تتوجَّه الأنظار إلى جلسة الحكومة يوم الإثنين المقبل، والتي ستخصص لبحث مشروع موازنة 2023، والتي تحمل في متنها المادة 27 التي تتّجه إلى “تخفيض الضريبة على أرباح متعهدي الأشغال العامة بنسبة 75 بالمئة”. والبحث في هذه المادة يُظهِر أن السلطة لا تُخفي سعيها لتأمين إيرادات في الموازنات من جيوب الناس والتخفيف عن أكتاف المنتفعين من الأموال العامة. ففي حين تُفرَض في الموازنات الضرائب والرسوم التي تمتصّ قيمة رواتب وأجور الموظّفين والعمّال، تُعفى جهات من دفع الضرائب، أو جزء منها، بنسبة كبيرة. (راجع المدن).
التحضير للإعفاء
تنصّ المادة 27 من مشروع قانون موازنة 2023 على أنه “تخفَّض اعتباراً من تاريخ 1/1/2023، بنسبة 75 بالمئة، الضريبة على الأرباح المستخرجة من المبالغ التي يقبضها متعهدو الأشغال العامة المشار إليهم في المادة 44 من المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته (قانون ضريبة الدخل) بالليرة اللبنانية، عن المشاريع التي تم تنفيذها لغاية 31/12/2021. ما لم يكن قد تم تعديل قيمتها لتغطية فروقات الأسعار الناتجة عن تدني قيمة الليرة اللبنانية”.
وبحسب المادة 44 من ذلك المرسوم، فإن الشركات المستفيدة من الإعفاء هي “مؤسسات التأمين والتوفير على إطلاقها، وكذلك مؤسسات الملاحة البحرية والبرية والجوية، التي تكون خاضعة للضريبة، ومصافي النفط”. وتلك المؤسسات “تكلف (بالضريبة) حتماً على أساس الربح المقطوع”. وهذا الربح يُحتَسَب عن “المبالغ التي يقبصونها فعلاً من الصناديق العامة خلال السنة المدنية لقاء الأشغال التي يقومون بها”.
لا ينفصل مضمون هذه المادة عن سياق البحث المستمر منذ العام 2021 عن آلية يضمن بها متعهّدو الأشغال العامة مصالحهم، ومنها مستحقاتهم على الدولة والتي يُقوَّم أغلبها بالدولار. وبما أنه لا سبيل أمام الدولة حالياً للإيفاء بمتوجّباتها لجميع المتعهّدين بحسب الاتفاقات، كان لا بد لها من إيجاد توليفة مناسبة للطرفين، لها وللمتعهّدين. فكانت المادة 27 مخرجاً من المخارج الممكنة، عن طريق المقايضة. أي بدل دفع الدولة مستوجّباتها، تحسم ما لها على المتعهّدين، فلا يدفع أي طرف للآخر، وبالتالي لا تضطر الدولة لرصد مبالغ ليست بحوزتها.
المساومة على المستحقات
ما تتّجه نحوه السلطة لا يُفهَم إلاّ من باب المساومة على الأموال العامة، وهو حقٌّ لا تملكه السلطة لأن هذا المال للدولة، أي للناس، بغض النظر عمّن يُدير مؤسسات الدولة. ولذلك، لا يجب المساومة هنا. أما عدم قدرة الدولة على الالتزام بمتوجّباتها، فهذا يستدعي التفاوض مع أصحاب الحقوق على إعادة جدولة المستحقات، وهو أمر متعارف عليه في كل الدول التي تواجه أزمات تحول دون تمكُّنها من الإيفاء بديونها. والسلطة إذ امتنعت عن دفع مستحقات حملة سندات اليوروبوندز بحجّة أن الشعب أحقّ بتلك الأموال، لم تستعمل هذا الحق مع أموال المتعهّدين. (راجع المدن).
