، فقد يفاجئنا الغاز بالظهور قريبا، كما يقول الخبراء، بينما بعض القضايا الأخرى تحتمل الوقت رغم أهميتها، مثل كيفية تنظيم الصندوق السيادي للمال العائد من ثروة النفط والغاز، وشروط شراكات الدولة والقطاع الخاص في قطاعات موازية لإنتاج النفط والغاز.
يبدو أن المرحلة الأولى تستدعي إستعداداً لبنانياً لبنية تحتية ، لن يكون القطاع الخاص المحلي والإقليمي والدولي بعيداً عن الحماس للإهتمام بها، تتصل بصناعة التكرير، ولبنان صاحب تاريخ في مصافي النفط، لا يزال البحر الأبيض المتوسط يشكو غيابها بحجم يلبي حاجات السوق منذ خروج مصفاتي طرابلس والزهراني عن الخارطة التجارية العالمية والإقليمية، وبذات الأهمية تبدو الحاجة لبنية تحتية لتوزيع الغاز للإستخدام المنزلي كما هو الحال في أغلب دول العالم والمنطقة، وبنية تحتية تتولى إيصال الغاز إلى محطات توليد الكهرباء، التي سيطرح تلزيمها قريبا بعدما أُقرت خطة الكهرباء.
في وزاة الطاقة إهتمام وإستعداد ، يحتاجان ملاقاة الوسط السياسي والقطاع الخاص والخبراء بإهتمام وإستعداد موازيين، وسيُكتب لوزراء التيار الوطني الحر، الذين تعاقبوا منذ البدايات الأولى لهذا الملف على تحمل مسؤولية هذه الوزارة، وللإدارة التي عملت على ملفات هذا القطاع، الجدية والعلمية والمثابرة والنزاهة، في ملف وطني لم يصب بالإهمال ولا خضع للحسابات السياسية، بل بدأ معهم فكرة وصار خطة ثم وقائع وسيصير قريبا ثروة لبنان الإستراتيجية، وهذا مثال حي وحساس لكيفية التعامل مع الثروات الوطنية وإدارتها، عندما تجتمع الإرادة مع العلم والنزاهة.