يبدو القانون المقترَح لرفع السرّية المصرفية عن كل العاملين في الشأن العام موضعَ جدل، بسبب ما يتضمّنه من ثغرات ونقاط مبهمة، ومطبّات قد تؤدي الى عكس المطلوب، أو تحويل الملف الى مجرد وسيلة تستهدف الكسبَ المعنوي، من دون الوصول الى هدف مكافحة الفساد وإقصاء الفاسدين.
يناقش مجلس النواب اليوم مشروع قانون يرفع السرية المصرفية عن كل العاملين في الشأن العام وموظفي القطاع العام، بدءاً برأس الهرم، أي رئيس الجمهورية، وصولاً الى أصغر أجير في الدولة.
مبرّرات هذا القانون، كما شرحها النواب الذين تقدّموا به باسم تكتل لبنان القوي، لا تقتصر فقط على الحرب ضد الفساد بل تغوص في أبعادها الى كيفية التصدي له.
وجاء في المشروع انه “من الضروري ازالة كل العوائق التي يوفرها التمسّك بالسرية المصرفية من قبل الأشخاص الموكل اليهم ادارة شؤون الدولة ومرافقها واداراتها ومؤسساتها العامة والعاملين فيها، وذلك من خلال تعديل قانون سرية المصارف الصادر في 3 ايلول 1959 بإضافة مادة اولى مكرّرة اليه تستثني حكماً هؤلاء الاشخاص من الاستفادة من هذه السرية واستغلالها من أجل تحقيق مكاسب مشبوهة وغير سليمة.
وجاء في الاقتراح ما يلي:
أ – يُستثنى من أحكام هذا القانون ولا تخضع للسرية المصرفية وتكون مرفوعة حكما عن جميع الحسابات النقدية والإستثمارية، السابقة أو اللاحقة لهذا القانون، بجميع أنواعها وفئاتها، المفتوحة لدى المصارف المؤسسة والعاملة في لبنان بأنواعها وجنسياتها كافة، ولدى فروعها ومكاتبها التمثيلية في الخارج، وكذلك لدى الشركات والمؤسسات المالية، والتي يكون أصحابها أو المستفيدون منها أو الشركاء فيها من الوزراء والنواب والموظفين والقضاة والعسكريين ورؤساء وأعضاء الهيئات القضائية والناظمة والادارية على اختلاف أنواعها والمراقبين والمدقّقين الماليين وكل مَن يقوم بخدمة عامة وبشكل عام كل مَن هو محدَّد في المادة 2 من القانون رقم 154 تاريخ 27/12/1999 (قانون الإثراء غير المشروع) وأزواجهم وأولادهم القاصرين والأشخاص الثالثين، معنويين أو طبيعيين، المعتبرين بمثابة الشخص المستعار.
ب – على كل من ذكر في الفقرة (أ) أعلاه، دون أيّ قيد أو شرط لا سيما على الرتبة أو الدرجة، أن يقدم خلال شهر من تاريخ نفاذ هذا القانون، تحت طائلة إبطال انتخابه أو تعيينه أو صرفه من الخدمة، كتاباً، وفق انموذج يعده ضمن هذه الفترة ولهذه الغاية مصرف لبنان، موقّعاً منه يصرّح بموجبه عن جميع حساباته النقدية والاستثمارية المفتوحة في المصارف و/أو المؤسسات و/أو الشركات المالية في الخارج العائدة له ولزوجته وأولاده القاصرين، ويعلن فيه عن موافقته غير المشروطة على التنازل المسبق عن الاستفادة من السرية المصرفية والسماح والترخيص للمراجع القضائية اللبنانية المعنية بالاستحصال، دون قيد أو شرط، على أي أو كل مستند أو معلومات من المصارف أو المؤسسات أو الشركات المالية في الخارج يتعلق بتلك الحسابات كافة كائنة ما كانت، ويودع هذا الكتاب في خزنة خاصة لدى مصرف لبنان.
ولم يعفِ القانون في الفقرة (ﻫ) منه المعنيين به حتى بعد تاريخ استقالتهم أو إنهاء خدماتهم أو إحالتهم على التقاعد.
