الوصول إلى المعلومات… دونه عقبات واستنسابية مريبة

تمّ إقرار قانون حقّ الوصول الى المعلومات رقم 28 في مثل هذا الشهر من العام 2017. وبعد نحو 3 سنوات صدر المرسوم التطبيقي له في تموز 2020، ولاحقًا تمّ إدخال بعض التعديلات عليه في شهر تمّوز 2021.

إن الإدارات الملزمة بتطبيق القانون هي متنوعة من اشخاص القانون العام والخاص، المعنية بمصلحة عامة، بما فيها بشكل خاص: الوزارات، المؤسسات العامة، المجالس والصناديق، البلديات واتحاداتها، المحاكم، الشركات الخاصة التي تدير مرافق عامة والمنشآت العامة، والجمعيات ذات المنفعة العامة.

أما المعلومات التي يتوجب على الإدارات الملزمة نشرها حكماً فهي: القوانين والمراسيم واسبابها الموجبة، القرارات الادارية والتعاميم والمذكرات، كما ونشر الوثائق المتعلقة بأي عمليّة إنفاق تتجاوز خمسين مليون ليرة لبنانية، وتقارير سنوية عن نشاطات الإدارات الملزمة تتضمن قطع حساباتها.

وفي ما يتعلّق بالمعلومات والمستندات الإدارية التي يمكن الإطلاع عليها بطلب، فهي جميع المستندات العامة بجميع اشكالها، اكانت مطبوعة، الكترونية، مرئية ام مسموعة، بما فيها المراسلات والعقود والدراسات والتقارير والموازنات.

إستثناءات محددة

ولكن ليست كل المعلومات متاحة، اذ ان هذا المبدأ العام تحده استثناءات محددة في القانون في قائمة محصورة تتعلق بمصالح عامة او خاصة راجحة، تتضمن: أسرار الدفاع والأمن وعلاقات الدولة الخارجية كما الأسرار التجارية والمهنية، وتلك التي تمس بالمصالح المالية والاقتصادية والعملة الوطنية، وحياة الأفراد الخاصة وصحتهم، ومجموعة أخرى من الأسرار التي تحميها قوانين خاصة.

«غربال»: الإفصاح يتراجع

درجة الوصول الى المعلومات إستناداً الى الدراسة التي أصدرتها جمعية «غربال» كما أوضحت مستشارة الجمعية الإعلامية إلسي مفرّج لـ»نداء الوطن» أن «نسبة الإدارات العامة التي ردت على طلبات «مبادرة غربال» في العام 2021 تراجعت إلى نحو 42%، من 47% في العام 2020 و52% في العام 2019. علماً بأن هذه النسبة تشمل الإجابات السلبية والايجابية، رداً على طلبات «غربال» الرسمية للحصول على لائحة بأسماء المتعهدين الذين أبرمت معهم الإدارات عقوداً خلال السنوات العشرين الأخيرة منذ العام 2001 ولغاية العام 2020».

واشارت الى أن الدراسة بيّنت أن العام 2021 سجّل أدنى نسبة من الإجابات الكاملة للإدارات خلال اربع سنوات، اذ لم تتخطَ الـ14.8% فيما كانت 23.62% في العام 2020 و25.56% سنة 2019 و16.8% سنة 2018. كذلك سجل العام 2021 أدنى نسبة من التزام الإدارات بالمهل القانونية للرد على طلب الحصول على المعلومات، فكانت 21.68% فيما وصلت الى 43.15% عام 2020 و56.52% سنة 2019 و54.54% سنة 2018.

ولفتت الى أن «أبرز الجهات غير المتعاونة مع مبادرة «غربال»، هي مديريات الرئاسات الثلاث. فللسنة الرابعة على التوالي تمنّع المجلس النيابي عن الرد على طلبنا، واستمرت رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء بقرارهما المتمثل بعدم تزويدنا بالمعلومات. ومن اللافت اجابات بعض الأجهزة الرقابية والقضائية؛ فقد أحال مجلس شورى الدولة طلبنا إلى ديوان المحاسبة على أساس أنه الجهة المسؤولة عن مراقبة عقود ادارات الدولة. الى ذلك أتى ردّ ديوان المحاسبة ناقصاً وخارج المهلة القانونية، وكذلك كان رد مجلس الخدمة المدنية. أما التفتيش المركزي فلم يرد على طلبنا».

ومن خلال إجراء قراءة علمية لنتائج دراسة العام 2021 ومقارنتها بالسنوات الثلاث السابقة من ناحية امتثال الإدارات العامة لتطبيق أحكام قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، تبيّن لـ»غربال» تراجعاً ملحوظاً، ما يعدّ مؤشراً سلبياً خصوصاً بعد صدور المرسوم التطبيقي الخاص بالقانون ومؤخراً تعديل القانون نفسه.

عبود: إنها كذبة

وفي هذا السياق أوضح الوزير الأسبق فادي عبّود لـ»نداء الوطن» أن «قانون حقّ الوصول الى المعلومات لا يطبّق في لبنان واصفاً إياه بـ»الكذبة»، لأنه يعطي الإستنسابية للموظف بعدم البوح بالمعلومات المطلوبة لحجّة ما». لافتاً الى انه تفادياً للوقوع في هامش تلك الإستنسابية لا بدّ من الإلتزام بالشفافية من خلال نشر المعلومات التي تعود الى المؤسسات العامة أوتوماتيكياً على مواقعها الإلكترونية ما يتيح لكل من يرغب في الوصول الى معلومة الإطلاع عليها على الموقع الإلكتروني من دون تكبّد عناء تقديم طلب للحصول على المعلومة التي لا يكون الحصول عليها مضموناً.

