برنامج صندوق النقد و«الكابيتال كونترول»: رزمة واحدة

بالرغم من أن لجنة المال عادت إلى مناقشة قانون الكابيتال كونترول، إلا أن أحداً لا يتوقع إقراره قريباً. بعد تهريب ما أمكن من الأموال، وبعد إفلاس المصارف، لم يعد الهدف من القانون الحد من تحويل الأموال إلى الخارج. إقراره ضروري فقط بوصفه شرطاً من شروط صندوق النقد. ولذلك، لن يقرّ إلا بالتوازي مع إقرار برنامج مع الصندوق، بما يسمح بتنفيذه ويضمن عدم تحويل أموال الدعم إلى الخارج

في ٢٨ أيار الماضي، وُضع اقتراح فرض ضوابط على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية (capital control) على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب. الاقتراح المُعجّل الذي وقّعه النواب ألان عون وإبراهيم كنعان وياسين جابر، اعتبر ملحّاً حينها، بالرغم من مرور ٧ أشهر على ١٧ تشرين، وبالرغم من تهريب السياسيين وكبار المودعين والمساهمين في المصارف لأموالهم. قيل في ذلك الوقت إنه لا بد من حماية ما تبقّى من أموال في لبنان. لكن مع مرور الزمن تحوّلت هذه الغاية إلى لزوم ما لا يلزم، فالمصارف حوّلت أثناء الأزمة كل ما يمكنها تحويله، وبشكل استنسابي، وبالتالي صارت عاجزة عن تلبية أي التزامات يقرّها القانون.

بحسب النائب ياسين جابر، فإن الوقت الأنسب لإقرار قانون كهذا كان في تشرين الأول، أي قبل إقفال المصارف لمدة أسبوعين عقب انطلاق الانتفاضة. يكفي للدلالة على حجم الخطيئة التي ارتكبتها السلطة الإشارة إلى أنه خلال اليومين الأوّلين لعودة المصارف إلى العمل، بعد الإقفال في تشرين الأول ٢٠١٩، تم تحويل ٧٠٠ مليون دولار إلى الخارج. وعليه، كل يوم كان يمر من دون إقرار «الكابيتال كونترول» كان يعني نزفاً إضافياً في العملات الاجنبية، إلى أن وصل الأمر إلى حدّ التهديد بوقف استيراد المواد الأساسية. أولوية السلطة كانت مختلفة. حينها رفض مصرف لبنان والمصارف أي «كابيتال كونترول» بحجة الحرص على النظام الاقتصادي الحر. وهو الأمر الذي تمسك به الرئيس نبيه بري أيضاً، حتى أيار. بعد توقّف الحكومة عن دفع سندات اليوروبوندز، وبعد أن كان الاتجاه لإجراء «هيركات» على الودائع، نُقل عن بري قوله إنه يدعم «الكابيتال كونترول» الذي يحفظ ودائع المودعين، بخلاف «الهيركات» الذي يعتمد الحسم من الودائع أو تحويلها الى سندات لآجال بعيدة.

في الجلسة لم يدم هذا الدعم. سحب رئيس المجلس الاقتراح، الذي كان وقّعه أحد أعضاء كتلته، بسبب وجود ملاحظات من حاكم مصرف لبنان وصندوق النقد، كما قال حينها، ثم حوّله إلى لجنة المال.
الأسبوع الماضي عادت اللجنة لتضع الاقتراح على سكة النقاش، بوصفه واحداً من القوانين الاصلاحية المطلوبة. الغاية، بحسب النائب نقولا نحاس، هي إعداد الأرضية لإقرار القانون عندما يحين الوقت. أعضاء اللجنة يدركون أن النقاش هذه المرة استباقي، إذ لا نية للإسراع في إقراره. مشكلة القانون اليوم أنه في حال أقرّ سيكون من دون جدوى، لأن أي قانون لضبط التحويلات يُفترض أن يتضمن استثناءات، فيما المصارف مفلسة، وبالتالي لن تكون قادرة على فتح باب التحويلات مجدداً. الاقتراح الذي سُحب من التداول كان يتضمّن، على سبيل المثال، حصر التحويلات بالغايات التالية:
1- تسديد نفقات المعيشة أو الطبابة أو الاستشفاء أو التعليم أو الإيجار.
2- إيفاء قروض ناشئة قبل نفاذ هذا القانون.
3- تسديد ضرائب أو رسوم أو التزامات مالية ملحّة مستحقة لسلطات أجنبيّة.
4- شراء مواد أو منتجات صناعيّة أو تجاريّة أو زراعيّة أو غذائيّة أو تكنولوجيّة أو طبية (أدوية ومستلزمات).
هذه بنود بالرغم من أنها تعتبر الحد الأدنى الممكن، إلا أن الممارسة غير القانونية للمصارف تبيّن أنها ذهبت أبعد بكثير من مضمون القانون، بحيث قيدت كل أنواع التحويلات تقريباً. وبالتالي، فإن إقرار هذا القانون سيُلزمها بتحرير جزء من أموال المودعين (٥٠ ألف دولار في السنة)، فيما هي تؤكد أنها لا تملك الاموال، لا بل إنها تدّعي أنها مديونة للمصارف المراسلة بمبالغ كبيرة.

هذا يقود إلى إقفال ملف إقرار القانون في الوقت الراهن، بانتظار الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد. يشير جابر إلى أنه يجب أن يكون القانون جزءاً من رزمة الحلول التي يفترض الاتفاق عليها مع صندوق النقد، إذ لا إمكانية لإقراره في ظل إفلاس المصارف. ولذلك، صار جلياً أن القانون يمثّل واحداً من شروط صندوق النقد لتمويل أي بلد. فهذا القانون يمثّل ضمانة لأن لا يعاد إخراج أموال الدعم والقروض إلى الخارج. وفي الوقت نفسه لا يمكن إقراره من دون ضمان بدء الحصول على التمويل الخارجي. ولذلك، فإن القانون لن يقرّ إلا بالتوازي مع إقرار برنامج مع صندوق النقد.

ذلك لم يمنع اللجنة من بدء العمل التحضيري، والسعي إلى الاتفاق على نص جديد يراعي كل ملاحظات صندوق النقد، التي سلّمتها وزارة المالية إلى اللجنة في جلسة سابقة. وهي عبارة عن خمس صفحات باللغة الانكليزية. كثيرة هي ملاحظات الصندوق، لكنه يشير في بدايتها إلى أنه من غير الواضح أن القانون سينجح في تحقيق هدف توحيد سعر الصرف. كما يعتبر أنه، لتحقيق ذلك، يجب السماح لسعر الصرف بالانخفاض. ويرى الصندوق أن مشروع القانون يوفّر المرونة الكافية للسلطات لتنفيذ «كابيتال كونترول»، إلا أن النص لا يتضمن قيوداً عالية المستوى على المدفوعات والتحويلات عبر الحدود، مع السماح للحكومة و/أو مصرف لبنان بتحديد المعاملات المعفاة…

مصدرإيلي الفرزلي - الأخبار
المادة السابقةخسائر شركات الطيران الأميركية تسجل 12 مليار دولار في الربع الثاني
المقالة القادمةمعدل البطالة في تركيا يستقر عند 13.4%