يجري النقاش منذ فتره حول جدوى انضمام العراق لمنظمة التجارة العلمية وفيما اذا كان الانضمام لمصلحة البلد ام انه يمثل تحدياً خطيراً وله تداعيات غير محسوبه النتائج. وكان العراق قد قدم طلباً للانضمام الى المنظمة الدوليه وتم قبوله بصفة مراقب وذلك في كانون الاول من عام 2004 وهو يتفاوض الآن من أجل الحصول على العضوية الكامله. وهناك أراء متعارضة حول جدوى الانضمام للمنظمة، فهناك من يحبذ الانضام لما له من أثار ايجابيه وهناك من يعارض ويحذر من تداعيات الانضمام على الصناعه وعلى الاقتصاد ككل . وكل طرف يسوق حججه ومبرراته لتأييد وجهة نظره.
وبهدف اجراء التقييم العلمي لجدوى الانضمام لابد من التعرض بالتحليل لكل من الايجابيات والسلبيات المترتبه على الانضمام في ضوء واقع الصناعة العراقية والاقتصاد الوطني ككل وذلك لتحديد الموقف من جدوى الانضمام أستناداً الى نتائج التحليل والمعطيات الاقتصاديه الداخليه للبلد، والى طبيعة عمل المنظمة الدولية المعنية وقوانينها وممارساتها. وفي البداية من المفيد التعريف بوظائف واهداف المنظمة المذكورة والقوانين والاجراءات التي تقوم بتطبيقها لتحقيق اهدافها ، وكذلك استعراض لواقع الصناعة العراقية والاقتصاد العراقي الراهن . وسوف نختتم الحديث عبر سلسلة حلقات بتقييم جدوى الانضمام ومن ثم تشخيص ابرز الاستنتاجات والاجراءات المطلوبة لمواجهة التحديات التي يمثلها انضمام العراق . وسوف نتناول اجمالا الموضوعات الاتيه :
اولاً: اهداف ووظائف منظمة التجارة العالمية (wto) .
ثانيا : المزايا المتوقعه من الانضمام للمنظمة .
ثالثا : التحديات والمشكلات المترتبة على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
رابعاً : الآثار الاقتصادية الناجمة عن انضمام العراق للمنظمة على الصناعة العراقية وعلى الاقتصاد الوطني( تقييم عام).
خامساً : الموقف من مسألة انضمام العراق الى منظمة التجارة العالمية .
سادساً : الاستنتاجات والتوصيات.
أن الانضمام يحقق العديد من المنافع للبلدان الاعضاء، ولكنه يمثل من جانب أخر تحدياً كبيراً وخصوصاً للبلدان النامية، وبشكل خاص للعراق، الذي يمر بظروف استثنائيه . كما ان عدم الانضمام هو الأخر له اثاره السلبية (في ضوء انضمام اكثر من 150 بلداً الى المنظمة المذكورة) لهذا فأن مشكلة البحث تتمثل في وجود اشكاليات في كلا الخيارين المطروحين ولا بد من التحليل العلمي الموضوعي والتوصل للأستنتاج المناسب.
يهدف النقاش الى تحليل ومناقشة خيار انضمام العراق لمنظمة التجارة العالمية وتأثيراته (الايجابية والسلبية) على الصناعة العراقية وعلى الاقتصاد الوطني عموماً بغية تحديد الخيار المناسب للعراق مع تحديد الاجراءات والتوصيات المطلوبة لتذليل العقبات وتقليص الخسائر الناجمة عن الانضمام الى الحد الادنى.
وتعتمد منهجية النقاشات هنا على التحليل الوصفي الاقتصادي النظري لتداعيات انضمام العراق للمنظمه بالنسبة للصناعه العراقيه والوضع الاقتصادي عموماً ، الايجابية منها والسلبية، وتشخيص الموقف المطلوب في ضوء نتائج التحليل .
لقد تاسست منظمة التجارة العالمية في عام 1995 ومقرها جنيف، وذلك في اعقاب الدورة الاخيرة للمفاوضات الخاصة بالاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركيه (GATT) والمسمات بجولة اورغواي. والمنظمة الدولية مختصة بالشؤون والقوانين المعنية بالتجارة بين بلدان العالم وهي مسؤولة عن مراقبة السياسات التجارية الوطنية للبلدان الاعضاء ولتسوية النزاعات التجارية وتطبيق الاتفاقات المتعلقة بمنظمة الغات، والمصممة لغرض تخفيض التعرفة الجمركية وبقية القيود المفروضة على التجارة الدولية ، اضافة الى تقديم المساعدة الفنية للبلدان الاعضاء . كما تهدف المنظمة الى ازالة المعامله التمييزية في التجارة الدولية وتشجيع التجارة متعددة الاطراف ومراقبة مدى التزام البلدان الاعضاء باتفاقات الغات وكذلك التفاوض وتنفيذ الاتفاقات الجديدة.
