أُرسلت موازنة العام 2024 إلى البرلمان في 28 أيلول الماضي، بعد أسبوعين من اعتمادها في مجلس الوزراء في 12 أيلول. أجريت تعديلات عليها من دون موافقة السلطة التنفيذية، وشملت أحكاماً من مشروع قانون موازنة 2023 رفضت لجنة المال والموازنة مراجعتها. ولذلك، فإن مشروع القانون المقدّم إلى البرلمان لا يتوافق مع المتطلبات الدستورية (المادة 65) حيث لم تتم الموافقة على نسخته النهائية من ثلثي أعضاء مجلس الوزراء.
إن تقديم المشروع قبل تشرين الأول يعني إمكانية إقرار الموازنة بمرسوم إذا فشل البرلمان في دراستها في خلال المدة المحددة (المادة 86 من الدستور). وبالفعل، تنوي حكومة تصريف الأعمال المضي بهذا السيناريو، كون الإيرادات المتوقّعة أساسية لتمويل النفقات المقدّرة بـ 3.3 مليارات دولار وفق سعر صرف 89 ألف ليرة لبنانية لكل دولار.
نظراً لنقص البيانات الخاصة بمؤشرات الاقتصاد الكلي ولانعدام الشفافية، فمن غير الواضح ما إذا كانت التعديلات المقترحة في هذه المرحلة من قبل لجنة المال والموازنة ستؤثر على الإيرادات المتوقعة. لكن الأهم، هو أن التوقعات تستند إلى الإيرادات التي تم وضعها فعلياً منذ أيار 2023. ومن الممكن أن يكون لحرب غزة تأثير سلبي على النشاط في لبنان، وعلى مستوى إيرادات الموازنة. لذلك يجب صدور توقعات مصححة من قبل الحكومة.
لا قطع حساب ومادة خطيرة
تتجاهل الموازنة قطع حساب العام 2022 وفق ما تقتضيه المادة 87 من الدستور. وأكثر من كونه التزاماً دستورياً، تكمن أهمّية قطع الحساب في ضرورة تمكين النوّاب من العودة إلى التنفيذ الفعلي للموازنة من أجل مراقبة تنفيذها، وتقييم التوقّعات الواردة في قانون موازنة 2024 بدقّة. ووفق مجريات الأمور، سوف ينتهي العام الحالي 2023 من دون أي موازنة على الإطلاق.
يتضمن مشروع موازنة 2024 مخالفة جديدة وخطيرة تتمثّل في منح السلطة التنفيذية صلاحية تعديل الضرائب بمرسوم. تسمح المادة 83 وأحكام مختلفة واردة في مشروع قانون الموازنة لوزير المالية بتعديل الشرائح الضريبية والإعفاءات والمعدّلات على أساس التضخم، بما يتعارض مع المادتين 81 و82 من الدستور اللتين تحفظان هذه السلطة للبرلمان.
لا إصلاحات
بالجوهر، لا تقترح الموازنة أي إصلاحات لمعالجة القضايا الرئيسية التي تحدّ من الحيز المالي، بما فيه الحاجة الملحة لإعادة هيكلة الديون، وإعادة هيكلة القطاع العام، وإصلاح الشركات المملوكة للدولة، ووضع نظام ضريبي جديد. وبدلاً من ذلك، تلجأ إلى حلول سريعة مجزأة لزيادة الإيرادات، في حين تديم سياسة مالية تنازلية. وفيما يعد التعديل الضريبي ضرورياً، فإن العبء المالي الإضافي المقترح المفروض على دافعي الضرائب، والخالي من إصلاحات ضريبية، ليس عادلاً ولا محسوباً بشكل جيد: فهو يؤثر بشكل غير متناسب على شرائح الدخل المنخفضة والمتوسطة ويخنق الاقتصاد الرسمي المتعثّر بالأساس، في حين لا يتم بذل أي جهد لمكافحة التهرّب والعمالة غير الرسمية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن النهج المحاسبي المرتبط بحاجة الخزينة إلى دولرة إيراداتها له عواقب بعيدة المدى تؤثّر على السيادة النقدية. وأخيراً، يؤدّي الانفصال بين السياسات المالية والنقدية إلى موازنة تمزج بين عملات وأسعار صرف مختلفة، على الرغم من الدعوات والالتزامات المتكرّرة بتوحيد أسعار الصرف. ويرتبط هذا في الأساس بالإحجام عن عكس الخسائر الناجمة عن انخفاض قيمة الميزانيات العمومية للمصارف، والمضي قدماً في عملية إعادة هيكلة المصارف التي لا تزال الأولوية على الرغم من مرور أربع سنوات على الأزمة.
