بعد جهد واسع وتنفيذ خطة لاستقطاع جزء من دخله الشهري الضئيل كعامل في مجال الخياطة، نال أخيراً المواطن اليمني محمد جازم جهاز موبايل اشتراه من أحد المحال الخاصة بالإلكترونيات والموبايلات بنحو 50 ألف ريال (نحو 65 دولارا بسعر السوق السوداء) ومستلزمات أخرى بحوالي 10 الاَف ريال (نحو 12.25 دولارا).
بعد عشرين يوماً توجّب على جازم العودة إلى السوق مرة أخرى، كما يتحدث لـ”العربي الجديد”، ولنفس المحل الذي اشترى منه ما كان يحلم به وبذل جهدا شاقا لتحقيقه وهو اقتناء جهاز موبايل، إلا أنه توقف فجاءة عن العمل، وما كان من البائع إلا أن حوله إلى مركز الإصلاح الخاص بالأجهزة الإلكترونية التابع له، ومن هنا تبدأ رحلة أخرى شاقة لإصلاح موبايل جديد ولكنه مغشوش.
وتكتظ الأسواق اليمنية بأعداد هائلة من الأجهزة الإلكترونية والكهربائية والمنزلية يختلط فيها “الحابل بالنابل” مع توسع فاتورة جلبها، حسب مواطنين لـ”العربي الجديد”، حيث لم يعد أحد قادراً على تمييز الأجهزة التجارية الأصلية من المقلدة والمغشوشة في ظل غياب تام للرقابة الحكومية.
الطالب الجامعي، وضاح قائد، أيضاً لم تدم فرحته أكثر من أسبوع بالهدية الأسرية له والتي كانت عبارة عن جهاز كمبيوتر لكي يستخدمه خلال فترة الدراسة الجامعية عن بعد بسبب ما اتخذته السلطات المحلية في تعز جنوب غربي اليمن من إجراءات احترازية لمكافحة فيروس كورونا والتي شملت إيقاف الدراسة في الجامعة.
قطعة وضاح الإلكترونية، كما يروي لـ”العربي الجديد”، توقفت عن العمل بسبب خلل بسيط، ومن ثم بدأ رحلة طويلة مع مهندسي الأجهزة الإلكترونية للبحث عن سبب العطل وإصلاحه، لكن المسألة لم تكن أكثر من ترقيع ليعمل لفترة ثم يعود للتوقف.
وتغرق الأسواق المحلية في اليمن بكميات هائلة من الأجهزة الإلكترونية من كمبيوترات وموبايلات ومستلزماتها وكهربائيات وأجهزة منزلية التي يتواصل تدفقها عبر التهريب من الخارج، في ظل الحرب والصراع الدائر في البلاد مع إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية، الأمر الذي جعل المستهلك اليمني فريسة سهلة للغش الإلكتروني.
وحسب تقارير غير رسمية، تقدر نسبة الغش الإلكتروني في السوق المحلية في اليمن بنحو 80%، حيث تعد غالبية الأجهزة الإلكترونية المتداولة في الأسواق مقلدة ومزورة ومستعملة.
وقال مدير مركز الجودة لصيانة الأجهزة الإلكترونية والموبايلات، ماجد علوان، لـ”العربي الجديد”، إن السوق اليمني الواسع والكبير يشهد تطورات هائلة بشكل متواصل فيما يخص ملف الغش ومخلفات الأجهزة الإلكترونية التي يتم تهريبها.
ويشير إلى أن معظم الأسواق اليمنية تتداول أجهزة مستعملة ومتهالكة وبعضها تجاوز عمره الافتراضي، إضافة، وفق حديث علوان، إلى التقليد، خصوصاً في الموبايلات والأجهزة الكهربائية وهي ظاهرة خطيرة يعاني العالم كله منها.
ويحمّل علوان القطاع الخاص جزءا كبيرا من المسؤولية للطريقة التي يتعامل بها لتحقيق أرباح سهلة وكبيرة من خلال استغلال حاجة المواطن ووضعه المادي الصعب وإغراق الأسواق بأجهزة إلكترونية محدودة الصلاحية ومقلدة ولا يستطيع المواطن الاستفادة منها.
ومن جانبه، يؤكد مهندس الأجهزة الإلكترونية، بشير العزي، أن لديه مركزا خاصا لإصلاح الإلكترونيات يستقبل العشرات من هذه الأجهزة بصورة يومية، والبعض منها اشتراها أصحابها بمبالغ كبيرة على أنها ماركات أصلية لكن بعد فترة وجيزة تصل لنحو شهر أو شهرين تظهر الجودة الحقيقية للجهاز الذي لا يعدو كونه مغشوشاً ومقلداً.
ويوضح العزي لـ”العربي الجديد”، أن مثل هذه الأجهزة التي تتدفق بغزارة على السوق المحلية في اليمن غير مكتملة التصنيع ومحددة بطلب خاص ويتم تجهيزها من مواد تصنيعية رديئة وفي الغالب تكون عبارة عن بقايا التصنيع.
في شارع صخر بقلب العاصمة صنعاء والمشهور بأنه سوق خاص بالأجهزة الإلكترونية إضافة إلى شارع القصر في منطقة التحرير الخاص بالموبايلات ومستلزماتها، يمكن للمستهلك رؤية أعداد هائلة من الأجهزة المتنوعة بصورة باعثة على الحيرة، نظراً لوضعية اليمن بسبب الحرب وما رافقها من إغلاق المنافذ وتراجع استيراد السلع والبضائع بنسبة كبيرة واقتصار العملية وتقنينها على المواد والسلع الغذائية الضرورية.
متعاملون في هذه الأسواق يؤكدون أن لها زبائنها، رغم ما تعاني منه مختلف الشرائح الاجتماعية في اليمن من توقف الرواتب ومختلف مصادر الدخل، لكن في المقابل تكونت فئات مجتمعية ساهمت في إثرائها تجارة السلع المغشوشة والسوق السوداء وتجارة الحرب التي ازدهرت في اليمن، خصوصاً في الوقود والعملة والطاقة والتعليم الخاص.
ويشير المسؤول في الجمعية اليمنية لحماية المستهلك، مازن القدسي، إلى أن السوق الإلكترونية مفتوحة وواسعة وتشهد تنافسا كبيرا واحتياجات متزايدة وتدفقا واسعا للسلع بدون ضوابط وانتشار غير طبيعي للغش التجاري.
لذا حسب القدسي لـ”العربي الجديد”، فإن العديد من المواطنين يقعون فريسة سهلة لعملية غش وابتزاز وتلفيق عند شرائهم أدوات وأجهزة إلكترونية أو كهربائية.