صدق مجلس الوزراء، عندما أطلق تسمية الجنوب منطقة منكوبة زراعياً، لا بل هو أكثر من ذلك منكوب بشرياً وعمرانياً ومناخياً، بفعل الفوسفور الأبيض والقذائف الفوسفورية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، في احراق الأحراش في العديد من البلدات، فالنكبة شاملة وجامعة لكل نواحي الحياة، حيث تسعى إسرائيل لتحويل القرى والبلدات المتاخمة للمستعمرات إلى مناطق معدومة الحياة، وهو ما يظهر من خلال عدوانها المستمر منذ 7 أشهر، في محاولة لتحويلها إلى أرض محروقة بعرض 7 كليومتر.
في بلدة عيتا الشعب، بلغ عدد المنازل المدمرة أكثر من 100 منزل، أما عدد المنازل المتضررة جزئياً فبلغ أكثر من الف، في حين أن عدد المحلات المتضررة بلغ 200 في البلدة التي يقيم فيها 15 الف نسمة طيلة أشهر السنة، وقد نزح اغلبيتهم إلى مناطق جنوبية أكثر امناً وبعيدة عن الخط الأمامي.
في المقابل، تحدّثت وزارة الزراعة عن نشوب 700 حريق بالفوسفور الأبيض وتضرر 6000 دونما من الأراضي، واستهداف أكثر من 55 الف شجرة زيتون معمّرة. كما قدرت وحدة إدارة الكوارث الحكومية نزوح 140 الف لبناني من البلدات الجنوبية الحدودية، وبقاء 60 الفاً في المناطق والبلدات المعرضة للعدوان الإسرائيلي اليومي. بينما أقفلت 75 مدرسة نهائياً في قرى الشريط الحدودي، وتشير التقديرات إلى أن لبنان يحتاج إلى نحو 75 مليون دولار لتغطية نفقات النزوح.
في هذا السياق، يؤكد عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب علي عسيران، في حديث لـ”النشرة”، أن الجنوب ليس منكوباً في الزراعة فقط، او منذ أن بدأت الاعتداءات الإسرائيلية في الأشهر الماضية، بل منذ العام 1948 عندما أغلقت الحدود الجنوبية مع فلسطين، وبعد ذلك عندما أغلق الفرنسيون مرفأ صيدا وحصروا التجارة الخارجية بمرفأ بيروت، وهو منكوب أيضاً منذ العام 1945، عندما بدأت الدول الغربية، بصورة خاصة، بزيادة انتاج المحاصيل الزراعية، وقامت ببيعها بأبخس الاثمان إلى مختلف دول العالم.
ويشير إلى أن أهالي الجنوب اغتربوا إلى الصحارى والادغال وأقاموا المنشات العظيمة والعظيمة جداً في بلاد الاغتراب، وبعد أن عادوا بالأموال الوفيرة وجدوا أنفسهم قد خسروا اموالهم، والدولة تحاول التنصل من أنها هي من صرفتها وأنفقتها، وها هم اليوم توقفوا عن رفد الاقتصاد اللبناني بإمكانيتهم العظيمة.
من جانبه، يلفت رئيس اتحاد جبل عامل لنقابات العمال والمزارعين علي بشارة، في حديث لـ”النشرة”، إلى أنه “حسناً أعلن مجلس الوزراء منطقة الجنوب منطقة منكوبة زراعياً، نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي يتسبب يومياً باحراق عشرات الدونمات من الأحراش والأراضي والمحاصيل الزراعية، حيث تضرر 790 هكتاراً منها والف وحدة سكنية و340 الف رأس ماشية، ما يعني أن الخسائر كبيرة وكبيرة جداً”.
ويطالب بشارة بالتعويض على المزارعين نتيجة هذه الخسائر، ويتمنى دعم ورعاية النازحين من الجنوب الذين لم تلتفت اليهم الدولة، لا سيما أن القطاع الزراعي هو الركيزة الأساسية للاقتصاد اللبناني.
بدوره، يلفت نائب رئيس الاتحاد العمالي العام ورئيس اتحاد نقابات مزارعي التبغ في لبنان حسن فقيه، عبر “النشرة”، إلى أن نحو 8000 مزارع من مزارعي التبغ لم يستيطعوا الزراعة هذا العام بسبب العدوان الإسرائيلي، ما يعني أن المساحات المزروعة تبغا تراجعت بشكل كبير. ويطالب من الحكومة بالتعويض على هؤلاء الذين خسروا موسمهم، ويكشف أن “هذا الأمر بحثناه مع مدير عام رئيس مجلس إدارة حصر التبغ والتنباك المهندس ناصيف سقلاوي، الذي تجاوب كلياً حول السبل الايلة لدعم المزارعين والتعويض عليهم”.
ويشرح فقيه أن قرى وبلدات، تمتد من الناقورة إلى شبعا، لن تستطيع زراعة التبغ لهذا الموسم، ومنها كفركلا وميس وعيترون وعيتا الشعب وحولا والعديسة ويارين والضهيرة وعلما الشعب، ويضيف: “كلها كانت تعتاش من هذه الزراعة وليس لديها مصدر آخر، ومعظم السكان نزحوا عن بلداتهم ولم يلمسوا الاهتمام الكافي من الحكومة والدولة”.