1 – التمويل المحدود
تهدف الموازنة إلى أن تكون متوازنة تقريباً. فقد خُفِض العجز بنسبة 60% بالمقارنة مع النسخة التي اعتمدها مجلس الوزراء في البداية. يبلغ العجز المتوقّع نحو 17,189 مليار ليرة لبنانية أي حوالى 193 مليون دولار أميركي، وهو يمثل نحو 6% من النفقات في مقابل 14% في النسخة الأولية. ويعود هذا الانكماش إلى انخفاض طفيف (-1.8%) في النفقات المخطّطة التي تبلغ الآن 295,113 مليار ليرة (حوالي 3.32 مليارات دولار) بدلاً من 300,519 مليار ليرة، كما يعود إلى ارتفاع بنسبة 7.8% في الإيرادات المتوقّعة بنحو 277,924 مليار ليرة (3.12 مليارات دولار) بدلاً من 258.785 مليار ليرة في النسخة الأولية. ومع ذلك، لا تزال الموازنة الحالية أكبر من موازنة 2022 التي بلغت 1.8 مليار دولار أميركي.
يقدّر العجز بنحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن المقترح لا يقدّم أي مؤشّرات للاقتصاد الكلّي. ويمكن الاستنتاج بشكل غير مباشر، لا سيما من التعليقات المقدّمة إلى صندوق النقد الدولي في حزيران الماضي في خلال زيارة وفد مهمة المادة الرابعة، أن السلطات تقدّر الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بنحو 20 مليار دولار أميركي. وبالتالي فإن عجز الموازنة سيبلغ 1% من الناتج المحلي الإجمالي، بانخفاض من 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي في النسخة الأولية للمشروع. وسبق أن أعلنت وزارة المالية أنها ستقدّم توقعاتها بحلول تشرين الثاني. مع ذلك، فإن تزايد النشاط غير الرسمي والتدهور الاقتصادي المحتمل قد يؤثران على التحصيل الفعّال للإيرادات مما يزيد عدم اليقين بشأن التمويل.
لا تأخذ التوقّعات المالية في الاعتبار العمليات شبه المالية التي أجراها البنك المركزي حتى الآن، والتي أعلن الحاكم المؤقّت الجديد تعليقها. في تقرير صدر في حزيران 2023، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن العجز المُعلن في موازنة 2022 بلغ نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي (استناداً إلى حسابات وزارة المالية)، إلا أنه يرتفع إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي عند إضافة العمليات التي يقوم بها مصرف لبنان. التقديرات لعام 2023 ليست متاحة بعد. مع ذلك، أعلن الحاكم المؤقت للبنك المركزي، عند توليه منصبه في أوائل آب الماضي، أن مصرف لبنان لن يموّل عجز الموازنة من خلال خلق النقد، خصوصاً أن احتياطيات النقد الأجنبي كانت تُستنزف بمعدل 800 مليون دولار شهرياً. وهذا الموقف يلغي نظرياً أي إمكانية لتمويل النفقات العامّة في 2024 بأكثر من الضرائب المحصلة، إذ أصبح الاقتراض مستحيلاً منذ التخلّف عن سداد سندات اليوروبوندز في نيسان 2020 وغياب أي عملية لإعادة هيكلة الدين العام من حينها.