إنطلاقاً من هنا «وقّع نواب مشروعاً لإعداد قانون جديد يعطي الحق بالشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، ما يتيح لجميع المناقصات التي تحصل أو يعلن عنها والأموال التي تخرج وتدخل من والى المؤسسات العامة والإدارات والوزارات بنشرها على صفحة المؤسسة الإلكترونية. أما عن مصير هذا المشروع فلا يزال قابعاً في الأدراج « كما أكّد عبّود.

غبريل: داتا تصدر متأخرة

عن اللجوء الى قانون حقّ الوصول الى المعلومات أوضح رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في «بنك بيبلوس» نسيب غبريل لـ»نداء الوطن» أنه «لم يلجأ قطّ الى استخدام هذا القانون لطلب معلومات أو إحصاءات، بل يعمد عادة الى اللجوء مباشرة الى أصحاب الشأن للحصول على المؤشرات الإقتصادية وذلك عند حاجته اليها وتأخّر نشرها على مواقع المؤسسات والوزارات المعنية، أو تتمّ مراسلتهم من خلال كتاب يرسل عبر البريد الإلكتروني».

ولفت الى أننا «نفتقد الى داتا المعلومات الإقتصادية التي تصدر متأخرة جداً مقارنة مع سائر الدول العربية التي تنشرها دورياً ومنها شهرياً. فأرقام المالية العامة لسنة 2022 على سبيل المثال لم تصدر بعد وكان آخر إصدار في تشرين الثاني 2021. وعند السؤال عن السبب ، حصل على الإجابة التالية: موظفو المعلوماتية IT «مُضربون» ولم يتمّ نشرها على موقع وزارة المال. وكذلك الأمر بالنسبة الى ميزانية مؤسسة كهرباء لبنان، لم تنشر بعد أية نتائج حولها ولم يلجأ غبريل من خلال مركز الأبحاث الى هذا القانون للحصول على أية معلومات عنها.

ويستغرب كيف لم يصدر بعد أي مؤشّر عن نسبة النمو المحقّقة في لبنان للعام 2022 والمؤشّر الأخير حولها كان في العام 2021. والأمر نفسه ينطبق على نسب البطالة، مشدّداً على ضرورة إصدار تلك المؤشرات ونشرها على المواقع الإلكترونية دورياً بشكل منتظم.

حق الرفض

ومن الثغرات الموجودة في القانون والتي تعطّل عمله ما ورد في المادة الثانية من قانون حقّ الوصول الى المعلومات التي اعتبرت من قبيل الإساءة في استعمال الحق «كل طلب ذي طابع متكرّر أو منهجي غير مبرّر وكل طلب يرمي الى الإستحصال على الإطّلاع على معلومات أو مستندات غير محدّدة أو غير واضحة أو عن فترات زمنية غير محدّدة أو طويلة بشكل غير مبرّر ومن شأنه أن يعرقل عمل الإدارة وسير المرفق العام».

وكذلك يعتبر من قبيل الإساءة في استعمال الحق وفقاً للمرسوم «عدم إعطاء طالب المعلومات الإيضاحات اللازمة التي تطلبها منه الإدارة ضمن المهل القانونية وفقاً للفقرة د من المادة 14 من هذا القانون او رفض طالب المعلومة دفع النفقات المتوجّبة عليه في معرض طلبات سابقة تمّت إجابتها.»

وبذلك فإن الطلب المتكرّر للمعلومات يمنح الموظف الحقّ برفض إعطاء تلك المعلومة.

كيف يقدّم الطلب؟

يقدّم طلب الحصول على المعلومات كما جاء في مرسوم وزارة العدل رقم 6940 (تحديد دقائق تطبيق قانون الحقّ في الوصول الى المعلومات) من صاحب العلاقة إما شخصياً أو بواسطة وكيل عنه على أن يرفق به مستند يبيّن هويّة مقدّم الطلب. ويمكن تقديم الطلب بالوسائل الإلكترونية وفقاً لآلية خاصة تحدّدها كل إدارة تبعاً لإمكانياتها ويتمّ عندها تخصيص قسم خاص بطلبات المعلومات إما على المواقع الإلكترونية للإدارات أو عبر البريد الإلكتروني بشكل يمكّن الإدارة من التحقّق من هويّة مقدّم الطلب.

وعلى الموظف المكلّف إستناداً الى المرسوم أن يطلب الإيضاحات اللازمة من صاحب العلاقة بصورة خطّية وضمن مهلة الردّ على ان يحدّد له مهلة من أجل إنفاذ ذلك. وتتوقف مهلة الردّ عن السريان الى حين إبلاغ الموظف المكلّف جواب صاحب العلاقة حيث تسري من جديد هذه المهلة.

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةهندسة التدمير النقدي: إستقطاب ملتبس للودائع الدولارية ثم تبديدها بشكل ممنهج وغير مسؤول
المقالة القادمةهل استعمل مصرف لبنان الذهب؟