“بصمات” التطوّرات السوريّة في الاقتصاد اللبناني

لا يُمكن إنكار أنّ التطوّرات على الساحة السوريّة تُرخي بظلالها على الواقع اللبناني، لا سيّما في الموضوع الاقتصادي، حيث تترقّب الأوساط الاقتصاديّة بكثير من الحذر ما سيَنتج عن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا وما قد يُخلّفه من شحّ في اليد العاملة في ورش الإعمار المُرتقبة، رغم أنّ هذا التأثير سيكون محدوداً مع وجود الكثير من اليد العاملة اللبنانيّة التي كان السوري يُزاحِمُها في مختلف المجالات.

سيؤدّي الوضع اللبناني، مع بدء ورشة الإعمار، وتدفّق العملات الأجنبيّة إلى ترتيبات مختلفة قد تؤثرّ على سعر الصرف بما يُعزّز الليرة اللبنانيّة ويساهم في تراجع سعر صرف الدولار، لكنّ هذه الإيجابيّة لها انعكاساتها السلبيّة على موظفي القطاع الخاصّ الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار حيث ستتراجع قيمة رواتبهم بشكلٍ ملحوظ مع تراجع سعر صرف الدولار.

الخبير في المخاطر المصرفيّة، محمد فحيلي، يُذكّر بتعريف المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي ينصّ على أنّ “اللاجئ هو مَن أُجبر على الفرار من بلده الأصلي أو مكان إقامته المُعتاد بسبب الاضطهاد لأسباب تتعلّق بالعرق أو الدين أو الجنسيّة أو الانتماء إلى فئة اجتماعيّة مُعيّنة أو الرأيّ السياسي”.

ويُوضح فحيلي لـ “نداء الوطن”، أنّ “المفوضيّة تُتيح للاجئين العودة طوعاً إلى بلدانهم إذا كان قرارهم فرديّاً وغير مفروض عليهم”.

السوريون في لبنان

يشير فحيلي إلى أنّ “اللاجئ السوري جاء إلى لبنان بحثاً عن الحماية التي افتقدها في بلده”، ولكنه يرى أنّ “التطوّرات الأخيرة في دمشق تجعل أسباب بقاء اللاجئين تحت مظلّة الحماية غير متوافرة حاليّاً”، مُضيفاً أنّ “التطوّرات الإنسانيّة تتطلب وقف تقديم مُساعدات المفوضيّة لمَن بقيَ في لبنان، والعمل على تسهيل عودتهم بالتنسيق مع السلطات اللبنانيّة والأمن العام”، مُشيراً إلى أنّ “المُساعدات التي يحصل عليها اللاجئون، مثل رعاية الأطفال والمساعدات الماليّة والتعليميّة، تفوق ما تُقدّمه الدولة اللبنانيّة لمُواطنيها”.

الانعكاسات الاقتصاديّة

يوضح فحيلي أنّ “العمالة السورية تُشغّل قطاعات مثل الزراعة، البناء، المطاعم، وخدمات التوصيل، ما يُخفض الكلفة التشغيليّة للمؤسّسات اللبنانيّة، لافتاً إلى أنّ “العامل السوري يقبل بأجور مُنخفضة بسبب استفادته من دعم المفوضيّة”.

ومع ذلك، يعتقد أنّ “إعادة الإعمار في سوريا ستزيد الطلب على العمالة السوريّة هناك، ما قد يؤدّي إلى نقصِ في هذه القطاعات في لبنان، ويرفع الكلفة التشغيليّة”، مُعتبراً أنّ “عودة السوريين قد تؤدّي إلى تحدّيات في العثور على بدائل لبنانيّة في هذه القطاعات بنفس الكلفة، ممّا سيؤثرّ على الاقتصاد اللبناني ويزيد من أعباء المؤسّسات”.