ممارسات محاسبية بحتة
يعبر مشروع الموازنة الحالية عن ممارسات محاسبية بحتة تعتمد على تعديل النفقات وفق المستوى الفعلي لتحصيل الإيرادات شهرياً. استخدمت أرقام الإيرادات المحصّلة منذ أيار 2023 لتقدير الإيرادات المرتقبة بنحو 3.12 مليارات دولار أميركي سنوياً. قضى القرار السياسي الرئيسي في العام 2023 بتعديل الضرائب بما يوازي انخفاض قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع التضخّم الحاصل، وبالتالي تعويض الانخفاض الحاد في إيرادات الدولة في العام السابق. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تشير التقديرات إلى أن انهيار الإيرادات المالية إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022 (مقارنة بـ 10% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2021 وأكثر من 20% قبل الأزمة). التقييم الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ في شهر أيار الماضي، يؤتي ثماره، حيث بلغ إجمالي الإيرادات الفعلية المحصّلة نحو 260 مليون دولار أميركي شهرياً، أو 3.12 مليارات دولار أميركي سنوياً.
بالاستناد إلى الإيرادات المتوقعة، حدِّد الإنفاق العام بنحو 3.3 مليارات دولار أميركي، وهو ما يشكل 20% من مستوى العام 2019 (17 مليار دولار أميركي)، ويقلّل بشكل كبير من الحيز المالي. يعدّ انهيار المالية العامة أكثر وضوحاً من انهيار الاقتصاد، الذي انكمش بنسبة 40% بين عامي 2019 و2022. وبالتالي، يتضاءل دور الدولة إلى حدّ كبير في ظل أزمة غير مسبوقة تمرّ بها البلاد، وحيث تعد الاستثمارات العامة (في البنية التحتية والحماية الاجتماعية وإصلاح الإدارة) السبيل الوحيد لتحفيز الاستثمار الأساسي في القطاع الخاص وتعزيز النمو. وبطبيعة الحال، فإن مستوى الإنفاق لا يأخذ بالاعتبار تأثير حرب غزة أو حرب واسعة النطاق في لبنان.
2 – غياب الرؤية الإصلاحية
الموازنة غامضة في ما يتعلق بتخصيص النفقات. المشكلة المتكرّرة هي أن نفقات الموازنة لا تمثّل كافة التزامات الدولة بما في ذلك المتأخّرات. إن توزيع النفقات ليس واضحاً، والمصطلحات المعتمدة في الموازنة لا تلتزم بالمعايير الحديثة. وهناك أيضاً قدر كبير من الالتباس بشأن حساب المنح الخارجية وبعض التحويلات. ويتم تمويل بعض الرواتب بشكل مباشر من الجهات المانحة الدولية، وخصوصاً رواتب الجيش وجزء من المعلّمين الذين تحوّل رواتبهم بالعملات الأجنبية مباشرة من البنك المركزي. وبالمثل، لا يسجّل معظم تمويل المانحين في الموازنة ولا عمليات شراء الوقود التي تقوم بها مؤسّسة كهرباء لبنان.
إحتياطي ضخم
بالإضافة إلى ذلك، هناك مخصّصات ضخمة مدرجة في «احتياطي الموازنة»، وهو بند ائتماني تترك عملية رفده لتقديرات السلطة التنفيذية. يبلغ هذا الاحتياطي 78.302 مليار ليرة لبنانية أي ما يعادل 880 مليون دولار تقريباً، أي أكثر من ربع موازنة 2024 بأكملها. ومن حيث المبدأ، يهدف هذا الاحتياطي إلى تمويل النفقات غير المتوقّعة أو الاستثنائية. إلا أن حجمها غير المتناسب مع الموازنة يعد مؤشراً على عدم القدرة على تخطيط الإنفاق العام الذي يعد من وظائف الموازنة. وهذا يتناقض أيضاً مع صلاحية البرلمان بإجازة الإنفاق العام مسبقاً وبشكل تفصيلي، وليس بأثر رجعي فحسب، على افتراض أن البرلمان يمارس رقابته. وأخيراً، يفتح هذا التعتيم الباب أمام كل أنواع الانتهاكات.
