الوقوع في شرك «صندوق النقد ــــ السلطة»

تناقش الهيئة العامة لمجلس النواب غداً اقتراحَي قانون يرميان إلى فرض «قيود وضوابط مؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية». مهما كان اسمها واختلفت مضامينها، فإن هذه الاقتراحات معروفة أكثر باسم «كابيتال كونترول»، أو القيود على حركة رأس المال التي تفرض مع بداية الأزمات لمنع خروج الأموال من البلد. في لبنان، أُخّر عمداً إقرار هذا القانون. فمن بعد سنتين وأكثر على الأزمة، أحيل إلى الهيئة العامة اقتراحان؛ واحد أعدّ في لجنة المال والموازنة، وثانٍ أعدّ في لجنة الإدارة والعدل. المشروعان يختلفان قليلاً في بعض الأهداف، إلا أن كليهما يختلفان كثيراً عن أهداف صندوق النقد الدولي. في عقل قوى السلطة في لبنان أنها امتنعت عن تشريع قانون كهذا لإبقاء الاستنسابية في عمليات التحويل والسحب من المصارف ومن مصرف لبنان، فضلاً عن أن هذا الأمر كان بمثابة القناة الأساسية لإطفاء خسائر عبر «هيركات» مقنّع. بينما للصندوق مقتضيات أخرى تدفعه إلى اشتراط إقرار هذا القانون، أوّلها أنه سيقرض الحكومة كمية من الدولارات ويريد أن يضمن استعادتها، وثانيها أن القيود حيوية لتنفيذ الأهداف التي يسعى إليها والشروط التي سيطلب من لبنان تنفيذها.

في خطّة الـ 100 يوم التي أقرّتها الحكومة واطّلعت عليها «الأخبار»، يرد أنه خلال ثلاثة أشهر يفترض أن يتوصل لبنان إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويلي محدّد يسمّى «تسهيلات الصندوق الممدّد». تفترض الحكومة أن مدّة البرنامج مع الصندوق تبلغ أربع سنوات، وأنها ستستفيد من الحدّ الاستثنائي المسموح سحبه عبر هذا البرنامج استناداً إلى حقوق السحب الخاصة بلبنان. ففي الحالات العادية يمنح البرنامج نحو 145% من قيمة المبالغ المستحقة أو ما قيمته فعلياً 1.3 مليار دولار، إنما يمكن في حالات استثنائية ووفق معايير وشروط خاصة أن تصبح هذه النسبة 435%، أو ما قيمته فعلياً 3.9 مليارات دولار. يتوزّع المبلغ على كامل فترة البرنامج، ويحصل لبنان على دفعة أولى مقابل مجموعة من الشروط؛ أوّلها إقرار قانون يقيدّ عمليات السحب والتحويل. فالصندوق يفرض هذا البرنامج للتأكّد من أن البلد المقترض سيكون قادراً على سداد ديونه للصندوق، وأنه سينفذ الشروط التي تتيح للبلد تسديد القروض في موعدها وتفتح له باب العودة للاقتراض من الأسواق الخارجية.

الأهمية التي يوليها صندوق النقد لإقرار قانون «كابيتال كونترول»، قد لا تكون متطابقة مع أهميته بالنسبة إلى قوى السلطة المحليّة. فهذه الأخيرة لديها أهداف أخرى من بينها أنها على مدى سنتين أهملت عمداً التنظيم الشرعي لعمليات السحب والتحويل. وأنها أبقت مصرف لبنان على رأس إدارة الأزمة منفرداً رغم علاقته المتوتّرة مع صندوق النقد الدولي، ورغم إبداء رغبته الصريحة في إشعال سعر الصرف أمام رئيس وفد الصندوق المفاوض مع لبنان مارتن سيريزولا. وبإدارة سلامة جرى تبديد أكثر من 19 مليار دولار من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بين نهاية أيلول 2019 (يوم إقرار التعميم 530 الذي ينظّم عمليات تمويل استيراد المحروقات والطحين والأدوية…)، وبين نهاية آب 2021… وكل ذلك يضاف إلى عمليات «تهريب» الأموال إلى الخارج التي شملت قيادات سياسية محلية وخارجية، كبار التجار، كبار الموظفين، مساهمي المصارف، كبار زبائن المصارف… غالبية هذه العمليات تمت أيام الإقفال أو ليلاً.

وفي الواقع، يأتي هذا الاستحقاق بعدما نضبت مصادر «الكابيتال، أي أنه لم يعد هناك رأس مال لتقييد سحبه. فما بقي من الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان هي الاحتياطات الإلزامية التي يروّج بأنها ملك المودعين وهي تبلغ اليوم 13.3 مليار دولار، وكأن باقي ما أنفق لم يكن ملكاً لهم. وإذا اعتبرنا أن هذه الاحتياطات هي للمودعين الذين يملكون في حساباتهم بالعملات الأجنبية نحو 105.6 مليارات دولار، فهذا يعني أنهم خسروا 92.3 مليار، أي هيركات يوازي 87.4%. هذه الخسارة جاءت بنتيجة وجود قيود على عمليات السحب والتحويل مفروضة منذ أكثر من سنتين بشكل استنسابي من المصارف وبتغطية واضحة من مصرف لبنان. هنا تبرز أهمية مطلب صندوق النقد الدولي بضرورة إدراج بند في أي قانون للكابيتال كونترول ينصّ على إعادة الأموال المحوّلة منذ بداية الأزمة.

 

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةالعاطفة: استراتيجية الشركات العائلية – الدكتورة منى شريف البضن
المقالة القادمةالمستلزمات الطبية بالدولار النقدي: المستشفيات لـ «المنامة» فقط!