هزّت الأزمة الاقتصادية والنقدية في لبنان البنوك والتعاملات المصرفية في اليمن، وعطلت جزءاً كبيراً من العمليات المصرفية اليومية المعتادة والتي تتم بشكل خاص عبر أجهزة الصرافات الآلية وإجراءات فتح الاعتمادات المستندية.
ولم تتوقف تأثيرات هذه الأزمة على البنوك والقطاع المصرفي في اليمن، بل طاولت بشكل كبير القطاع التجاري الخاص الذي كان يعتمد على البنوك اللبنانية لفتح اعتمادات الاستيراد الخاصة به وتنفيذ التحويلات المالية مع الموردين والعملاء…
وتسببت الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ ما يزيد على خمسة أعوام بتضييق الخناق على البنوك اليمنية والقطاع المصرفي في البلاد وانهيار الريال، وهو ما أدّى إلى انخفاض المستوى الائتماني للبنوك اليمنية لدى أغلب المؤسسات المالية العالمية ولم يعد هناك من يقدم اعتمادات مستندية نيابة عن بنوك اليمن إلا في لبنان.
وقال رئيس جمعية البنوك اليمنية محمود ناجي لـ”العربي الجديد” إن البنوك اليمنية عملت خلال السنوات الماضية على بناء وتطوير علاقة عمل وثيقة مع القطاع المصرفي اللبناني، وكانت البنوك اللبنانية خير سند للمصارف اليمنية عندما عمد كثير من البنوك الأجنبية إلى التضييق عليها عندما تصاعدت الأزمة السياسية في البلاد.
ومع تعرض لبنان لأزمة مالية حادة، اضطرت السلطات المالية في بيروت إلى فرض قيود على سحوبات العملاء، ومن ضمنهم البنوك والمصارف اليمنية. وبحسب ناجي فإن البنوك اليمنية كانت قد أودعت أرصدة لا بأس بها في حساباتها لدى البنوك اللبنانية، لكنها لم تتمكن من سحب أرصدتها أو حتى استخدامها في تغطية اعتماداتها المستندية أو تحويلاتها إلى الخارج. وقد ضاعف ذلك من الصعوبات والعوائق التي تواجه البنوك اليمنية في تعاملاتها مع العالم الخارجي، وحدّ من قدرتها على تمويل المعاملات الخارجية لها، إذ تبذل جمعية البنوك اليمنية جهوداً مكثفة للتفاهم الودي مع السلطات النقدية اللبنانية في سبيل التوصل إلى معالجات مرضية لهذه المشكلة.
وقامت الجمعية بالكتابة إلى كبار المسؤولين في القطاع المالي والنقدي اللبناني، وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تشرح الوضع الحرج للبنوك اليمنية. ويرى ناجي أن الوضع الحالي حرج للغاية، نظراً لما تمر به البنوك والقطاع المصرفي اليمني، الأمر الذي يتطلب حلولاً عاجلة لهذه المشكلة بما يمكن البنوك اليمنية من استخدام أرصدتها المحجوزة لدى البنوك اللبنانية، في تمويل احتياجات الاستيراد الضرورية واللازمة لتخفيف المعاناة على المواطنين في اليمن.
ويرتبط النظام المصرفي في اليمن والتعاملات الإلكترونية التي تتم عبر الصرافات الآلية عبر شركات وأنظمة مصرفية تعمل في لبنان. وتسود البنوك والقطاع المصرفي اليمني حالة من التوتر والقلق نتيجة تعطيل جزء كبير من المعاملات والإجراءات المصرفية المعتادة، وشبه توقف للحركة النقدية التي تربط البنوك اليمنية بالخارج، وتذمر كبير يطغى على اليمنيين والمتعاملين مع البنوك الذين يشكون تعطل وتوقف مصالحهم وأعمالهم.
وحدت الأزمة المالية اللبنانية من قدرة التجار اليمنيين على الاستيراد لاحتجاز أموالهم منذ مطلع العام الحالي، وبالتالي تراجع أعمالهم وتكبدهم خسائر مالية فادحة.
وفي الوقت الذي لم يستطيع فيه عبد الله مسعد تفعيل حسابه المصرفي المجمد وعدم توضيح الأسباب له من قبل الموظف في المصرف الذي يتعامل معه وفق حديثه لـ”العربي الجديد”، يصف عارف مصلح لـ”العربي الجديد” وضعه “بالورطة الكبيرة” بعدما فقد بطاقاته الخاصة بالصرافات الاَلية والفيزا كارد نظراً للالتزامات التي تربطه بقطاع التجارة الإلكترونية وهو ما قد يترتب عليه العديد من المشاكل والخسائر المادية المضاعفة مع عدم وجود أي حل حتى الآن لهذه المشكلة.
ومن المرجح أن تؤدي هذه المشكلة إلى احتجاز أموال يمنية تقدر بنحو 200 مليون دولار في البنوك اللبنانية، إذ فرض التحالف، وفق مصادر مطلعة تحدثت لـ”العربي الجديد”، على بعض البنوك اليمنية، التعامل مع بنوك لبنانية محددة بعدما تسببت الحرب في اليمن التي يعد التحالف أحد أطرافها الرئيسية في إغلاق كافة المنافذ المصرفية الخارجية أمام القطاع الخاص والبنوك اليمنية، ومع انضمام المنفذ الوحيد للأزمة أصبحت جميع البدائل المتاحة منعدمة أمام اليمنيين لتنفيذ عمليات مصرفية والتحويلات المالية لفتح اعتماد مستندية لاستيراد السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية.
ويعيش اليمن على وقع أزمات اقتصادية ومصرفية متتالية منذ بداية الدائرة في البلاد عام 2015، تسببت في الانخفاض السريع لقيمة الريال اليمني وتلاشيه وانحساره مقابل العملات الأجنبية واقترانه بالقيود المفروضة على الائتمانات والإيرادات، جعل ملايين الأشخاص في اليمن معرضون لمزيد من الأخطار والصدمات.
ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن تم إفراغ البنك المركزي اليمني من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف مليون ريال من العملة الوطنية، الأمر الذي هز السوق المصرفية التي تعاني شحاً كبيراً في السيولة النقدية وانتشار عملة قديمة مكدسة وتالفة في مناطق سيطرة الحوثيين، وعملات أجنبية ونسبة من العملة الوطنية المطبوعة في مناطق الحكومة اليمنية. وتشهد العملة تدهوراً غير مسبوق منذ نحو ثلاثة سنوات، نتيجة للمضاربة المتواصلة بالعملة في السوق وانقسام المؤسسات المالية الحكومية بين طرفي النزاع.
المصدر: العربي الجديد