والمنظمة هي كيان دائمي وتتميز بكونها تمتلك سلطه كبيرة للتوسط في النزاعات التجاريه فيما بين البلدان الاعضاء وتحدد العقوبات المناسبه للحالات المختلفة . ومن خلال جولة اورغواي تم الاتفاق على تخفيض التعرفة الجمركيه على السلع المصنعة بمقدار الثلث، كما تم تخفيض الاعانات الماليه والحصص (quotas) المفروضه على السلع الزراعيه والسيارات والمنسوجات، والتي لم تكن مغطاة من قبل المنظمة. وهناك ايضاً تجارة حرة في الخدمات المصرفية والخدمات الاخرى وكذلك حماية دولية اكبر لحقوق الملكية الفكرية (Intellectual Property Rights ) . الا ان مسألة الغاء الأعانات المالية الممنوحة للمنتجات الزراعية كانت عقبة في المفاوضات.(1)
ويأخذ البعض على المنظمة الدولية بأنها تخترق وتقّوض السيادة الوطنية للبلدان من خلال تشجيع ورعاية مصالح الشركات متعددة الجنسية، وبأن عملية تحرير التجارة تقود الى تخريب البيئة وأنخفاض مستويات معيشة العمال ذوي المهارات المتدنية في البلدان النامية.
هناك العديد من المزايا الإيجابية التي تترتب للبلدان التي تنضم الى منظمة التجارة العالمية، نستعرض أهمها ادناه.
ان من أبرز المزايا التي تعزى الى المنظمة هي تحويل الاقتصاد الوطني للبلد المعني الى اقتصاد حر يعتمد على التجارة الحرة المستندة الى المنافسة، وان هذا من شأنه ان يساعد على دفع المنتجين نحو انتاج منتوجات بمواصفات عالية، كما تدفع الأسعار العالمية الى الانخفاض بما يحقق المنفعة للمستهلكين ويمكن من استيرادات منتجات وخدمات متنوعة تتمتع بالجودة والنوعية.
كما ان الانضمام الى المنظمة يؤدي الى توسيع الاسواق للبلدان الاعضاء وتشجيع فرص التصدير جراء انخفاض الرسوم الجمركية المفروضة على صادرات البلدان المذكورة في الاسواق العالمية، مما يعني توسع حجم الانتاج وارتفاع معدلات استغلال الطاقات الانتاجية وانخفاض تكلفة الوحدات المنتجة.
كذلك فإن التوسع المتوقع في حجم الانتاج لا بد وان ينعكس على خلق المزيد من فرص العمل وبالتالي تقليص حجم البطالة المنتشرة في معظم البلدان.
يلاحظ ايضا ان الانضمام لمنظمة التجارة العالمية يساهم في تشجيع الاستثمار الاجنبي والذي بدوره يساهم في تحفيز الاستثمار الوطني. كما ان تدفق الاستثمار الاجنبي يساهم في تدفق التكنولوجيا الحديثة الى البلد العضو وبالتالي يساهم في تعزيز القدرات التكنولوجية المحلية. وأخيراً فإن المنظمة، وطبقاً لقوانينها، تسمح للبلد العضو الذي يتعرض الى حالات الاغراق من اتخاذ الخطوات المناسبة لمواجهة هذه المشكلة من خلال فرض القيود لغرض حماية المنتجات المحلية في البلدان الاعضاء من الممارسات الضارة بالتجارة الدولية، وغالباً ما تشتمل هذه القيود على فرض الرسوم الجمركية على السلع التي تمثل حالة الاغراق وبالتالي تحافظ على مصالح المنتجين المحلين والاقتصاد الوطني بشكل عام.
