الهرب من العتمة: كل الطرقات مقطوعة!

في وزارة الطاقة تسليم بأن العتمة الشاملة صارت واقعاً. بشكل أدق، سقط من قاموس العاملين في القطاع ما يسمى بـ«عطل على الشبكة». كل عطل يعني تلقائياً الانقطاع الشامل للكهرباء. تقنياً، طالما أن الإنتاج يقلّ عن 800 ميغاواط، فلا شيء يضمن الحفاظ على استقرار الشبكة إذا أصابها أي عطل. أما إذا قلّ عن 500 ميغاواط، كما حصل الاسبوع الماضي، فإن الشبكة ستكون معرضة للـ black out حتى من دون أعطال.

لكن إلى جانب القلق الدائم من تأخر شحنات الفيول، أو تأخر فتح مصرف لبنان للاعتمادات، فإن القلق يستمر من عدم القدرة على تمويل الصيانة، بسبب رفض المصرف دفع أي دولار. حتى الاتفاق الذي كان قد أنجز، وينص على أن تحصل الشركات مقدمة خدمات التوزيع على ثلث مستحقاتها بالليرة والثلث الآخر بـ«اللولار» والثلث الأخير على سعر منصة «صيرفة»، بدلاً من الدولار النقدي كما حصل سابقاً، سقط. فالدولار وصل إلى 20 ألفاً، والشركات التي وافقت على تحمل خسارة بسيطة عندما كان الدولار يناهز 13 ألفاً، عادت ورفضت لأن الفارق بين سعر «صيرفة» وسعر السوق وصل إلى 40 في المئة. علماً أن إشكالاً آخر كان يواجه هذا الحل يتمثّل في تحديد الجهة التي تتحمل فارق السعر بين الـ1500 ليرة التي تدفعها كهرباء لبنان والـ12 ألفاً التي أبدى مصرف لبنان استعداده لدفعها، شرط أن يُسجل الفارق ديناً على الخزينة. لكن بعدما تبين أن ذلك يحتاج إلى قانون، لم يتم التقدم بالاقتراح لأنه لا إمكانية محاسبية لتبرير دفع المبلغ من الخزينة.

تذكر مصادر وزارة الطاقة أن ما دُفع على الكهرباء خلال ستة أشهر كاملة، تخطى 100 مليون دولار بقليل، في حين أن الاعتماد الذي فُتح لتغطية نفقات الفيول في عام 2020، كان مليار دولار، لكن بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط العام الماضي، استعمل الفائض لتغطية حاجة المؤسسة حتى شهر أيار، فيما لن يكفي اعتماد الـ200 مليون دولار لما بعد آب، على معدل التغذية الحالي.

أمام هذا الواقع، ألم يحن الوقت لتقوم وزارة الطاقة، ومن خلفها الحكومة، بإجراءات جدية لتقليص الحاجة إلى الدولارات؟ الاتفاق مع العراق، الذي تؤكد المصادر أنه يسير نحو التوقيع، يمكن أن يشكل نموذجاً. لماذا لم تتواصل الحكومة مع أي من الدول الصديقة للبحث في إمكانية تكرار الأمر نفسه، بحيث يحصل لبنان على الفيول، مقابل تسديد ثمنه سلعاً وخدمات؟ لا إجابة جدية على السؤال سوى تأكيد أن البدء بتنفيذ الاتفاق مع العراق، يمكن أن يدفع دولاً أخرى لتكرار الأمر. بحسب مصدر حكومي، المشكلة الأساس أن الشركات العالمية ترفض التعامل مع لبنان، بعد التخلف عن دفع الديون، حتى ولو حصلت على ضمانة سيادية. فالكل يعتبر أن الضمانة الفعلية هي الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد، وإلى ذلك الحين فإن أحداً غير مستعد لدفع أي دولار في لبنان.

يبقى عملياً مصدران، الحصول على الغاز من مصر، عبر إعادة تفعيل خط الغاز العربي، أو شراء الكهرباء من الأردن، عبر شبكة الربط العربي. المشروع الأول، تعترضه عقبتان: عقبة سياسية تتعلق بالعلاقة بين مصر وسوريا والعقوبات الأميركية على سوريا، والتي يفترض أن تحصل مصر على استثناء لها، في حال أرادت بيع الغاز إلى لبنان، وعقبة تتعلق بتضرّر الخط في سوريا في منطقة الريان ووجوب أن تقوم الحكومة السورية أولاً بترميمه (لا يصل الخط العربي إلى لبنان مباشرة بل تجري عملية استبدال للكميات بين لبنان وسوريا). أما بالنسبة لشراء الكهرباء من الأردن، فأيضاً تواجهه عقبتان: تضرر عدد كبير من أعمدة التوتر العالي في منطقة درعا، ووجوب استثناء الأردن من تبعات قانون قيصر. وفي الحالتين، تجدر الإشارة إلى أن لبنان لن يكون معنياً بمسألة العقوبات، فهو يوقّع عقداً مع مصر أو مع الأردن اللتين تدفعان لسوريا رسوم المرور.

كل ذلك يقود إلى أمر واحد: لا مخارج لأزمة الطاقة في لبنان. ولذلك، فإن في الحكومة الحالية من صار يتحدث عن انقطاع التيار بشكل كلي، عاجلاً أم آجلاً، انطلاقاً من أنه حتى لو تأمن الفيول جزئياً من العراق، فإن المعامل لن تكون قادرة على العمل لفترة طويلة من دون صيانة، بخاصة أن المعامل العائمة (البواخر التركية) التي تحمل الشبكة حالياً، ستغادر في نهاية أيلول.

مصدرجريدة الأخبار -
المادة السابقة“موانئ دبي العالمية” تعلن فوزها بحكم ضد شركة ميناء جيبوتي
المقالة القادمةتونس تقر قانونا للإنعاش الاقتصادي وتسوية مخالفات الصرف