ناقشت الهيئات الاقتصادية اللبنانية في إجتماع لها برئاسة الوزير السابق محمد شقير مشروع قانون المنافسة المعدل 2019 الذي نشره وزير الاقتصاد والتجارة على موقع الوزارة الالكتروني لتلقي الملاحظات عليه.
واشار بيان صادر عن الهيئات الاقتصادية: “بعد اجراء قراءة مستفيضة لهذا القانون، تؤكد الهيئات رفضها المطلق له لما يتضمن من بنود تتناقض مع مبادئ الاقتصاد الحر وجوهر المنافسة والتنافسية”.
وأعلنت انها “كلفت مكتب المحاماة “عالم وشركاه” للمحامي محمد عالم لوضع الملاحظات على مشروع القانون، مشيرة الى ان المكتب المذكور انجز ورقة الملاحظات”.
نص ورقة الملاحظات:
وجاء في نص الورقة: “بناء على تكليفكم لنا بوضع تصور أولي ومبدئي حول “مشروع قانون المنافسة المعدل 2019” والذي وضع معالي وزير الاقتصاد والتجارة حدا للتعليق عليه بتاريخ 12/06/2020، وبما أن المشروع المذكور المؤلف من 70 مادة قانونية يتعلق بتنظيم حرية المنافسة الذي هو مبدأ دستوري منصوص عليه ضمنا في الفقرة “و”من مقدمة الدستور اللبناني والتي تنص على أن: “النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة”، وبما أن المادة الأولى من المشروع تنص على الهدف منه وهو “تحديد القواعد المنظمة للمنافسة (…)، بما يحقق الفعالية الاقتصادية ويعزز الانتاج وكفاءة المنتجات والابتكار والتقدم التقني ويساهم في انخفاض الأسعار وتحقيق الرفاه للمستهلكين”، نجد أنه من الضروري التحفظ على اعتماد مشروع القانون بصيغته الحالية والتنبه من الثغرات الدستورية والمنهجية التي تضمنها والتي قد تبطل الغاية المرجوة منه والتي قد يتطلب تعديلها إعادة صياغة جذرية للأسباب القانونية التالية، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1- في منهجية المشروع
أ- لم يتبين لنا وجود أي دراسة علمية مرفقة بالمشروع حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية له سوى مجرد إعلانه أنه سيضمن “انخفاض الأسعار وتحقيق الرفاه للمستهلكين” فجاء خارج السياق القانوني-الاقتصادي المرافق والضامن له، في الوقت الذي وردت نظم تعزيز مفهوم حرية المنافسة في فرنسا ضمن قانون عام وشامل يتعلق بتطوير الاقتصاد أقر بتاريخ 4 آب 2008، ورعى أسس إنشاء وتطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتفعيل التبادل التجاري والحوافز والخدمات المقدمة من الدولة وتفعيل استخدام شبكة الانترنت السريع واستقطاب رؤوس الأموال وتسهيل الحصول على القروض وعدم التهرب الضريبي والشفافية في الوصول الى المعلومات والبيانات الاقتصادية وغيرها من المواضيع الأساسية لضمان حرية المنافسة وتشجيعها.
ب – لقد خلا المشروع من الأسباب الموجبة له مما استحال علينا فهم منطوقه وغايات صياغة مواده بحالتها الراهنة والفلسفة من وراء اعتماده لإجراءات معينة دون غيرها وما هي الإفادة من ترك المجال واسعا لاستنسابية السلطة التنفيذية في التدخل في مفاصل أساسية من الحلول التي اعتمدها المشروع.
ج - من المرجح أن مشروع القانون قد اعتمد التجربة الفرنسية كمعيار له مع إدخاله تعديلات عليها أفرغتها من مضمونها وفعاليتها. كما أنه لم يذكر لماذا تم استبعاد التجارب القانونية الأخرى التي تترك للقضاء فقط حق تقرير وجود احتكار من عدمه بدلا أن تعطى الإدارة هذا الحق مع ما يترافق ذلك من مخاطر لا تخفى على أحد.
د- عدم وضوح آلية التشاور حول المشروع والاكتفاء بتأمين عنوان بريد الكتروني ترسل اليه الملاحظات مما يتعارض مع أبسط قواعد إعداد القوانين التي يجب أن تكون انعكاسا للسياسات العامة. إن أي صياغة جدية يجب أن تكون تشاركية وشفافة وتمتد على فترة زمنية كافية نسبيا لعرض المفاهيم وبلورتها والتفاوض حولها ومقارنتها وتقديم الحجج والحجج البديلة وصولا الى الاتفاق على صياغة موحدة. إن المدة الزمنية للتشاور حول المشروع هي قصيرة نسبيا ولا تترك المجال لإبداء رأي مسؤول وموثق يكون مبنيا على جمع آراء جميع الهيئات الاقتصادية واستمزاج مواقفهم وهواجسهم.