وفي موازاة ذلك هناك جملة من التحديات والمشكلات التي تواجه البلدان التي تنضم الى منظمة التجارة العالمية وبشكل خاص البلدان النامية أهمها ما يأتي:
ان التحدي الأساس الذي تمثله المنظمة المذكورة بالنسبة للبلدان الأعضاء، خاصة البلدان النامية، هي انها تضع اقتصاد البلد عموماً والصناعة والنشاط التجاري بشكل خاص في مواجهة مع منافسين عالميين يمتلكون الخبرة الطويلة (الفنية والادارية) والتكنولوجيا المتطورة والقدرة على الوصول الى مصادر التمويل، وهذه كلها امور تفتقر اليها الصناعة في البلدان النامية ومنها العراق. ان مصدر هذه المنافسة غير المتكافئة هي الشركات متعددة الجنسية التي تلعب دوراً مهماً في تشكيل وتحديد قوى السوق العالمي. حيث انها تستند في اعمالها الى سلطة الاحتكار التي تساهم في خلق اسواق شاذة وغير طبيعية بحيث تمكنها من تحقيق الأرباح الكبيرة، الأمر الذي يجعل الشركات الوطنية في البلدان النامية اسيرة لتصرفات الشركات الاجنبية العملاقة. ان مثل ذلك يساهم في خلق اجواء غير تنافسية وذلك بالضد مما تفترضه عملية الانضمام الى منظمة التجارة العالمية فالشركات متعددة الجنسية تمتلك الحرية في رسم سياساتها الداخلية (فيما بين الشركات الأم والشركات الفرعية التابعة لها) وهذا يؤدي الى تهميش دور ونشاط الشركات الوطنية ويتعارض مع الأهداف الاقتصادية للعديد من البلدان النامية.
كما ان استراتيجيات وهيكلية الانتاج للشركات متعددة الجنسية قد لاتستجيب للاولويات الاجتماعية للبلد النامي المضيف للاستثمار الجنبي، فهي غالباً ما تميل لانتاج منتجات كمالية لسهولة تحقيق الكسب من هذه المنتجات التي تستهدف ذوي الدخول المرتفعة عادة في حين تركز سياسات البلدان النامية، في أغلب الاحيان، على إنتاج السلع الاساسية لسد حاجة الفئات الاجتماعية الواسعة.
ان المنظمة الدولية تفرض على البلد الذي يحصل على العضوية تخفيض معدل التعرفة الكمركية على المنتجات الصناعية والمواد المستوردة وذلك خلال فترة زمنية معينة ( في الغالب عشر سنوات ) وان مثل هذه الفترة قد لا تكون كافية في العديد من الحالات. كما ان المنظمة تلزم البلدان الاعضاء بعدم فرض اية ضرائب او رسوم اخرى على المستوردات باستثناء تلك المستوفاة مقابل خدمة مقدمة.
وتفرض المنظمة أيضاً على الأعضاء ضمان إزالة جميع القيود الكمية على الواردات الداخلة اليها مثل الحصص او الموافقات المسبقة او المنع التام للاستيراد من بعض السلع والمواد. وتمتد هذه الاجراءات لتشمل الالتزام بكافة متطلبات اتفاقية الحواجز الفنية للتجارة .
كما تفرض المنظمة على البلدان الاعضاء عدم اتخاذ اية اجراءات حمائية أو تعويضية أو اجراءات ضد الاغراق قبل استصدار التشريع المخول لمثل هذه الاجراءات من قبل المنظمة.
وتفرض المنظمة في مستوى آخر العمل على تطبيق القوانين والتعليمات الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، وهذا يعني بأن البلدان الاعضاء لا تستطيع استخدام هذه الحقوق دون دفع رسوم معينة الى أصحاب الملكية الفكرية، كما هو الحال في استخدام تراخيص الانتاج أو اعادة انتاج النتاجات الادبية أو الفنية او الصناعية من خلال التقليد او الاستنساخ وما شابه. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا الإجراء من شأنه ان يؤثر على مستوى المعرفة والدراية الفنية والادبية للبلدان المعنية ويؤدي كذلك الى ارتفاع تكاليف الانتاج.
ان القيود الفنية على التجارة والتي تفرضها المنظمة الدولية على الاعضاء وكذلك منظمة التقييس الدولية، والتشدد في تطبيقها، يضع العراقيل والصعوبات أمام المصدرين في البلدان النامية ويؤثر سلباً على حجم الصادرات وعلى الميزان التجاري وميزان المدفوعات، فضلاً عن حجم الصرف الاجنبي لديها.
واضافة الى ما سبق فإن مستوى التعرفة الجمركية التي تفرضها البلدان الصناعية على مستورداتها من البلدان الاخرى يتصاعد مع ارتفاع درجة التصنيع، اي انها تفرض رسوماً مرتفعة على المنتجات تامة الصنع بالمقارنة مع المنتجات في المراحل الاولية من الانتاج، وهذا ما يحد من قدرة البلدان النامية على تصدير منتجاتها الصناعية. واذا ما علمنا بانه مستوى الجودة والنوعية في منتجات البلدان الصناعية المتقدمة أعلى بكثير من مثيله في البلدان النامية أدركنا مدى التأثير السلبي على الانتاج في البلدان النامية وعلى تشغيل الأيدي العاملة من جراء المنافسة غير المتكافئة.