كسر سعر صرف الدولار بالأمس وتيرته المستقرة منذ أشهر، فارتفع بشكل مفاجئ قرابة 10 آلاف ليرة دفعة واحدة مسجلاً سعر 100 ألف ليرة خلال أقل من ساعة واحدة. وسرعان ما انخفض سريعاً نحو 7000 ليرة إلى مستوى 93000 ليرة.
الارتفاع المفاجئ والانخفاض الفوري لسعر الدولار لم ينتج عن حدث أو إجراء محدّد، لكنه أطلق بطبيعة الحال عاصفة تسعير وإغلاق محال في الأسواق. فما الذي حصل مساء السبت في السوق السوداء للدولار؟ وما دور منصة صيرفة بذلك؟ وهل لاستحقاق حاكمية مصرف لبنان علاقة بعاصفة الدولار تلك؟ أسئلة تتردّد بكثافة على ألسنة المواطنين القلقين من انهيار جديد في قيمة الليرة، مع عجز السلطة عن تعيين حاكم جديد للبنك المركزي قبل انتهاء ولاية سلامة. إلا أن الخضة المؤقتة التي حصلت يوم أمس في السوق السوداء بدت كـ”رسالة تحذيرية” للسلطات. وهو ما يُتوقع أن تتلقّفه الأخيرة فعلياً، على ما يقول مصدر مصرفي.
تعديلات منصة صيرفة
ما إن خرجت مسألة تحضيرات حاكم مصرف لبنان الهادفة إلى تعديل آلية تعامل منصة صيرفة إلى العلن، حتى هبّ المضاربون والصيارفة ومعهم مصرفيين، باعثين برسالة شديدة اللهجة تعبر عن رفضهم تقليص استفادتهم من صيرفة. ترجم المضاربون والصيارفة تحذيرهم برفع سعر صرف الدولار بشكل مفاجئ. وليست الأسباب الكامنة وراء تلك الحركة المتمردة سوى التسريبات المتعمّدة، التي تحدثت عن تحضيرات تجري في مصرف لبنان على قدم وساق، لإدخال تعديلات جوهرية على منصة صيرفة.
وحسب المعلومات، فإن سلامة يضع اللمسات الأخيرة على تعديلات جوهرية في آلية عمل منصة صيرفة، تستهدف تقليص عملياتها أفقياً وليس عامودياً، حسب مصدر مصرفي. والمقصود هنا تقليص عمليات صيرفة للشخص الواحد صاحب الحسابات المصرفية المتعدّدة، في مقابل توسيع عدد المستفيدين منها من حساب مصرفي واحد.
ومن المعلوم أن الكثير من المستفيدين من دولارات منصة صيرفة حالياً، يجرون العديد من العمليات شهرياً، من خلال حساباتهم في أكثر من مصرف. وهو أمر يؤمن لبعض المستفيدين مبالغ مالية ضخمة من منصة صيرفة. وإذ يؤكد المصدر أن التعديل الأول على منصة صيرفة سيطال أولئك المستفيدين منها بعدة حسابات، يلفت إلى تمكّن مصرف لبنان من حل أبرز العقبات التقنية التي تواجه عملية تقليص عمليات صيرفة.
فعملية حصر المستفيدين من صيرفة بأكثر من حساب مصرفي، يستلزم تبادل المصارف للمعلومات المتعلقة بالمستفيدين من المنصة. وهو أمر غير متاح. إلا أن سلامة تمكّن من حل هذه العقبة. وعليه، سيعمل على فرض التعديل الأهم بآلية عمل صيرفة.
رسالة التجار والمضاربين
إن توجه سلامة لإقرار تعديلات جوهرية على منصة صيرفة، قد يُفهم منها أنها محاولة لضمان استمرارية عمل المنصة بعد انتهاء ولايته في الأول من شهر آب المقبل. وهو ما قد يخفّف من معارضة نواب الحاكم لآلية عمل صيرفة، خصوصاً أن منهم مَن يعتبرها هدراً للأموال لصالح كبار التجار والصيارفة، وممراً لتبييض الأموال. لكن في الواقع، فإن التسريبات المتعمّدة لتقليص عمل منصة صيرفة يستهدف تحريك السوق. وبالتالي، ممارسة الضغط على السلطة السياسية في سبيل تمهيد الطريق أمامها للتمديد لرياض سلامة، على ما يقول مصدر آخر.
وبصرف النظر عن أبعاد التحضيرات التي يعدّها سلامة لتعديل آلية عمل منصة صيرفة، فإن رد فعل السوق يوم أمس، حين حلّق سعر صرف الدولار ثم انخفض في غضون ساعة واحدة، لا يمكن قراءته سوى بأن المضاربين والصيارفة، خصوصاً مشغلي التطبيقات الإلكترونية لتحركات الليرة والدولار، هم أول وأكبر المستفيدين من دولارات منصة صيرفة. المنصة التي شكّلت لسنوات “مسرباً” كبيراً لهدر دولارات المودعين في مقابل تحقيق مغانم بمئات ملايين الدولارات لعدد محدود من المضاربين، الذين نراهم اليوم في الصفوف الأمامية للدفاع عن استمرار عمل منصة صيرفة، والتمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.