يعكس تخصيص النفقات العامّة الافتقار التام للرؤية في ما يتعلّق بدور الدولة، وغياب الاستراتيجية لاستعادة القدرة على تحمّل الديون، والافتقار إلى الحيّز المالي لتمويل الحماية الاجتماعية ونفقات الاستثمار. الجزء الأكبر من النفقات هو نفقات جارية (93.3% من الإجمالي، بينها 5% لخدمة الدين العام)، مع تخفيض النفقات الاستثمارية إلى 6.7%. يتم تخصيص النفقات الجارية بشكل أساسي لدفع رواتب الموظّفين (1.7 مليار دولار أميركي) وشراء السلع والخدمات (522 مليون دولار أميركي).
لا توقعات للدين العام
لا تتضمّن الموازنة أي توقّعات بشأن الدين العام أو أي استراتيجية لوضع المالية العامة على مسار مستدام. لا يوجد ذكر للدين العام في مشروع موازنة 2024، وكأنه غير موجود، على الرغم من وجود بند لخدمة الدين بقيمة 14,698 مليار ليرة (حوالى 165 مليون دولار، 5% من النفقات). ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، يمثل الدين العام 282% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022. وقد ارتفع الدين بالعملة الأجنبية من 33 مليار دولار أميركي في العام 2019 إلى 41 مليار دولار أميركي اعتباراً من كانون الثاني 2023، بما في ذلك 14 مليار دولار أميركي من المتأخّرات المتعلّقة بأصول سندات اليوروبوندز غير المدفوعة والفوائد المستحقّة والمتراكمة بحسب آخر الأرقام الصادرة عن وزارة المالية.
لا يوجد أي إشارة من الحكومة أو وزارة المالية أو في مشروع الموازنة إلى العمليات المحاسبية التي أجراها الحاكم السابق رياض سلامة، ففي الربع الأول من العام 2023، قرّر الحاكم السابق احتساب جميع عمليات بيع الدولار التي تمت لصالح الخزينة منذ العام 2007 والبالغة نحو 16.5 مليار دولار كديون مستحقة على الدولة اللبنانية لمصرف لبنان. وفي وقت لاحق من حزيران 2023، ارتفعت قيمة بند «إعادة التقييم» في خانة أصول مصرف لبنان من صفر إلى أكثر من 42.25 مليار دولار. وتمثل هذه «الأصول» خسائر مصرف لبنان التي قرّر الحاكم السابق تعويضها بتحويلها إلى ديون مستحقة على الدولة لصالح مصرف لبنان.
نهج محاسبي بحت للأجور العامة
تمثل رواتب وأجور موظّفي القطاع العام نصف نفقات الموازنة. أجريت مراجعتان على الرواتب للتكيّف مع التضخم ولكنها عبارة عن ممارسات محاسبية خالية من أي استراتيجية تأخد في الاعتبار حقوق الموظفين وأدوارهم ومسؤولياتهم، أو إصلاح أوسع يهدف إلى ضمان استمرارية الخدمات العامة الأساسية.
ووفقاً للتقديرات، هناك نحو 330 ألف موظّف على جدول رواتب القطاع العام؛ ويشمل ذلك 120 ألف متقاعد و210 آلاف موظّف نشط.
في المجمل، يحصل موظّفو القطاع العام على ما يعادل سبعة أضعاف راتبهم الأساسي بالقيمة الاسمية. منح الموظفون راتباً إضافياً ضمن موازنة 2022 (المادة 111 من قانون تاريخ 15/11/2022)، يليه أربعة رواتب إضافية في نيسان 2023، بناء على قرار مجلس الوزراء الذي قضى أيضاً بزيادة بدل النقل إلى 450 ألف ليرة مشروطاً بالحضور 14 يوماً إلى العمل. مع ذلك، فإن القيمة الحقيقية لهذه الرواتب بالدولار لا تزال أقل بكثير. على سبيل المثال، الشخص الذي كان يحصل على 1.5 مليون ليرة لبنانية كان يكسب ما يعادل ألف دولار أميركي. واليوم، زيد راتبه الأساسي إلى 10.5 مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 118 دولاراً أميركياً. مع ذلك، هذه الزيادات مؤقتة وليست جزءاً من الراتب ولا تمنح أي حقوق، خصوصاً في ما يتعلق بفوائد نهاية الخدمة.
