دخلت قصور العدل والمحاكم في لبنان مرحلة الشلل الكلي، بإعلان المساعدين القضائيين أول إضراب بهذا المستوى، بدأ يوم الاثنين 18 تموز، ويستمر حتى 5 آب المقبل، ومن المتوقع أن يكون البداية في مسار التصعيد لنحو 1200 مساعد، يشكلون عصب الجسم القضائي وسيرورة عمله.
ويتزامن هذا الإضراب مع العطلة القضائية التي بدأت 15 تموز وتستمر حتى 15 أيلول، وكان من المفترض أن يتم خلالها وفق الأصول القانونية، النظر في الشكاوى والدعاوى الواردة من قبل القضاة المناوبين. لكن حتى هذه المهام ستكون بحكم المعطلة بفعل إضراب المساعدين، الذين أعلنوا التوقف عن العمل بصورة نهائية، والتوقف عن ضبط كل جلسات الموقوفين والنيابات العامة. إضافة إلى التوقف عن إجراء التبليغات الصادرة عن مختلف الدوائر والمحاكم. وتالياً، يلتزم المساعدون القضائيون منازلهم خلال هذه الفترة، ويحضر فقط رئيسا قلم كل يوم عند أبواب قصور العدل لتوريد مهلة الإسقاط القانونية الأخيرة، مع الإبقاء على كافة الأقلام مقفلة.
المساعدون وتعطيل القضاء
وفي حديث لـ”المدن”، يحذر رئيس صندوق تعاضد المساعدين القضائيين، القاضي جوزيف تامر، مما يصفه بالتداعيات الكارثية لهذا الإضراب، “الذي لم يأتِ إلا بعد أن بلغ المساعدون مرحلة اليأس الكلي من أوضاعهم وعجزهم عن الوصول إلى مراكز عملهم، فيما رواتبهم لا تتجاوز 2 مليون ليرة”.
ويشير القاضي تامر إلى أهمية المهام الموكلة إلى المساعدين القضائيين، لجهة تجهيز الملفات وتسجيل الشكاوى وإرسال البرقيات وتدوين أقوال المستجوبين والتوقيع على الأحكام وغيرها الكثير. وقال: “سبق أن حاولنا منحهم بعض المساعدات من موارد صندوقهم لكنها لا تكفي، وقد تأزم وضعهم أكثر إثر توقف تعاونية الموظفين عن تغطيتهم صحيًا واستشفائيًا”.
ويصر المساعدون القضائيون كسائر موظفي الدولة، على نيل سلة متكاملة من التحسينات يصفوها بالخطوة الأولى في مسار تسوية أوضاعهم، بعد أن دفعتهم الأزمة إلى طبقات الفقر، وجعلتهم مع باقي موظفي القطاع العام، يعجزون عن تسديد بدل تنقلهم من راتبهم لأسبوع واحد.
ومن المطالب التي يرفعها هؤلاء المساعدون: صرف رواتبهم على سعر صرف 8 آلاف ليرة بدل 1500 ليرة. منحهم 150 ألف ليرة بدل نقل يوميًا أو استبدالها ببونات بنزين حسب بعد مركز العمل عن أماكن السكن. دفع المستحقات المتأخرة كافة ومنها بدلات النقل لشهري نيسان وأيار الماضيين. إعفاؤهم من فاتورة الخلويّ الجديدة أو تأمين خطوط وخدمات زهيدة الثمن أسوة بالخطوط العسكرية. تأمين حلول لمشاكلهم المعيشية والصحية عبر دعم تعاونية موظفي القطاع العام.
امتعاض من القضاة؟
وذهب كثيرون لوضع خطوة المساعدين القضائيين التصعيدية بإطار رد الفعل ضد قرار احتساب رواتب القضاة وفق سعر 8 آلاف ليرة دون غيرهم من موظفي القطاع العام، وهو ما دفعهم لإصدار بيان توضيحي لاحق الثلاثاء، ينفون فيه ذلك، ويؤكدون فيه على حق القضاة بتحسين أوضاعهم.
وتفيد معطيات “المدن” أنه منذ شهر تموز الجاري، بدأت مفاعيل قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أوعز للمصارف احتساب رواتب القضاة وفق سعر صرف 8 آلاف. ومن مطلع آب المقبل، سيتقاضى قضاة لبنان رواتبهم وفق هذا السعر لصرف الدولار.
وبعد موجة السجال الواسعة التي أثارها هذا القرار، في ظل اضراب موظفي القطاع عام، كان لافتًا البيان المشترك الذي صدر الاثنين 18 تموز، عن مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة ومكتب ديوان المحاسبة، مما جاء فيه أن هذا “الحل المؤقت، لن يثنيها عن متابعة جهودها في الوصول إلى حلّ نهائي، بالتنسيق مع السلطتين التشريعية والتنفيذية”.
وفيما عبر البيان عن استهجان لما وصفوه بالهجمة المستغربة ضدهم، يشير مصدر قضائي لـ”المدن” أن الاجتماعات ما زالت مستمرة للبحث بتداعيات هذا الإجراء والخطوات التي سيبنى عليها للمضي بمسار تحقيق مطالبهم. وقال المصدر: “إن القضاة أول المطالبين بتحقيق مطالب موظفي القطاع العام، ولكن نحن في النهاية سلطة أسوة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد أصبحت المحاكم شبه معطلة بسبب تدهور أوضاع القضاة رغم حرص معظهم على الحضور إلى عملهم”.
وواقع الحال، فإن صرف رواتب القضاة على سعر 8 آلاف ليرة، قد لا يعني تلقائيًا استئناف سيرورة العمل داخل قصور العدل والمحاكم بعد العطلة القضائية، وهي تفتقر لكل المستلزمات الأولية والقرطاسية، كما يخشى من استئناف المساعدين القضائيين لإضرابهم إذا لم يتحقق شيء من مطالبهم. لكن، “قد يضمن القضاة حضور أيام إضافية فقط إلى مراكز عملهم لتغطية نفقات البنزين، من دون أن يعني استمرار ذلك إذا واصلت الليرة انهيارها”.