ونظراً لقدسية تلك الأموال الآتية من تحصيل الضريبة، كونها أموالاً عامة، يرفض وزير الأشغال علي حميّة تخفيض الضريبة على المتعهّدين، معتبراً أن “الأولوية هي لإعطاء الناس وليس التخفيض على المتعهّدين”. موضحاً في حديث لـ”المدن”، أن المقصود بالأشغال العامة الخاضعة للتخفيض “الأشغال التي تنفَّذ في كل الوزارات والإدارات العامة، وليس فقط في وزارة الأشغال. فهذه الأعمال متعلّقة بمجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة والمطار ووزارة الصحة.. وما إلى ذلك من أشغال تحت إسم الدولة”. (راجع المدن).
وكَشَفَ حمية أن مضمون تلك المادة في مشروع الموازنة “لم يُطرَح على وزارة الأشغال ولم يُطلَب من الوزارة أي أرقام لها علاقة بالمشاريع التي نفّذتها مع المتعهّدين”. وبالتالي، من غير الواضح حجم المبالغ التي ستتخلّى عنها السلطة عبر الإعفاء، طالما أنه لم يجرِ نقاش الإعفاء مع الوزارات المعنية لتحديد حجم الأشغال وقيمة الضريبة المتوجّبة، لتحديد حجم المبالغ المعفاة. وأكّد وزير الأشغال أن “هذه المادة تحتاج إلى قراءة ونقاش بتمعُّن. وفي جميع الأحوال، لا أولوية لإعفاء المتعهّدين طالما أن الناس ستدفع الضرائب”.
تحديد الأرباح
عدم إحاطة وزارة الأشغال بتفاصيل الإعفاء، وتالياً عدم تحديد الأرقام التي سيُتعامَل معها، يدل على أن المطلوب تقديم خدمة للمتعهّدين كيفما اتّفَق. وتمتلك وزارة المالية مفاتيح الملف بالاستناد إلى المادة 27 من مشروع الموازنة، وإلى المادة 21 من المرسوم الاشتراعي رقم 144 المتعلِّق بالضريبة المعنية. ففي الموازنة، لوزارة المالية أن “تحدِّد دقائق تطبيق هذه المادة، عند الاقتضاء، بموجب قرار يصدر عن وزير المالية”. وفي المرسوم “تتولى لجنة مركزها وزارة المالية تعيين المعدلات الواجب تطبيقها على مجموع الواردات لتحديد الربح الصافي المقطوع”. أي أن الوزارة واللجان المرتبطة بها، يقدّمون الفتاوى اللازمة لإنهاء الملف.
والإفتاء يشوبه معوّقات ترتبط بتحديد سعر الصرف المعتمد لإقرار حجم الضريبة التي تُدفَع بالليرة، وبالتالي تحديد حجم المبلغ المساوي لنسبة الـ25 بالمئة التي على المتعهّدين دفعها بعد الحسم. خصوصاً وأن منصة صيرفة متوقفة، أي لا يمكن اعتماد دولارها.
ويتساءل رئيس جمعيات شركات الضمان أسعد ميرزا، عن “السعر الذي ستحدَّد وفقه كلفة الضريبة”. ويشرح لـ”المدن” أن شركات التأمين ترتبط بالأشغال العامة عن طريق “التأمين على المشاريع بدءاً من الأعمال الأساسية لأي مشروع، وأعمال الحفر والتأمين على معدّات وآليات العمل، وصولاً إلى حوادث العمل التي قد تصيب العمّال”. أي أن عمل تلك الشركات يندرج ضمن سياق الأشغال العامة.
وطرح خيار الإعفاء على المشاريع التي تم تنفيذها حتى نهاية العام 2021، فيعود برأي ميرزا إلى أن “كلفة تلك المشاريع قبضت باللولار وليس بالدولار النقدي، ولذلك جاء الإعفاء عليها”. ويتقاطع ذلك مع نية السلطة إجراء نوع من قطع حساب مع المتعهّدين عن الأشغال السابقة التي يريد هؤلاء لقاءها مستحقات من الدولة، غير قادرة على دفعها. أما المشاريع المتفق عليها بالدولار النقدي، فلا تخضع أرباحها للإعفاء. وللتذكير، فإن تلك الأشغال لا تتعلّق بعقود التأمين فقط، بل بالأعمال المنصوص عنها في المادة 44 من المرسوم 144.