تداعياتٌ على القطاع المصرفي

على المستوى المصرفي، استرجع فحيلي “حقبة التعاون بين المصارف اللبنانيّة والسوريّة في أوائل 2000، حيث أسهمت الخبرات اللبنانيّة في تطوير القطاع المصرفي السوري”، متوقعاً في هذا الإطار أنْ “يستفيد لبنان من إعادة الإعمار في سوريا، خاصّة في مجالات الخدمات الهندسية، التدقيق الخارجي، والسياحة“، لكنه لفت إلى أنّ “انعدام الثقة في المصارف اللبنانيّة قد يُعوق مشاركتها في السوق السوريّة”.

وأشار فحيلي إلى أنّ “المصارف اللبنانية التي نجحت في إعادة تكوين سيولتها الخارجيّة منذ عام 2022 قد تُواجه ضغوطاً جديدة في ظلّ التطوّرات السياسيّة والاقتصاديّة بين البلدين، خاصّة مع استمرار عقوبات “قيصر” الأميركيّة”.

الانعكاسات الجيوسياسيّة

وناقش فحيلي تأثير الوضع الجيوسياسي في سوريا على الاقتصادَيْن السوري واللبناني، مشيراً إلى أنّ “استقرار الأوضاع السياسيّة شرط أساسي لبدء إعادة الإعمار“. كما لفت إلى أنّ “استمرار السيطرة الروسيّة على بعض الموانئ السوريّة يجعل الأوضاع المُستقبليّة غير واضحة”.

التحديات المُرتقبة

ختاماً، أكد فحيلي أهميّة تعامل الدولة اللبنانية مع مسألة اللاجئين السوريين بحكمة، لأنّ استمرار التوترات قد يؤدّي إلى تأثيرات اقتصاديّة وأمنيّة.

كما أشار إلى أنّ “تحدّي الحفاظ على استقرار سعر صرف الدولار هو أهمّ من إقرار سياسات نقديّة هادفة إلى تخفيض سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة”.

تحدٍ آخر في المشهد النقدي -وفق فحيلي- “إدارة التدفقات النقديّة الأجنبيّة المتوقّعة لإعادة إعمار لبنان والحؤول دون تأثيرها على الاستقرار النقدي في الداخل اللبناني. أيّ تراجع في سعر صرف الدولار مُقابل الليرة لن يُواكبه انخفاض في الأسعار وهذا يؤثّر سلباً على كلفة المعيشة”.

ومن المتوقّع، حسب فحيلي أنْ “تكون هناك شروط لإطلاق عجلة تمويل إعادة إعمار لبنان من أهمّها التزام الدولة اللبنانيّة بتنفيذ خريطة الطريق التي رسمتها لها مجموعة العمل المالي لتأمين خروج لبنان عن القائمة الرماديّة للدول غير المتعاونة بمكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب. والشرط الآخر والأكثر صعوبة هو ضرورة التقدّم بمشروع لإعادة هيْكلة وجدولة الديْن العام بما فيها عودة الانتظام للقطاع المالي“.

ويرى أنّ “الخطوة الإيجابيّة التي اتخذها مصرف لبنان في كانون الأوّل 2023، وهي تتمثّل بتحديد سعر الصرف المُعتمد على منصة صيرفة عند 89500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، ومنذ ذلك الحين شهِدت إيرادات الحكومة تحسّناً ملحوظاً لدرجة أنّها سجّلت فائضاً في النصف الأول لسنة 2024″، مُعتبراً أنّ “تحقيق استقرار اقتصادي رغم التحديات مُمكن، ولكن الوصول إلى استقرار شامل ومُستدام يعتمد على تطوّرات الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة في كلا البلديْن”.

مصدرنداء الوطن - رماح هاشم
المادة السابقةالضمان يقر سلفاً مالية للمستشفيات بقيمة 30 مليار ليرة
المقالة القادمةمجلس رجال الأعمال اللبناني – الكويتي: الفرصة مناسبة لتنفيذ الورقة الكويتية لإعادة العلاقات بين لبنان والخليج الى طبيعتها