تشهد المعابر التجارية السورية المحررة زيادة واضحة في حركة الشاحنات، في مؤشر على بدء استعادة جزء من النشاط التجاري الذي تراجع لسنوات.
وترافق ذلك مع تراجع ملموس في تكاليف الاستيراد وتحسن في البيئة اللوجستية، إلا أن هذه التطورات لم تنعكس بشكل كامل على أسعار السلع ضمن أسواق التجزئة، وفق ما تظهره جولات ميدانية وآراء مختصين.
شفافية سعرية
من غرفة تجارة دمشق، يؤكد رجل الأعمال محمد الحلاق في حديثه إلى “المدن” أن فتح المعابر وإلغاء الرسوم الموازية أسهما في جعل التكاليف أكثر وضوحًا، مشيرًا إلى أن الرسوم الجمركية تحتسب اليوم على أساس الوزن بدل القيمة، ما أدى إلى انخفاض يتجاوز 30 في المئة في تكلفة استيراد عدد من المواد.
وأوضح الحلاق أن تراجع أسعار المازوت وتحسن انسيابية الطرق خفّضا بدورهما كلفة النقل، مضيفًا: إن المستورد بات لديه قدرة أعلى على توقع التكاليف، مقارنة بالسنوات السابقة التي شهدت تغيرات مفاجئة في الرسوم وإجراءات العبور.
انسيابية أعلى
الباحث والخبير في الشؤون السياسة والاقتصادية باسل كويفي يرى في حديثه مع “المدن” أن إلغاء الجمارك الموازية وتعزيز الرقابة الأمنية أسهما في تسريع عمليات العبور، لكن هذا التحسن لم ينتقل بعد إلى السوق، بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل داخل المدن واحتفاظ بعض التجار بهوامش الربح.
وقد رصدت جولات ميدانية انخفاض أسعار الجملة، بينما بقيت أسعار التجزئة ثابتة، مع استمرار نظام البيع “على الدفتر” الذي يضيف 10-15 في المئة على الأسعار النهائية. ويشير خبراء إلى أن السوق الداخلية بحاجة إلى إجراءات لضبط حلقات التسعير وضمان وصول الانخفاض إلى المستهلك.
ويشير تجار جملة إلى وجود حركة أفضل في المعروض، إلا أن مستوى الطلب لا يزال محدودًا بسبب تراجع القدرة الشرائية، ما يعزز حالة الحذر في تسعير السلع.
المعابر غير الشرعية باقية
ولا تزال المعابر غير النظامية مع لبنان وتركيا تحديًا رئيسيًا، إذ تسمح بمرور سلع مدعومة وخروج بضائع مخالفة للمواصفات، ما يؤدي إلى خسائر جمركية ويزيد من تأثير اقتصاد الظل، وفق كويفي.
وتظهر الجولات الميدانية وجود حركة نشطة على بعض المسارات غير المنظمة، ما ينعكس اضطرابًا في تسعير مجموعة من السلع، خصوصًا تلك التي تتأثر بتفاوت تكاليف النقل والجمركة بين المسارات الرسمية وغير الرسمية.
بين المعبر ورفّ المتجر
وهنا يرى الحلاق أن تحسين أداء المعابر خطوة مهمة نحو استعادة استقرار سلاسل التوريد، لكن المرحلة الحالية تتطلب معالجة حلقات التسعير داخل السوق. معتبرًا أن غياب آلية واضحة تربط أسعار المعبر بأسعار البيع بالتجزئة هو السبب الرئيس في تأخر انعكاس الانخفاض.
من جهته يشير الخبير الاقتصادي كويفي إلى ضرورة تفعيل مجموعة من الإجراءات لضمان انتقال تأثير انخفاض التكلفة إلى المستهلك، أبرزها: مراجعة نظام التسعير في حلقات الجملة والتجزئة، وتعزيز الرقابة على هوامش الربح والأهم دعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على المواد المستوردة مؤكداً على ضبط المعابر غير النظامية وتوحيد الإجراءات الجمركية.
بالمحصلة نستطيع القول أن المؤشرات إيجابية لكنها تحتاج إلى منظومة مكتملة، وأنه على الرغم من التحسن الملحوظ في حركة المعابر وانخفاض تكاليف الاستيراد، يبقى الاقتصاد السوري في مرحلة انتقالية، حيث يعتمد نجاح الانفراج على ضبط المعابر غير النظامية، وتعزيز المنافسة، وتفعيل الرقابة على التسعير لضمان انتقال أثر الانخفاض من المعابر إلى رفوف الأسواق، وصولًا إلى المستهلك النهائي.
ما يبقى بانتظار اكتمال الحلقة، من خلال ضبط سلاسل التوريد وتعزيز المنافسة ومنع الاحتكار، بما يسمح بتحويل الانفراج عند الحدود إلى أثر فعلي داخل الأسواق.



