أكانت مفلسة أو غير مفلسة، الهندسات التي قامت بها قانونية أو غير قانونية… خسائرها محقّة أو غير محقّة، ستسلك المصارف كما تبيّن للوفد الذي غادر الى فرنسا واجتمع مع الجانب الفرنسي الذي دخل على خطّ الوساطة، أن مشوار التقليص وإعادة الهيكلة والزوال بالنسبة الى البعض على قاعدة القوي يبقى ويستمر واذا كانت إمكانياته تسمح يأكل الضعيف، فضلاً عن إقرار قانون الكابيتال كونترول… أما “جريمة الهيركات” التي ارتكبتها شركة “لازارد” التي اعدت خطة حكومة الـ”دياب” فلا بدّ أن يكون مصيرها الزوال، كما قال محامي جمعية المصارف في لبنان أكرم عازوري خلال حديثه مع “نداء الوطن”.
عملية شدّ الحبال بين الحكومة اللبنانية والقطاع المصرفي تتوسّع رقعتها. المصارف تحاول التخفيف من حمل المسؤولية الملقاة على عاتقها من خلال الحدّ من قيمة الخسائر، وتحتجّ على تحويل رؤساء وأعضاء مجالس إداراتها وكبار مساهمي المصارف نسبة 30% الى حساب خاص من قيمة الإعتمادات المستندية المفتوحة، في أي من السنوات 2017 أو 2018 او 2019، في حين أن الحكومة تلقي الملامة على المصارف التي أخفقت في هندساتها المالية.
وما التدخل الفرنسي من خلال البنك المركزي الذي “يطّلع” على حسابات مصرف لبنان طبعاً وعقود التحقيق والتدقيق الجنائي التي وقعها وزير المال مع شركات Alvarez & Marsal… و شركة KPMG للتدقيق المحاسبي، سوى الخطوة الحاسمة لتحديد الخسائر وبداية مشوار تقليص القطاع المصرفي والدخول في نفق إعادة هيكلته وخفض عدده، واقرار قانون الكابيتال الكونترول… معتمدين على مقولة القوي هو الذي سيبقى في السوق.
كلّ ذلك من شأنه إعادة ترسيخ الثقة المفقودة بالقطاع المصرفي ومتابعة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً اذا ما حصل تحت “وصاية” خارجية، لكن هل سيؤدي ذلك الى تحرير ودائع الناس؟
لا يختلف اثنان على أن السحوبات النقدية بالدولار لن نراها مجدداً أقله لفترة عامين. فـ”الركّ” اليوم هو على اعتماد العملة الوطنية خصوصاً في ظلّ انهيار الليرة اللبنانية بنسبة 80%.
البعض يقول إن المصارف ليس لديها أموال فيما يعتبر البعض الآخر أنها غير مفلسة وإنما الدولة هي المفلسة، بحجّة أن أموال المودعين موجودة في مصرف لبنان تحت غطاء الإحتياطي الإلزامي والذي يبلغ 17.5 مليار دولار. فإفلاس الدولة انعكس تراجعاً في الثقة لدى المودعين وبدء “همروجة” السحوبات للأموال المحبوسة في البنوك.
عازوري، هو من الذين يؤّكدون أن المصارف اللبنانية ليست مفلسة وإنما الدولة مفلسة ويقول إن “المشكلة تكمن في التحاويل الخارجية التي توقفت والتي كانت تعتبر ركيزة أساسية للنقد بالعملة الأجنبية في البلاد”. من هنا يؤكّد عكس ما يعتقده المودعون أن “ودائع الناس للإستعمال الداخلي متوفّرة في لبنان ولو لم تكن كذلك لما نما قطاع المبيعات العقارية في زمن الأزمة والإنهيار”. وركّز على أن زعزعة الثقة السياسية هي التي أدت الى “هجمة” المواطنين على المصارف للحصول على ودائعهم في آن واحد بهدف تخبئتها تحت الوسادة”. وفي إطار دفاعه عن المصارف أكّد أنه “لا يمكن لأي بنك في العالم مهما كان كبيراً أن يتحمّل وزر هذه السحوبات المستمرة والكبيرة. ومصرف لبنان غير قادر على إعادة الأموال كلها الى اصحابها في آن معاً، ولكنها مضمونة لديه”.
مهمة إعادة الثقة
من هنا تبرز مهمّة الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها وهي إعادة الثقة الى الداخل قبل الخارج لأن ثقة المجتمع الدولي يمكن أن نحصل عليها في ما بعد. وهكذا يعيد الللبنانيون الأموال المخبأة لديهم الى المصارف”. وحول إمكانية ذلك في وقت قصير وببساطة يقول عازوري إن “ذلك ممكن تماماََ، فكما خرجت الأموال من المصارف في شهر واحد بسرعة، يمكن أن تعود في أقلّ من شهر، شرط التوافق السياسي وتشكيل حكومة قادرة على إنجاز التغييرات المطلوبة”. ويضيف أن “أكبر إقتصادات في العالم لا سيما الإقتصادين الأميركي والأوروبي كادا أن يسقطا خلال الأزمة المالية العالمية في العام 2008 لو لم تتمّ طباعة الأموال”.
خطة مقنّعة تمنع الهدر
أما بالنسبة الى الـ”هيركات” التي خرجت به خطة التعافي الإقتصادي، فيعتبر عازوري أنه “على الحكومة الجديدة شطب هذه الكلمة من لائحة الإجراءات التي ستقبل عليها”، معتبراً أن “هذا الأمر أكبر جريمة ارتكبتها الخطة التي أعدّتها شركة “لازارد”. ويسأل: “هل من المعقول أن يودع المغتربون اللبنانيون أموالهم في المصارف اللبنانية ليصار في الختام الى اقتطاع الفوائد منها…؟”.
وإذ أشار الى أنه “يجب على السلطة التنفيذية أن تعدّ خطة مقنعة وأن تقف الى جانب اللبنانيين، أكّد أنه يجب أن يواكب ذلك وضع حدّ للهدر، مع الإشارة هنا الى أن العبرة تكون في التطبيق وليس في النظريات”.
ويقول: “هل الإنهيار حصل فعلاً في شهر واحد يوم بدأت الثورة؟ طبعاً لا فهو جاء نتيجة الهدر والتوظيف العشوائي والفاتورة الكهربائية التي رفعت من قيمة الديون على البلاد…”، مؤكّداً أنه “كما انهارت الثقة في شهر فستعود في اقلّ منه اذا تأمنت الظروف الملائمة”. وحول جوازية بدء التحقيق والتدقيق الجنائي الذي ستقوم به شركتا Alvarez $ marsal و KPMG وبدء عملية تجميع المعلومات من الناحية القانونية، لفت عازوري الى أن “مصرف لبنان ليس فريقاً فيه ولم تتمّ استشارته عند التوقيع على العقد”، مذكّراً بأن “نظامنا النقدي مبني على استقلالية السلطة النقدية”.
يبقى الواجب الأخلاقي، كما قال عازوري، هو “الضمانة لإعادة كل وديعة الى صاحبها قبل ان يكون قانونياً، من هنا يجدّد تأكيده أن هذا الأمر لا يتحقّق من دون شطب كلمة هيركات من أية معادلة”. مؤكداً أن تسديد الودائع يتطلب من السلطة التنفيذية الخروج بخطة منطقية لديها مصداقية فلا يضطر اي زبون للمثابرة على سحب كل ودائعه من البنك، باعتبار أن الإقتصاد ليس سوى علم تطبيقي على الأرض.