انتفاضة القضاة.. أبعد من المخصّصات

انتقادات كثيرة وُجّهت لاعتكاف القضاة وإضرابهم عن العمل الأسبوع الماضي احتجاجاً على بنود الموازنة تطال مكتسبات مالية لهم. تركّزت الانتقادات على قانونية وشرعية الخطوة كَون المواد الدستورية تمنع الموظفين العامين من الإضراب فغردّ النائب السابق وليد جنبلاط على وسائل التواصل قائلاً: “قضاة لبنان في إجازة ..عفواً مضربون ..ماذا عن مواطنون ينتظرون البت بقضية معينة؟” الانتقادات لم توفر القضاة فأجمعت القيادات السياسية على أن القضاة لا يُليق بهم الإضراب، فما خلفيات تحرّكهم؟

يتحدّث العارفون في العدليات على أن إضراب القضاة له أبعاد سياسية أكثر من المسائل التقنية والمادية وأن بنود الموازنة ليست المحرّك الوحيد للاعتكاف عن العمل في قصور العدل في لبنان.

بالتأكيد ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها تململ في الوسط القضائي وتتعالى أصوات الاحتجاج في قصور العدل لكنها المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التي يحصل فيها توقّف عن العمل وتأخذ الأمور منحى تصعيدياً لدى القضاة المفترض أنهم “آخر من يُضربون ويعتصمون في الدولة”.

وليست المكتسبات والحقوق المالية للقضاة هي السبب الوحيد للاعتكاف، لكنها كانت الدافع الأكبر لتحرّك قضائي كبير اتّخذ أبعاداً مختلفة استتبعت تدخّل رئيس الجمهورية شخصياً في الملف واستدعاء رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد للوقوف على الخلفيات ومعالجة الهواجس.

في الشكل بدا اعتكاف القضاة الأسبوع الماضي بالتوقّف عن العمل والإبقاء على جلسات محاكمة الموقوفين وبت طلبات تخلية السبيل موجّهاً فقط ضدّ الإجراءات التي تطاول مكتسباتهم المالية في بنود الموازنة (حسم 10 بالمائة من مساهمة الخزينة في صندوق تقاعد القضاة المقدّر بسبعة ملايين ليرة وتحويل 30 بالمئة من رسوم غرامات السير إلى وزارة المال بدل تحويلها إلى صندوق التعاضد).

وفي المضمون هناك أكثر من عنوان لانتفاضة القضاة، فلدى القضاة شعور بالتهميش الجاري في قصور العدل من جراء إصدار تشريعات تتعلّق بالقضاء من دون الرجوع إلى مجلس القضاء الأعلى، ولا تزال الهمسات قائمة حول تشكيلات يعتبرها الوسط القضائي غيرعادلة ومسيّسة.

حالة العدليات المزرية واحدة من الهواجس والإشكاليات التي يتعامل معها القضاة يومياً، المبان لا تليق بالقضاة والمساعدين القضائيين والمحاكم غير ممكننة، والقضاء صار في متناول كل الألسنة في وسائل الإعلام ولدى الرأي العام بفعل الحملات الأمنية التي تشنّ لمكافحة الفساد وبعد توقيف عدد من السماسرة القضائيين وتلويث سمعة القضاء، أضف إلى ذلك محاولة إفقاد القضاء استقلاليته وحقوقه، فكيف تقبل السلطة السياسية أن يعيش القاضي بالخوف وأن يقوم بعمل الخبير والقاضي معاً؟

أنشأ القضاة ما يُعرف بخلية الواتساب كانت تقوم بالتواصل والضغط وترتيب وضع الاعتكاف والاحتجاج. من المحادثات بين القضاة يُمكن تبيان وجود خلل ما يشوب العلاقة بين القضاة ومجلس القضاء الأعلى وأن هناك من يحاول التسلل إلى القضاء لرهنه للقرار السياسي بعد رهن صندوق التعاضد لوزارة المال.

انتفاضة القضاء أبعد من مخصّصات ، هناك حالة عدم ثقة ومخاوف مختلفة لم تبدّدها تطمينات عدّة وليس صعباً اكتشاف ما عبّر عنه القضاة أنهم لم يجدوا من يدافع عن حقوقهم بعكس الجيش والمصارف، فالمصرف المركزي قاد حملة الدفاع عن حقوق موظفيه ووقفت وزارة الدفاع وقيادة الجيش إلى جانب مطالب العسكريين لجهة إيجاد ترتيبات تحفظ المسّ بالرواتب ووضعها بتصرّف القيادة العسكرية.

ما هي الرسالة التي أرادها القضاة من اعتكافهم الأسبوع الماضي؟ تؤكد أوساط قضائية أن القضاة يرفضون المسّ بمكتسباتهم المالية وحصل ضغط لإدراج نصّ صريح يستثني السلطة القضائية من بنود موجعة في الموازنة لكن الهدف الأكبر تمحور حول فكّ رهن السلطة القضائية وتحريرها من قبضة السلطة السياسية.

 

بواسطةمروى غاوي
مصدرجريدة الجمهورية
المادة السابقةمن أين نبدأ لإستعادة الأموال المنهوبة؟
المقالة القادمة“التشاطر اللبناني” ينكشف.. وداعاً دولة الرفاه الإجتماعي!