في هذه الأجواء القاتمة، أطلق مصرف لبنان ما سمّاه «مبادرة تهدف الى إراحة اللبنانيين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان»، وتقوم هذه المبادرة التي اعلن عنها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في بيان صدر مساء امس، على الآتي:
– أولاً، يفاوض مصرف لبنان حالياً المصارف اللبنانية بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة. ولهذه الغاية طلب مصرف لبنان من المصارف تزويده المعطيات ليبني عليها خطة يتمّ بموجبها دفع مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار أميركي، وبالدولار الأميركي أو أي عملة أجنبية، إضافة إلى ما يساويها بالليرة اللبنانية. وسيتمّ تقسيط هذه المبالغ على فترة زمنية يُحدّدها مصرف لبنان قريباً. ومن المتوقّع أن يبدأ الدفع ابتداء من 30 حزيران 2021، شرط الحصول على التغطية القانونية.
– ثانياً، يُطلق مصرف لبنان منصّة «صيرفة «(SAYRAFA)، أي المنصّة الالكترونية لعمليات الصرافة بمشاركة المصارف والصرّافين، مع ما تؤمّنه هذه المنصّة من شفافية في الأسعار وفي المشتركين فيها، بحيث لا تشمل الصرافين غير الشرعيين. وسيُصدر مصرف لبنان التعاميم إلى الجمهور فور الحصول على إجابة وزير المال كما ينصّ القانون.
ـ ثالثاً، وعلى عكس ما يُشاع في عدد من وسائل الإعلام، فإنّ مصرف لبنان لا يزال يؤمّن بيع الدولار للمصارف على سعر الصرف الرسمي للمواد الأولية التي قرّرت الحكومة دعمها، وهو ملتزم ببيع هذه الدولارات على السعر الرسمي لكل الاعتمادات التي وافقت عليها المراجع الرسمية، والمصرف المركزي ينفّذ هذه العمليات يومياً وتباعاً.
هذه المبادرة، ورغم انّها توحي أنّ عملية استعادة المودعين لودائعهم سوف تبدأ في حزيران المقبل، الّا انّ اسئلة كثيرة مطروحة حول امكانات النجاح، من أهمها الآتي:
ـ اولاً- إذا كان سقف إعادة الودائع هو 25 الف دولار سنوياً، كما ذكر بيان مصرف لبنان، فهل يعني ذلك انّ وديعة قيمتها مليون دولار سيتعهّد المصرف بإرجاعها الى مودعها في خلال 40 سنة؟ وماذا اذا كانت قيمة الوديعة 10 ملايين دولار، هل ينتظر صاحبها 400 سنة للحصول عليها؟ وماذا عن وديعة الـ100 مليون دولار؟!
– ثانياً، من أين سيكون مصدر تمويل إعادة الودائع؟ هل سيتمّ استعمال الاموال التي كوّنتها المصارف في المصارف المراسلة بناء على التعميم 154؟ وماذا عن التعهدات التي وقعّتها المصارف مع اصحاب هذه الاموال، والتي تعهّدت بموجبها بإبقاء هذه الاموال مُحرّرة ودفعت فوائد في مقابلها؟
– ثالثاً، كيف ستتعهد المصارف بإعادة الودائع، ولم يتمّ بعد انجاز مشروع اعادة هيكلتها وتصنيفها، لكي يتبين من هي المصارف القادرة على الاستمرار ومن هي المصارف العاجزة؟
– رابعاً، كيف ستتصرف المصارف غير القادرة على الدفع، والتي لم تنجح في تكوين اموال في الخارج؟ هل يُحرم المودع الذي شاء الحظ انّه يتعامل مع هذه المصارف من حقه في استعادة وديعته بالتقسيط؟
– خامساً، هل تعني الصيغة المبهمة التي استخدمها البيان للحديث عن المنصة الالكترونية انّ مصرف لبنان سيستخدم اموال الاحتياطي الالزامي لدعم سعر صرف الليرة عند الحاجة؟
كلها اسئلة تؤكّد انّ الامور لا تزال ملتبسة، وانّ كل الإجراءات الموعودة لا تنفي حقيقة انّ المواطن يجوع ويُذل، ولم يعد قادراً على تأمين الغذاء والدواء والمحروقات، والدولة بكل اركانها غائبة.