لزوم ما لا يلزم
أسئلة كثيرة تُطرَحُ حول الملاحظات أو الثغرات الكامنة في القانون المُقترح…
المحامي كريم ضاهر، الاستاذ المحاضر في قانون الضرائب، اورد ملاحظات أوّلية ﻠ”الجمهورية” منطلقاً من الفقرة (أ) بحيث اعتبر انه لم يتمّ في هذه الفقرة لحظ الحالات التي يكون فيها الشخص المستعار، شريك صاحب قرار، مؤثر في شركة ذات شخصية معنوية أو مجردة منها. كما وانه لم يُصر إلى تحديد أو تعريف “الشخص المستعار” كما هي الحال في أيّ قانون آخر (بعكس المستفيد من الحق الاقتصادي)، ما يفتح المجال واسعاً للتنصّل والتهرب. ولم يتم تحديد العقوبات الخاصة (خارج النصوص القانونية المرعية) المترتبة عن إفشاء المعلومات بصورة غير أصولية وخارج ما يحدده هذا القانون، ما يؤدّي إلى نتائج عكسية وتحفيز صرف النفوذ والفساد وسوء إستعمال السلطة.
أمّا بالنّسبةِ إلى الأسباب الموجبة فانتقد ضاهر إعادة التذرّع بالمنحى والضغط الدوليين لتبرير عامل السرعة وعدم طرح الموضوع للنقاش العام والبحث ولا حتى للدرس في لجنتي الإدارة والعدل والمال والموازنة والسؤال: “ما دخل السياسيين بالقانونين ٤٤/٢٠١٥ و٥٥/٢٠١٦؟” داعياً في هذا الإطار الى وجوب استدعاء مجموعة من الاخصائيين كممثلين عن المصارف والقطاعات المهنية المعنية لأنهم سيفيدون بآرائهم وخبراتهم.
بالاضافة الى ذلك، “لم يتمّ لحظ المتعاقدين مع الدولة من مشتركين في المناقصات والمستفيدين من الامتيازات ومنفّذي الأشغال العامة والمشاريع وسواها”. ويشير ضاهر في هذا السياق، الى ضرورة وضع ودرس مشروع متكامل لتعديل قانون السرية المصرفية والولوج إلى السرية المهنية وتفادي التهرب الضريبي بما يساعد على سد جميع الثغرات الموجودة أو الممكنة لا سيما عن طريق الأشخاص المستعارين، كي لا يشكل هذا القانون المطروح ذريعة للتهرب او الاستنسابية وإبراء الذمة.
وسأل ضاهر: “لماذا لا يرفق هذا القانون بقانونٍ آخرٍ أو نصّ يمكّننا من التحقّق من أصل ومصدر دخل جميع الأشخاص المستهدفين منذ 30 عاماً أو على الأقل منذ 15 عاماً؟ معتبراً أنّ بعض العبارات او النصوص تتضمّن ابهاماً يؤدّي الى الضياع في تفسيرها.
وعن الثغرات الموجودة، هناك إشارة الى عبارة”الأولاد القاصرين” دون “الراشدين” للسياسيين، والى عدم تحديد نوع او طبيعة الاملاك في الشركات الملحوظة في القانون. وتخوّف من عدم شفافية القانون في حال تطبيقه لأنّ المواطن اللبناني لن يطّلع على المستندات بل ستبقى في عهدة مصرف لبنان. كما لا يشير القانون الى المساءلة مع تبيان العقوبات في حال تهرّب النائب مثلاً من دفع الضرائب ورسوم الإنتقال للدولة.
اخيراً اقترح ضاهر أن يأتي التعديل في قانون الإثراء غير المشروع رقم 145 تاريخ 27-11-1999 في المادّة 13 منه التي تنصّ على تطبيق قانون سرية المصارف، إذ يمكننا تعديل هذا البند من دون أن يتعارض مع بقية احكام هذا القانون. امّا بالنسبة الى توصيف الجرم، فالآلية موجودة في القانون 44 تاريخ 24 -11- 2015 لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.