خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لمعدلات النمو العالمي للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، حيث أعلن في تقريره عن توقعات الاقتصاد الصادر أمس الثلاثاء أن الاقتصاد العالمي سينمو بوتيرة أبطأ من المتوقع وذلك بسبب الحرب في أوكرانيا التي تلقي بظلال قاتمة على أزمتي الغذاء والطاقة في العالم، إضافة إلى استمرار معدلات التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة والكتلة الأوروبية. ووصف التقرير التوقعات الاقتصادية العالمية بأنها «قاتمة وغير مؤكدة» بشكل كبير. وتوقع الصندوق أن ينمو الاقتصاد العالمي في هذا العام بنسبة 3.2 بالمائة بتراجع بمقدار 0.4 نقطة مئوية مقارنة بالنسبة التي كان قد توقعها في أبريل (نيسان) الماضي، التي بلغت 3.6 بالمائة. مع توقعات بتراجع في عام 2023 بنسب تتراوح بين 0.4 و0.7 نقطة مئوية.
وقال خبراء الصندوق إن هذه التوقعات تشير إلى مخاطر الهبوط والتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي ومنها ارتفاع معدلات التضخم في جميع أنحاء العالم خاصة في الولايات المتحدة والاقتصاديات الأوروبية الكبرى، ما أدى إلى تشديد الأوضاع المالية. إضافة إلى تباطؤ اقتصادي أكبر من المتوقع في الصين والإغلاقات المتكررة بسبب كوفيد 19، والتداعيات السلبية المستمرة للحرب في أوكرانيا. وقد أدت توقعات النمو المتدهورة في الولايات المتحدة والصين والهند إلى دفع صندوق النقد الدولي نحو خفض توقعاته بشكل كبير، وتم تخفيض توقعات الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمقدار 1.4 نقطة مئوية إلى 2.3 بالمائة، منخفضا من 3.7 بالمائة في توقعات شهر أبريل الماضي، مدفوعة بنمو أضعف من المتوقع في النصف الأول من عام 2022، وانخفاض القوة الشرائية للأسر وتشديد السياسة النقدية.
وتوقع الصندوق أن يشهد الاقتصاد الصيني نمواً أقل بمقدار 1.1 نقطة مئوية عن التقديرات السابقة، بعد عمليات الإغلاق بسبب كوفيد 19 وأزمة العقارات المتفاقمة. وقال التقرير إنه من المتوقع الآن أن ينمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 3.3 بالمائة في عام 2022، انخفاضا من 4.4 بالمائة في توقعات أبريل الماضي – وهو أدنى معدل له في أربعة عقود، باستثناء التداعيات الأولية لأزمة كوفيد 19 في عام 2020. وخفض صندوق النقد من توقعاته لنمو الاقتصاد في الهند بمقدار 0.8 نقطة مئوية إلى 7.4 بالمائة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الظروف الخارجية غير المواتية وزيادة سرعة تشديد السياسة. وتوقع الصندوق أن يحقق اقتصاد منطقة اليورو نموا بنسبة 2.6 بالمائة بتراجع بمقدار 0.2 نقطة مئوية مقارنة بآخر توقعاته.
وقال صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد الروسي انكمش بأقل من المتوقع في الربع الثاني على الرغم من العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق بسبب غزوها غير المبرر لأوكرانيا. وتم تعديل توقعاتها لعام 2022 بزيادة 2.5 نقطة مئوية، على الرغم من أن معدل النمو المقدر لا يزال سالباً عند -6.0 بالمائة. وحذر الصندوق من أن معدل التضخم سيظل «مرتفعا بشكل عنيد»، وتوقع وصول معدل التضخم في الدول الصناعية إلى 6.6 بالمائة في العام الحالي بزيادة بمقدار 0.9 نقطة مئوية مقارنة بالمعدل الذي كان قد توقعه في أبريل الماضي. وأشار الصندوق إلى أن الاقتصاديات الأكثر تأثرا للحرب في أوكرانيا من المرجح أن تكون في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا. كما توقع أن يصل معدل التضخم إلى 9.5 بالمائة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية هذا العام. من المتوقع أن يمثل التباطؤ المتوقع أول انكماش ربع سنوي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحقيقي منذ عام 2020. وقال صندوق النقد الدولي إن سيناريو بديل «معقول» ولكنه أقل احتمالاً قد يشهد انخفاضاً في النمو العالمي إلى حوالي 2.6 بالمائة في 2022 و2.0 بالمائة في 2023، ما يضع النمو العالمي في أدنى 10 بالمائة من النتائج منذ عام 1970. وكان البنك الدولي قد خفض أيضا توقعاته للنمو العالمي لعام 2022 إلى 2.9 بالمائة انخفاضا من تقديراته السابقة التي بلغت 4.1 بالمائة، مشيرا في تقرير الشهر الماضي إلى ضغوط اقتصادية كلية.
ومع ارتفاع الأسعار الذي يغذي أزمة تكلفة المعيشة العالمية، قال صندوق النقد الدولي إن كبح التضخم يجب أن يكون الأولوية الأولى لصناع السياسة. وقال التقرير إن «السياسة النقدية الأكثر تشددا سيكون لها حتما تكاليف اقتصادية حقيقية، لكن التأخير لن يؤدي إلا إلى تفاقمها». وقال جهاد أزعور إن الأولوية الأولى هي محاربة التضخم ولا بد أن تركز السياسات الرامية إلى معالجة ارتفاع أسعار الطاقة والوقود على الفئات الأكثر ضعفاً دون الإخلال بالأسعار الإجمالية. وينتظر الاقتصاديون التوقعات الاقتصادية القادمة من صندوق النقد الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل مع توقعات أن يتحرك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خلال الأسبوع الجاري لزيارة نسبة الفائدة بنسبة 0.75 بالمائة.