انقطاع الكهرباء يزيد من اهتراء البنية التحتية للطاقة في لبنان

سارع انقطاع الكهرباء بفعل ارتفاع الطلب بالتزامن مع موجة الحر الصيفية في لبنان إلى إعادة طرح أزمة القطاع، حيث كشف عن الفساد الإداري الذي عمّق الضغوط التي تتكبدها الدولة لدعم قطاع على وشك الانهيار، في ظل شحّ الدولار وفشل كبح التهريب والاحتكار، ما دفع متظاهرين إلى محاصرة مبنى وزارة الطاقة.

نفد صبر اللبنانيين على الفساد الإداري في قطاع الطاقة الذي بات يهدد احتياجاتهم اليومية من الكهرباء ما دفعهم إلى الاحتجاج مطالبين بإصلاح القطاع الذي تدعمه الدولة ويشكل ضغطا كبيرا على توازناتها فضلا على استفحال التهريب والاحتكار ما عمق اختلالات موازين الطاقة.

وحاول العشرات من المتظاهرين اللبنانيين الثلاثاء اقتحام مبنى وزارة الطاقة في بيروت احتجاجا على الانقطاع المتواصل في ساعات التغذية بالكهرباء، والقطاع المهترئ الذي كبّد الدولة مبالغ طائلة ويشكل إصلاحه مطلبا دوليا ملحّا.

ويعاني لبنان منذ ثلاثة عقود على الأقل من مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، ومن ساعات تقنين طويلة تصل إلى 12 ساعة أحيانا، ما أجبر غالبية المواطنين على دفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، التي تعوض عن نقص إمدادات الدولة.

إلا أنه ومنذ بداية الصيف، وفي خضم انهيار اقتصادي متسارع، ازدادت بشكل كبير ساعات التقنين مع انقطاع الكهرباء في بعض المناطق إلى نحو 20 ساعة يوميا.

ونظمت مجموعة من المتظاهرين وقفة احتجاجية أمام وزارة الطاقة، حصل خلالها تدافع مع القوى الأمنية التي حاولت منعهم من اقتحام المبنى. وتمكن عدد من المتظاهرين من تخطي سور الباحة الخارجية للوزارة ووضعوا خيما للاعتصام داخلها قبل أن تخرجهم القوات الأمنية، ليعتصموا خارجها كما أقدموا على قطع طريق حيوي قربها.

وأكد متحدث باسم المتظاهرين للصحافيين أنهم سيواصلون إغلاق مبنى الوزارة حتى يوم غد. وقال في بيان تلاه متوجها إلى السلطات “استمرار وجودكم سيغرق لبنان في العتمة”، مطالبا وزير الطاقة ريمون غجر بالاستقالة.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى إحدى المتظاهرات قدمتها تحت اسم رحاب، قولها خلال الاعتصام “نحن أمام وزارة الطاقة لأنها وكر الفساد الأول”، متحدثة عن “أكثر من ثلاثة عقود من السرقة ولدينا صفر كهرباء”، مؤكدة أنه ما من حلّ إلا “برحيل المنظومة الحاكمة كلها”.

ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين قطاعات البنى التحتية المهترئة أساسا. وقد كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990). ويشكل إصلاح هذا القطاع شرطا رئيسيا يطالب به المجتمع الدولي وشكل أبرز مقررات مؤتمر سيدر لدعم لبنان العام 2018.

ويعد وزير الطاقة منذ أسابيع بتحسن الوضع تدريجيا. وجاء ذلك في وقت تحقق فيه السلطات منذ أسابيع في قضية استيراد فيول غير مطابق للمواصفات لصالح شركة كهرباء لبنان عبر شركة مملوكة من مجموعة سوناطراك الجزائرية.

وتشهد البلاد شحا في مادة المازوت الضرورية لتشغيل المولدات الخاصة، التي عمدت أيضا إلى تقنين ساعات عملها، وسط تقارير عن تهريب كميات كبيرة إلى سوريا المجاورة أو احتكارها من قبل التجار.

وتعد المحروقات من القطاعات التي تدعمها السلطات في لبنان، وسط ضغوط متزايدة جراء شحّ الدولار في خضم أسوأ أزمة اقتصادية، دفعت مئات آلاف اللبنانيين إلى التظاهر منذ الخريف ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والعجز. وتراجع زخم التحركات مع تفشي فايروس كورونا المستجد.

