يُقفل العام 2023 على “خيبة غازية” في البلوك رقم 9، أنهت “حلم حقل قانا” الذي تحول إلى مجرّد موقع. رغم ذلك، ما تزال الفرصة قائمة سواء في البلوك المذكور أو بمجموعة البلوكات الأخرى المنتشرة في المياه الجنوبية، أو ما اتفق على تلزيمه مؤخراً في البلوكين 8 و 10 لمصلحة كونسورتيوم توتال الفرنسية – إيني الإيطالية – قطر للطاقة، وما قد يُلزّم خلال الفترة المقبلة حيث التركيز على دورة التراخيص الثالثة التي افتتحت في 27 كانون الأول الماضي وستدوم لغاية 2 تموز من العام 2024.
إحدى العلامات القليلة المهمة التي يُبنى عليها راهناً للاطمئنان أن “مشاريع الغاز” في المتوسط محيدة عن المخاطر، أن اتفاق الترسيم البحري لم يختل، وبقيت مندرجاته بعيدة عن أي تطور، لا بل إن هذا النسخة من الاتفاق ثمة سعي دؤوب من أجل تحويلها إلى صيغة اتفاق بري.
عملياً، لا هدف لدى المعنيين بإدارة قطاع النفط اللبناني غير استكمال إجراءات التلزيم في ما خص البلوكين 8 و10، من غير عقد آمال على مستقبل الاستكشافات فيهما، رغم أنهما حازا اهتماماً استثنائياً خلال مرحلة مفاوضات الترسيم البحري غير المباشرة، لئلا نصاب بالشعور نفسه بالإخفاق.
بالموازاة، يجري العمل بهدوء على إعادة تلزيم البلوك رقم 4 بعدما عادت حقوقه إلى الدولة اللبنانية من “الكونسورتيوم” أعلاه، إلى جانب تدشين خطوات تلزيم البلوكات من 1 إلى 7 عبر دورة التراخيص الثالثة على نحو متزامن مع دفع يتصل بمحاولة العمل على خلق ظروف جديدة واستقطاب شركات أخرى غير معهودة ضمن القطاع اللبناني. أما المهم فيبقى في تبلور اتجاه لدى “هيئة إدارة قطاع النفط” سيغدو عنواناً مهما خلال الفترة المقبلة، ويتصل في تقديم نتائج الحفر في البلوك رقم 9 إلى الدولة.
على المقبل الآخر ثمة ترقب لموعد توقيع عقود التلزيم على نحو رسمي بين الدولة اللبنانية و”الكونسورتيوم” في ما خص البلوكين 8 و10، وسط محاولات لتقديم الخطوات وتسريع المهل. وفي هذا الشق، يدور حديث عن “تبدل في الرؤية الإدارية في هذا المجال، بحيث لم يعد في الإمكان ترك المواعيد مفتوحة أو ربطاً بحسابات الشركات” وهذا عامل مهم قياساً على ما سبق.
عملياً، تعود أسباب تأخير التوقيع إلى جملة عوامل، من بينها ما له صلة بالمسائل التقنية، ومنها ما يرتبط بالهواجس الأمنية تبعاً للأحداث الجارية في المنطقة بعد عملية “طوفان الأقصى” ما رافقها من عدوان على قطاع غزة، والأهم عدم انتهاء شركة “توتال” بصفتها رأس “الكونسورتيوم” من عملية إعداد التقرير النهائي في ما خص النتائج التي تم التوصل إليها خلال الحفر في موقع قانا وتسليمها إلى الدولة اللبنانية. ودرءاً لأي مفاجئة، تركت “الهيئة” الباب مفتوحاً أمام إعادة طرح البلوكين 8 و10 في دورة التراخيص الثالثة المفتوحة.
لكن وعلى الرغم من كل المعضلات وسوء القدر، ما تزال هناك “بقعة نور”، ترتبط بما جرى التوصل إليه سابقاً خلال عملية الحفر في البلوك 9، إذ تفيد معطيات “ليبانون ديبايت” أن الاستثناء المهم يرتبط في نوعية الطبقات العميقة التي عُثر عليها في “حقل قانا” وهي مشابهة إلى حدٍ ما لمحتوى حقول أخرى جرى العثور فيها على كميات تجارية من الغاز، كـ”كاريش” و”تمار”، ما يشكل حافزاً لاستمرار الاستكشافات في هذا البلوك مستقبلاً.
مع ذلك، لا يهدأ المعنيون بمستقبل قطاع الطاقة اللبناني. رغم كافة الظروف، أطلقوا دورة تراخيص ثالثة لتلزيم البلوكات من 1 إلى 7، رغم اعتراضات على توقيت الإطلاق الذي تزامن مع أجواء الحرب، مع الإشارة إلى أن العدو ورغم الحرب، قرر منح تلزيم ورخص حفر إلى شركات أجنبية في البلوكات المحاذية للبلوك 8 اللبناني.
في هذا الصدد يؤكد القيمون على مشاريع التلزيم لبنانياً أنهم لا يكتفون بعددٍ محدد من الشركات المستهدفة، وإن نشاطهم دائم وباستمرار من أجل التخاطب مع شركات جديدة أخرى بهدف استقطابها. لكن العلة تكمن في النتائج التي جرى التوصل إليها مؤخراً، وكانت سلبية على مستوى محاولات الاستقطاب، ما رتب أثماناً، يجدر إعادة تدويرها بحيث نصل إلى نتائج إيجابية تتولى جذب الشركات تلقائياً. لكن الوصول إلى هذه الغاية يحتاج إلى عمل، والاستمرار بما هو متوفر رغم علاته.
أحياناً، لا تتصل المعوقات أو العقبات بالقضايا التقنية، بل إن العوامل السياسية تشكل سبباً دائماً لا يمكن تجاهل نتائج في منطقة مفتوحة على تطورات دائمة. انطلاقا من ذلك، كان للتطورات العسكرية الراهنة في المنطقة أن أدت مثلاً إلى تجميد مفاعيل رخصة المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد في البلوكين 8 و10 الذي بني عليه كأساس مبدئي لانطلاق أعمال الاستكشاف مستقبلاً في البلوكين المذكورين، ما دفع بالتحالف الحاصل على الرخصة والمكون من شركتيّ Brightskies Geoscience و geoex mcg إلى تأجيل موعد المسح الذي كان محدداً بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين.
وفق معلومات “ليبانون ديبايت”، لا مواعيد جديدة مسجلة بانتظار جلاء الأمور. ما زاد التعقيدات تقعيداً التصنيف الذي حدد للمنطقة، وجُعل باللون الأحمر، مما أسهم في رفع تكلفة التأمين على الأعمال إلى حدود مبالغ فيها، وليس من قدرة للشركات على تحملها، ما يرجح أن يدوم هذا الوضع شهوراً إضافية لا تُحسب في مصلحة مباشرة الأعمال قريباً، وسط اعتقاد أن الموعد المبدئي لن يكون قبل صيف 2024 على أقل تقدير.
وتشير معطيات خاصة حصل عليها “ليبانون ديبايت”، أن التحالف المذكور أبلغ الدولة أنه بصدد تجميد أنشطته حاليا، كما وضع أجهزة الدولة المعنية بصورة ما يحصل من عراقيل، ومن بينها تخلّف بعض الشركات البترولية عن إبداء أي اهتمام بالمنطقة في وضع مماثل.