بريكست يدخل اللحظات الحاسمة … وقلق في حي المال البريطاني والبورصة من الخسائر الباهظة

تواصلت المحادثات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أمس الأحد، على أمل البت نهائيا في مصير الترتيبات التجارية لمرحلة ما بعد بريكست، وسط مخاوف من خسائر كبرى سيتكبدها الاقتصاد البريطاني المنهك من جائحة كورونا والمصير المجهول بعد 4 سنوات من المفاوضات الشاقة مع دول الاتحاد الأوروبي.

وقال خبراء في لندن أمس الأحد، إن القلق يتزايد في حي المال البريطاني وبورصة لندن والمتاجر من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي دون ترتيبات تجارية مع بقاء فترة تقل عن ثلاثة أسابيع لنهاية الفترة الإنتقالية. وتشير التوقعات إلى أن الأسهم البريطانية قد تخسر بين 6 و10%، كما ستتراجع أسهم المصارف بين 10 إلى 20%

وذكرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية أمس الأحد، أن وزراء بريطانيين نصحوا المتاجر الكبرى بتخزين المواد الغذائية وسط احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، ومخاوف من حدوث نقص في الإمدادات. ويتزامن ذلك مع استمرار الجمود في المحادثات مع الاتحاد الأوروبي.

وذكرت الصحيفة أن من المقرر أن يتولى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عملية التخطيط إذا اختارت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وأنه سيرأس لجنة خاصة للاستعداد لهذا الأمر. وأضاف التقرير أن الوزراء طلبوا من شركات توريد الأدوية والأجهزة الطبية واللقاحات تخزين ما يعادل استهلاك ستة أسابيع في مواقع آمنة في بريطانيا.

وقال مصدر حكومي بريطاني، في وقت تتواصل فيه المباحثات في بروكسل، “لا يزال عرض الاتحاد الأوروبي غير مقبول”.

ويحسب خبراء، ينظر القطاع المالي البريطاني بقلق إلى فرضية خروج بدون اتفاق من الاتحاد الأوروبي، التي يترتب عليها خطر خسارته لزبائن ولتأثيره في مجالات أساسية مثل المشتقات، فضلاً عن اضطرابات محتملة في الأسواق. ويعتقد بنك إنكلترا المركزي أن غالبية المخاطر تم احتواؤها مع اقتراب نهاية الفترة الانتقالية، بعد أربع سنوات من الاستعدادات.

لكن المصرف المركزي يرى أن خروجاً بدون اتفاق قد يتسبب بـ”تقلبات في الأسواق واضطرابات في الخدمات المالية”، لا سيما بالنسبة للزبائن “المتمركزين داخل الاتحاد الأوروبي”.

من جانبه، يتوقع بنك “مورغان ستانلي” الاستثماري الأميركي في حال عدم التوصل لاتفاق، تراجع مؤشر البورصة البريطانية “فوتسي-250” بين 6 و10%، كما ستتراجع أسهم المصارف المتضررة اصلاً من وباء كوفيد-19، بين 10 و20%.

واعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير، سيخسر القطاع المالي البريطاني وحي الأعمال (سيتي أوف لندن) “جواز المرور التجاري” الأوروبي، أي الآلية التي تسمح للقطاع بأن يبيع، انطلاقًا من المملكة المتحدة، منتجاته وخدماته إلى الاتحاد الأوروبي.

ويشعر قطاع الأعمال حالياً بالقلق من التفاوض على نظام تكافؤ يقضي بمطابقة القواعد بهدف ضمان تبادل سلس في بعض الخدمات. وهي أسس على نطاق أضيق بكثير (يحكم عشرات منها مجالات عدة في الخدمات المالية) ويمكن إلغاؤها بسهولة في حال عدم التوصل لاتفاق تجاري.

واتخذت المصارف والمؤسسات المالية العاملة في بريطانيا إجراءات تقنية لضمان تدفق سلس لتلك الصفقات في حال فشلت المفاوضات الثنائية، وسنت الحكومات من الطرفين قوانين تؤمن استمرارية لعقود التأمين وإدارة الأصول.

وتقول سارة هال من مركز “شانجينغ يوروب” في المملكة المتحدة للدراسات “إذا ما أصبحت العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أسوأ، فقد يتطلب الوصول إلى نظام تسوية مالية وقتاً أطول”.

وقامت العديد من المؤسسات المالية البريطانية بإنشاء مكاتب لها في الاتحاد الأوروبي، أو بتوسيع فرقها الموجودة هناك أصلاً، من باريس إلى فرانكفورت وأمستردام، لتتمكن من نقل جزء من أنشطتها إلى أوروبا.

وبحسب مكتب “إرنست أند يونغ”، وهي شركة تدقيق حسابات بريطانية، تم نقل 7500 شخص إلى الاتحاد الأوروبي وهم جزء صغير من أكثر من 500 ألف شخص يعملون في القطاع المالي في لندن.

