من أولى أولويات الحكومة وربما التحدي الأكبر أمامها يكمن في تعيين حاكم مصرف لبنان لما لهذا المنصب الأساسي من أهمية وانعكاس على الوضع المالي والنقدي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، سيما أن البلد لم يخرج بعد من أزمته غير المسبوقة، مع أننا بدأنا بالسير على السكة الصحيحة بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة للبدء بالورشة الإصلاحية وإخراج لبنان من أزماته المستفحلة، والذي لن يكتمل إلا بتعيين حاكم مصرف لبنان قادر على رسم سياسة لبنان النقدية، والذي ستكون أمامه تحديات وأولويات كثيرة ويجب أن يتمتع بمواصفات استثنائية.
و بعد مخاض كبير تم تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان وقد نال 17 صوتًا من أصل 24 ما يعكس تأييدًا واسعًا من الأوساط السياسية لهذا القرار بالرغم من اعتراض رئيس الحكومة القاضي نواف سلام .
وفي إطار حديثه عن مواصفات حاكم المركزي، رأى كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل أنه يجب أن يتمتع الحاكم بسيرة مهنية لا غبار عليها ومسار مهني مشهود له وألا يوجد حتى أي انطباع يتعلق بتضارب مصالح مع مسؤولية الحاكمية .
وعن التحديات التي ستواجه الحاكم الجديد أشار غبريل في حديث للديار إلى أن التحدي الأول والأهم هو الحماية والدفاع بشراسة عن استقلالية عمل المركزي المنصوص عليها في قانون النقد و التسليف، والالتزام الكامل بهذا القانون، ونأي الحاكم والمركزي عن التجاذبات السياسية ودهاليزها.
ثانيا”، شدد غبربل على ضرورة وضع سياسة نقدية واضحة وعلى الحاكم أن يوضح مبادئ هذه السياسة إلى جميع المعنيين بالاقتصاد وإلى السلطتين التنفيذية والتشريعية وإلى الشعب اللبناني عموماً من اجل شفافية هذه السياسة ومصداقيتها على أن يضع المركزي مبادىء وتفاصيل السياسة النقدية بشكل مستقل تماما”.
ثالثا”، على الحاكم المقبل على يرفع مستوى شفافية المركزي من خلال الإيضاح والتفسير للرأي العام القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية كما هو الحال في المصارف المركزية حول العالم التي تصدر بياناً مفصلاً عند كل اتخاذ قرار له علاقة بالسياسة النقدية لتفسير الأسباب لهذا القرار كرفع او خفض الفائدة . وفي هذا السياق، اشار غبريل الى ضرورة تفعيل اداة الفائدة التي هي عنصر اساسي في تطبيق السياسة النقدية ولكنها تعطلت منذ اندلاع الازمة وانفلاش الاقتصاد النقدي (cash economy).
رابعا، تحدث غبريل عن ضرورة التركيز على المهمات الأساسية لمصرف لبنان وهي الحفاظ على استقرار الأسعار من خلال ٤٤ مكافحة التضخم والحفاظ على استقرار القطاع المالي وحسن أداء ورقابة القطاع المصرفي؛ إضافةً إلى التأكيد على عدم تمويل الحكومة والعجز في الموازنة او اي دعم للسلع او اي جانب يتعلق بنفقات القطاع العام، وعدم الانجرار الى مهمات او قرارات خارج سياق مهمات المركزي الاساسية.
خامسا”، رأى غبريل أنه يجب أن يكون للمركزي دور في التحليل الإقتصادي وأن يبدي رأيه في الاقتصاد اللبناني والمالية العامة والحركة الاقتصادية والتجارية وان يعطي تقديره لنسبة النمو والتضخم وتطلعات المستقبل، لأنه على أساس هذا الرأي تبنى السياسات النقدية والمالية والاقتصادية وفي ضوئه تأخذ المؤسسات والقطاعات قراراتها.
سادسا”، من التحديات و الأولويات التي تواجه الحاكم أيضاً أشار غبريل إلى موضوع مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الذي يُعد موضوعا حيويا وأساسيا، والعمل على اخراج اسم لبنان من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالية لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب.
سابعا”، رأى غبريل ان احدى مهمات الحاكم هي وضع خطة و حلّ ورؤية لموضوع تحديد مصير الودائع وإعادة هيكلة المصارف ” وهذا لا يعني أنه لا يجب أن تساهم الدولة في إيجاد حل لقضية الودائع“، خصوصا” ان معنيين في الحكومة اعتبروا تكرارا” ان هذا الموضوع هو من مسؤولية المصرف المركزي وان على الحاكم القادم ان يتولى وضع هذا الحل”.
ثامنا”، كما رأى غبريل أنه على المصرف المركزي إعطاء رأيه بأي خطة إصلاحية تضعها الحكومة ويساهم في وضعها، كما يساهم في المفاوضات المباشرة مع صندوق النقد الدولي.
تاسعا”، على الحاكم الجديد بحُكم التزامه بقانون النقد والتسليف أن يكون واضحاً في اعتبار توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان هي دين تجاري بينما الدين العام هو دين سيادي، ويجب عليه الفصل بين الدٰينَين لأن لا ترابط للدين العام بالودائع والتوظيفات المصرفية.
واعتبر غبريل ان الفجوة المالية في مصرف لبنان يجب ان تعالج حسب قانون النقد والتسليف على أن يأخذ الحاكم الجديد بعين الاعتبار خلال المفاوضات مع صندوق النقد الخطة التي سيعتمدها المركزي لتحديد مصير الودائع وإعادة هيكلة المصارف المادة ١١٣ من قانون النقد والتسليف التي تنص على ان الخزينة مسؤولة عن تغطية اي خسائر يتكبدها مصرف لبنان.
عاشرا”، ووفقاً لغبربل، يجب على مصرف لبنان إتخاذ القرارات في ما يخص الاصول التي يملكها وإدخالها في أي حل، لأنه لا يمكن أن يوجد حل دون الأخذ بعين الاعتبار موجودات المركزي التي تبلغ عشرات مليارات الدولارات، مشدداً على ضرورة توظيف الأصول الموجودة لدى المركزي وليس بيعها بل توظيفها بطريقة تخدم الحل . “والهدف هو اعادة تفعيل العمل المصرفي وتمويل الدورة الاقتصادية من خلال المصارف وتقليص حجم القتصاد النقدي”.
الحادي عشر “، لفت غبريل إلى أن أمام الحاكم الجديد ورشة داخل المركزي تبدأ بإعادة هيكلة داخلية والأخذ بنصائح التقرير الذي وضعه صندوق النقد الدولي في هذا المجال، وعلى الحاكم ان يقرر الإجراءات المناسبة لتحسين أداء المركزي الداخلي و إذا كان هناك حاجة لإنشاء دوائر و مراكز جديدة او إلغاء مراكز موجودة أو دمجها.
الثاني عشر، كما اشار غبريل الى ضرورة مراجعة موضوع استقلالية هيئة الاسواق المالية عن المصرف المركزي، اذ عادة هكذا هيئة في بلدان اخرى تتمتع عادة باستقلالية عن اي مؤسسة عامة من اجل تجنب تضارب المصالح.
وأخيراً وليس آخراً يقول غبريل من أولويات الحاكم الجديد إضافةً إلى إدارة مصرف لبنان ووضع السياسة النقدية هو عدم استخدام هذا المنصب لطموحات سياسية مستقبلية ما بعد الحاكمية.