ويمرّ لبنان منذ أشهر بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، تتّسم بتراجع غير مسبوق لقيمة عملته أدى إلى إغراق نصف الشعب اللبناني في الفقر.

ويتسبب الانهيار الاقتصادي الذي أدى إلى صرف أعداد هائلة من الموظفين، في ارتفاع كبير في الأسعار بالبلاد التي شهدت لأسابيع عدة منذ خريف 2019 انتفاضة شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي يُنظر إليها على أنّها فاسدة وعاجزة عن وضع حدّ للأزمة الاقتصادية الحادة.

في 29 سبتمبر 2019، تجمع مئات المتظاهرين في بيروت للتنديد بالوضع الاقتصادي على خلفية مخاوف بشأن استقرار الليرة اللبنانية.

وفي 26 من الشهر نفسه، أعلن أصحاب محطات المحروقات الإضراب احتجاجا على سعر الصرف المتقلب و”نقص” الدولار الذي يُعد ضروريا للدفع لمورديهم. ثمّ تراجعوا عن خطوتهم بناء على اتفاق حكومي يتيح لهم الدفع بالليرة اللبنانية.

وبحسب وسائل إعلام، فإن المصارف ومحال الصيرفة حدّدت بيع العملة الخضراء خشية انخفاض الاحتياطات بالعملات الأجنبية.

في 17 أكتوبر، أعلنت الحكومة اللبنانية عزمها على فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية التي تتم عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب. وتراجعت الحكومة بعد ذلك عن فرض الرسم المالي، لكن آلاف اللبنانيين واصلوا احتجاجهم.

وبلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في أنحاء البلاد في بعض الأيام مطالبين بتجديد الطبقة السياسية الحاكمة التي لم يمسّها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد.

في 7 مارس، أعلن دياب أن لبنان الذي يرزح تحت عبء دين عام يبلغ 92 مليار دولار، أي 170 في المئة من قيمة الناتج الإجمالي الداخلي سيعلق سداد دين بقيمة 1.2 مليار دولار مؤكدا أن “الدولة اللبنانية ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها”.

وأعلنت وزارة المالية عن التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار.

وأعلن رئيس الحكومة اللبنانية أن بلاده ستطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، بعد تبني الحكومة خطة إنعاش اقتصادي وقد انطلقت مفاوضات لبنان مع الصندوق.

وبعد أشهر اندلعت احتجاجات في بيروت وطرابلس شمالا عقب تدهور جديد لقيمة الليرة اللبنانية إلى حدود غير مسبوقة. وترافق التراجع مع إغلاق المتاجر لأبوابها وصرف العديد من العمال والموظفين بالتزامن مع أزمة تفشي كوفيد – 19.

واستقال مستشار وزارة المال هنري شاوول ومديرها العام آلان بيفاني اللذان كانا يشاركان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، متحدثَين عن خلافات بشأن إدارة الأزمة.

في الثامن من يوليو، توجّه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى السلطات اللبنانية بالقول “ساعدونا لكي نساعدكم”.

وانتقد الوزير الفرنسي أثناء زيارته لبنان، “عدم استجابة سلطات هذا البلد” للأزمة الراهنة، مشددا على الحاجة إلى “أفعال ملموسة طال انتظارها”.

وقال لودريان “هذا البلد بات على حافة الهاوية” في حال لم تسارع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذه.

وردّ رئيس الوزراء اللبناني على لودريان بالقول “لديه نقص في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية”.

ولم ينته سيل الاستقالات حيث قدّم وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي استقالته بسبب خلافات مع الحكومة محذرا من تحول البلد إلى دولة فاشلة.

وأشار إلى “غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به”. وبعد ساعات قليلة، عُيّن السفير السابق ومستشار الرئيس ميشال عون للشؤون الدبلوماسية شربل وهبة خلفا لحتّي.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالتخلف عن سداد تكلفة إمدادات الطاقة يراكم الدين الخارجي لتونس
المقالة القادمة“أورينت كوين”… ترقد في مياه بيروت!