علاوة على ذلك، تدفع الرواتب بالدولار من البنك المركزي كجزء من سياسة نقدية قصيرة المدى تهدف إلى التحكم في سعر صرف الليرة اللبنانية. إن استدامة هذه السياسة ليست مضمونة. إلى حين انتهاء ولاية رياض سلامة، كان الدفع يتم عبر منصّة صيرفة التي تخلّى عنها خليفته وسيم منصوري، الذي يدّعي أن تخصيص الدولارات لموظفي القطاع العام يجب تمويله بالكامل من خلال الضرائب.
وعلى أية حال، إن التعامل مع هذا البند الرئيسي من الإنفاق يعكس غياب نهج الإصلاح الضروري في الإدارة العامة، لا في سياق محاسبي ونقدي بحت، ولكن في الإطار الأساسي لإصلاح الدولة. ويتطلب هذا مناقشة معمّقة لوظائف الدولة ــ الأمن والتعليم والصحة والعدالة ــ لصالح المجتمع ككل، بدلاً من اتباع نهج يقوم على الاستيلاء على الموارد العامة لأغراض زبائنية. كما أنه ينطوي على إيجاد مصادر مستدامة للتمويل كجزء من إصلاح شامل للموازنة، فضلاً عن إنشاء صناديق تدريب محددة وإصلاح نظام التقاعد.
3 – سياسة مالية تنازلية
يديم مشروع الموازنة نظاماً ضريبياً تنازلياً للغاية، في حين يهدّد الاقتصاد النقدي المهيمن فعالية تحصيل الإيرادات. لا يمكن أن تكون هناك سياسة اقتصادية قابلة للحياة من دون زيادة الضرائب. مع ذلك، يعتمد تحصيل الضرائب على بناء الثقة بين دافعي الضرائب والوكلاء الاقتصاديين والدولة – وهذه رؤية مؤسّسية تجسّد العقد الاجتماعي المنشود – لخدمة مصالح الأسر والشركات.
لا يزال عبء المساهمة الضريبية يقع بشكل غير متناسب على دافعي الضرائب أنفسهم – أي الشرائح الأكثر فقراً والأكثر التزاماً بالقانون – في حين يتم إعفاء الفئات الأغنى والعاملين في القطاع غير الرسمي. تأتي غالبية إيرادات الموازنة من ضرائب الاستهلاك، والرسوم الجمركية، وضريبة القيمة المضافة، التي يتم تحصيلها في الغالب عند نقاط الدخول الجمركية (50% من الإجمالي)، فضلاً عن الرسوم المحصلة من مختلف الإجراءات الشكلية أو الخدمات المقدمة التي يكون المستخدمون أسرى لها. على سبيل المثال، تمثل الرسوم الإدارية وحدها 4% من إجمالي الإيرادات المتوقعة، مقارنة بنحو 12% لجميع ضرائب الدخل مجتمعة. وتمثل عائدات الاتصالات، وهي ضريبة غير مباشرة أخرى متنكرة في صورة تعرفات ورسوم، نحو 9% من الإيرادات المتوقعة.
(**) أنجزت هذه الورقة بالتعاون بين المحامي كريم ضاهر والمفكرة القانونية وALDIC ومبادرة سياسة الغد وكلنا إرادة. وقد أعدت هذه قبل حرب غزة، والتي أصبح تأثيرها مؤكداً على الاقتصاد اللبناني، بما يؤثر على التوقعات المالية، ناهيك عن سيناريو حرب واسعة النطاق في لبنان، والتي من شأنها أن تعطل كل شيء.