2- في عدم الدستورية والثغرات القانونية
أ- لقد أوكل المشروع لهيئة ناظمة أمر تنظيم الاقتصاد التنافسي والاحتكارات والهيمنة والتركيز الاقتصادي ومعاقبة الممارسات والاتفاقات المخلة بالمنافسة وغيرها من الأمور. ومن المتعارف عليه قانونا أن هذا النوع من الهيئات يعرف بالسلطات الإدارية المستقلة والتي لها أسسها الدستورية والقانونية لضمان استقلاليتها المالية والإدارية. إلاّ أن مشروع القانون لم يضمن استقلالية الهيئة الناظمة لحرية المنافسة حيث وضعها تحت إشراف وزير الاقتصاد والتجارة بما يبقي سيطرته على مراقبة عمليات التنافس الحر والأداء التنافسي للأسواق ويلغي الغاية التي أنشئت لها هذه الهيئة. أضف الى أن آلية تعيين أعضاء الهيئة لا تضمن هذه الاستقلالية ولا تعطي ضمانات للهيئات الاقتصادية بأن من يمثل قطاعي الانتاج والتوزيع داخل الهيئة سيتم اختيارهما وفق معايير موضوعية لا سياسية.
ب- لقد أعطى المشروع للهيئة صلاحيات قضائية لتصبح في آن معا سلطة إدارية وقضائية بما يتعارض مع مبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في الفقرة “ه”من مقدمة الدستور اللبناني. هناك تعديلات جوهرية يجب أن يتم اعتمادها للسماح للهيئة بأن يكون لها طبيعة مزدوجة وهي غير مؤمنة في هذا المشروع.
ج- لقد أعطى المشروع للهيئة حق التحقيق والحكم في آن معا. إن سلطة فرض العقوبات المعطاة للهيئة وتحويلها الى سلطة قضائية لا يمكن أن يترافق إلا مع احترام حق الدفاع المطلق للمتضررين لما للعقوبات التي تفرضها هذه الهيئة من آثار خطيرة على الأشخاص الذين تطالهم وعلى الاقتصاد بشكل عام.
د- غموض النص القانوني لجهة علانية ووجاهية المحاكمة أمامها بما يعرضه للطعن لعدم الدستورية.
ه- لقد ربط المشروع بعض قرارات الهيئة بقرارات الهيئات المخولة بموجب انظمتها الخاصة صلاحيات تنظيم قطاع اقتصادي معين في الدولة ومراقبته والإشراف عليه. إن عدم تعيين هذه الهيئات على الرغم من النصوص القانونية التي تنشئها وطبيعة بعض الهيئات غير المستقلة فعليا تشكل خطرا أساسيا في إمكانية أن تخدم الهيئة الهدف المقرر لها بما يهدد مبدأ حرية التنافس.
و- ينص المشروع أن وزير الاقتصاد والتجارة له أن يبت بعمليات التركيز الاقتصادي وفقا لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة وهذا مصطلح مطاط وعدم تحديده بشكل دقيق يعرض المشروع للطعن الدستوري.
ي- يخالف المشروع مبدأ دستوري يتعلق بقرينة البراءة حيث ويعتبر أن الاتفاق بين المتنافسين هو مسبب للضرر حتى إثبات العكس.
ح- لم يتطرق المشروع الى تنظيم أو إزالة احتكارات الدولة للكثير من القطاعات الحيوية بما يمنع توفير الخدمة الأفضل للمواطنين ويساهم في خلق منافسة غير مشروعة بما يضرب القطاع الخاص.
لكل هذه الأسباب ولغيرها بما سنأتي على ذكره لاحقا، نقترح التريث في قبول المشروع المطروح لكي يتسنى لنا وضع آلية تعاون شفافة وفعالة بين جميع الشركاء المعنيين بحماية المنافسة وتحديد فترة زمنية للتشاور والصياغة لا تقل عن أربعة أشهر، ينتج عنها صياغة مشروع قانون بديل لحماية المنافسة وتعزيزها بما يضمن احترام المبادئ الدستورية المقدسة والحريات”.