ويقول مكتب “إرنست أند يونغ”، كذلك نقلت الشركات المالية أكثر من 1.2 ترليون جنيه إسترليني من الأصول إلى الاتحاد الأوروبي منذ استفتاء بريكست.

وفي حال انفصال بريطانيا بدون اتفاق عن الاتحاد الأوروبي، يمكن للمفوضية الأوروبية أن تعقّد أنشطة تلك الشركات البريطانية عبر طلب رأس مال أكبر أو عدد أكبر من الموظفين، قبل منحها رخصة عمل.

وقد تتعقد أيضاً عمليات نقل البيانات الشخصية لأن المفوضية الأوروبية لم توافق بعد على المعايير البريطانية لحماية البيانات. وقد تواجه المصارف وشركات الاستثمار لذلك أحد خيارين، إما الالتزام بالمعايير الأوروبية، وهو خيار سيعقده وباء كوفيد-19 والقيود على تنقل الأشخاص، أو التخلي عن بعض الزبائن والأنشطة التي أصبحت تكلفتها باهظةً جداً على الأرجح أو تنطوي على مجازفة، حسب تعليقات لرويترز، نقلتها الوكالة عن سايمن غليسون من مكتب “كليفورد تشانس” للمحاماة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات والمصارف المتضررة أصلاً من الوباء ومن انخفاض معدل الفائدة إلى ما دون الصفر في بعض الحالات، لا تملك “فائضاً كافياً من رأس المال المتوفر”.

وقد اتخذت بعض المصارف زمام المبادرة عبر إغلاق حسابات بعض الزبائن البريطانيين المتمركزين في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يؤثر حالياً على عشرات آلاف الأشخاص من حملة الجنسية البريطانية في دول الاتحاد الأوروبي، وقد يتسارع هذا الإجراء في حال عدم التوصل لترتيبات تجارية. كما قد يتأثر سوق المشتقات المالية أكثر من غيره.
وأشار بنك إنكلترا يوم الجمعة إلى أن “بعض الشركات الأوروبية، وفي ضوء تعليمات بروكسل حول مشتقات السندات، قد لا تكون قادرة على الشروع بمبادلات للمنتجات في المقرات البريطانية، والعكس صحيح”. وقد ينشأ عن ذلك وفق البنك المركزي، نزوح لأنشطة سمسرة المشتقات نحو “أنظمة أخرى” لا سيما في سوق “وول ستريت” الأميركي.

ويؤكد البريطانيون أنهم يريدون الحفاظ على مستوى “متين” من المعايير المالية وعدم الدخول في “إغراق تنظيمي” وهي فرضية يخشاها الأوروبيون. في المقابل، يؤكد الخبير القانوني غليسون أن “مصدر القلق الأساسي لدى الجانبين هو حصول ضعف في عملية الرقابة المالية”، التي ستصبح أكثر تشتتاً وأقل قدرة على مكافحة عمليات الاحتيال أو الأنشطة الخطيرة في السوق.

وحسب مراقبين “يحتم عدم التوصل إلى اتفاق، أن تحكم قواعد منظمة التجارة العالمية التبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مع ما يحمله ذلك من فرض رسوم جمركية أو نظام حصص، في وقت يعاني فيه الاقتصاد البريطاني من صدمة جائحة كورونا وارتفاع الدين السيادي”.

وتتعثر المفاوضات الجارية بين لندن وبروكسل بسبب ثلاثة مواضيع هي وصول صيادي الأسماك الأوروبيين إلى المياه البريطانية، وطريقة تسوية الخلافات في اتفاق مستقبلي، والضمانات التي يطالب الاتحاد الأوروبي الحكومة البريطانية الخاصة بها بضمان المنافسة.

وتتخوف دول الاتحاد الأوروبي أن تلجأ بريطانيا إلى إغراق الأسواق من خلال ابتعادها عن المعايير البيئية والاجتماعية والضريبية الأوروبية أو تلك المتعلقة بالمساعدات الرسمية. ويرى محللون في حال حصول ذلك، أن الاتحاد الأوروبي يريد أن يكون قادراً على اتخاذ تدابير رد سريعة، مثل فرض رسوم جمركية من دون أن يضطر إلى الانتظار إلى حين بت الخلاف في إطار إجراءات تحكيم عادية، سعيا إلى حماية الشركات الأوروبية، إلا ان لندن ترفض ذلك كليا. وأكد مصدر أوروبي أن “الاتحاد الأوروبي يعتبر حماية السوق الموحدة خطا أحمر”.

 

 

المادة السابقةارتفاع مبيعات الكمبيوترات المكتبية والدفترية العام الحالي
المقالة القادمةتدهور أعمال القطاع الخاص في دبي وارتدادات عنيفة للعقارات