المادة 20 – «التتبع السريع» للخدمات العامة
استحداث رسم للخدمات السريعة والعاجلة في الإدارات العامة تحت مسمى «الخدمات العاجلة مدفوعة الأجر». يدفعها الراغبون في تسريع معاملاتهم أو من لديهم قضايا عاجلة. يتمثل الخطر الرئيس، الذي قد ينجم عن هذه المادة، في تشريع الرشوة والفساد تحت ستار «الخدمة السريعة». بدلاً من إصلاح الإدارة العامّة ضمن إطار من المبادئ الواضحة. يقوّض هذا الإجراء المؤسسات، ويعيق هيئات الرقابة، ويمنع المساءلة، كما يكسر مبدأ المعاملة العادلة بين المواطنين: فالذين لا يستطيعون دفع تكاليف الخدمات السريعة يمكن حرمانهم من الوصول إلى الخدمات العامة.
* تم إلغاء هذه المادة من قبل لجنة المال والموازنة النيابية.
المادة 21 – تشريع الهيركات
السماح لدافعي الضرائب بتسوية ضرائبهم عن الفترات السابقة بالعملة الأجنبية – وتحديداً «اللولار» أي على أساس 50% من سعر صرف الدولار على منصة صيرفة (40% سابقاً). تقنن هذه المادة مفهوم «الحسابات القديمة»، وتشرّع الهيركات على الودائع في غياب أي إطار لإعادة هيكلة البنوك. وهذا ما يصب في صالح المصارف التي تعمل على تخفيض مطلوباتها.
* تم إلغاء هذه المادة من قبل لجنة المال والموازنة النيابية.
المادة 22 – دولرة الضرائب
هناك استثناءات عدة لمبدأ دفع الضرائب بالليرة اللبنانية. ويعود هذا القرار إلى حاجة الخزينة إلى الدولارات لتمويل نفقاتها من العملات الأجنبية في اقتصاد يعتمد على الدولار بشكل متزايد. ومع ذلك، إن دولرة الضرائب بشكل كامل سوف تؤدي إلى انخفاض الطلب على الليرة اللبنانية في السوق، خصوصاً أن الطلب الأساسي عليها الآن ينبع من حاجة الناس إلى دفع الضرائب وفواتير مؤسسة الكهرباء بالعملة المحلية. وهذا ما سيؤدي إلى تراجع التعامل بالليرة ومزيد من الانخفاض في قيمتها، لا سيما في ظل غياب سياسة نقدية شاملة.
* هذه المادة معلقة بانتظار مراجعة لجنة المال والموازنة النيابية.
المادة 25 – الإحتساب التعسفي لضريبة الدخل على الأجور بالدولار
يتم تحويل الرواتب والأجور بالدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية بسعر مخفّض وفقاً لأحكام المادة 35 من القانون رقم 10 الصادر في 15/11/2022. ويتم بعد ذلك تطبيق الضريبة وفق جدول منقّح يؤدّي إلى زيادة العبء الضريبي على الموظفين في القطاعين الخاص الرسمي. يتم بعد ذلك تحويل الضريبة المحتسبة إلى العملة الأجنبية بناءً على سعر منصّة مصرف لبنان. من ناحية، يعد هذا حساباً تعسفياً لا يعكس سعر الصرف الحقيقي. ومن ناحية أخرى، القضية الأساسية هي التفاوت بين من يتقاضون أجورهم بالليرة ومن يتقاضون أجورهم بالدولار، إضافة إلى العبء الزائد على الأجراء من ذوي الدخل المنخفض والمتوسّط. يجب توحيد السياسات الضريبية وأسعار الصرف.
* هذه المادة معلقة بانتظار مراجعة لجنة المال والموازنة النيابية.
المادة 58 – ضريبة الدخل على الأرباح الرأسمالية المحققة في الخارج
تعد هذه المادة إصلاحية بالمبدأ، وقد طرحها في البداية وزير المالية يوسف خليل في موازنة 2023. ثم عُدِّل الطرح لاحقاً من الحكومة التي حاولت منح إعفاءات ضريبية على الثروات الموجودة في الخارج وإفادة المتهرّبين من دفع الضرائب لعقود من الزمن أثناء إقامتهم في لبنان. لكن سحبت هذه المادة المعدّلة تحت ضغط من المجتمع المدني – بمن فيهم «كلنا إرادة» – وأعيدت المادة إلى صيغتها الأولية، والتي تمثل في حد ذاتها نقطة انطلاق قوية. مع ذلك، لا تزال هناك خطوات ملموسة يجب اتخاذها في وزارة المالية لضمان التنفيذ الفعّال لهذه المادة، ولا سيما اعتماد إجراءات تسمح بتبادل المعلومات مع إدارات الضرائب الأجنبية.
* لجنة المال الغت الفقرة الثانية من المادة أي التي تتعلق بالعقوبة.
المواد 64 و65 و69 – إعادة تقييم الشرائح الضريبية بشكل سيئ
تؤدي إعادة تقييم الشرائح الضريبية بهدف ضبط التضخّم إلى زيادة العبء الضريبي على فئات دخل معينة، وبالتالي زيادة احتمالات التهرّب الضريبي وتشجيعه (راجع التعليق على المادة 25). على سبيل المثال، تتكوّن ضريبة الدخل على الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد وفق الآتي:
ضريبة بنسبة 2% على صافي الدخل الذي لا يتجاوز 70 مليون ليرة لبنانية (786 دولاراً أميركياً)، وتصل إلى 25% على صافي الدخل الخاضع للضريبة الذي يتجاوز 2.44 مليار ليرة لبنانية (27,415 دولاراً أميركياً). وهذا يعني أن الحد الضريبي انخفض إلى أقل من 790 دولاراً، في حين كان عند 4000 دولار في موازنة 2019. بالإضافة إلى ذلك، بات معدل الضريبة على الشريحة العليا (25%) يطبق على دخل يعادل 27,415 دولاراً أميركياً، في حين كان يطبق سابقاً على دخل يعادل 150,000 دولار أميركي. إلا إذا استمرت الإدارة الضريبية في تطبيق سعر الصرف 15000 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
* تخضع هذه المواد، ولا سيما الشرائح الضريبية، للمراجعة من قبل لجنة المال والموازنة البرلمانية.
المادة 111 – خفض سقف ضريبة القيمة المضافة إلى ثلث مستواه السابق
حدّد السقف الجديد للالتزام بضريبة القيمة المضافة بنحو 2 مليار ليرة لبنانية، وهو ما يعادل مبيعات شهرية تزيد قليلاً عن 2000 دولار أميركي. قبل الأزمة، تم تحديدها بمبلغ 100 مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 5555 دولاراً أميركياً شهرياً. إن خفض السقف قد يؤدي إلى مشاكل عملية كبيرة مع الإدارة الضريبية وقد ينتج عنه مزيد من التهرّب الضريبي وتغذية الاقتصاد النقدي. بدلاً من ذلك، قد يؤثر التنفيذ الفعّال للقانون على القدرة التنافسية للمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
لا يمكن أن تكون هناك سياسة إقتصادية قابلة للحياة من دون زيادة الضرائب ومع ذلك يعتمد تحصيل الضرائب على بناء الثقة بين دافعي الضرائب والوكلاء الاقتصاديين والدولة – وهذه رؤية مؤسّسية تُجسّد العقد الإجتماعي المنشود – لخدمة مصالح الأُسر والشركات
لا يزال عبء المساهمة الضريبية يقع بشكل غير متناسب على دافعي الضرائب أنفسهم – أي الشرائح الأكثر فقراً والأكثر التزاماً بالقانون – في حين يتم إعفاء الفئات الأغنى والعاملين في القطاع غير الرسمي وتأتي غالبية إيرادات الموازنة من ضرائب الاستهلاك والرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة