بغداد فشلت في انتشال قطاع الكهرباء بعد إنفاق 80 مليار دولار

كشف تحقيق برلماني في العراق عن حقائق صادمة بشأن حجم الأموال التي صُرفت على قطاع الكهرباء الحكومي، من دون تحقيق أي تقدم على مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين، ما يسلط الأضواء على الأثر الرهيب لفساد أحزاب الإسلامي السياسي وسعيها المستمر نحو ابتلاع الدولة وجميع ثرواتها.

وكشف التحقيق الذي أعدته لجنة برئاسة نائب رئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، أن الحكومات المتعاقبة بين 2005 و2019 صرفت على قطاع الكهرباء 80 مليار دولار، من دون أن تلامس ولو من بعيد الحاجة الاستهلاكية للبلاد.

وتعرض قطاع الكهرباء الحكومي إلى أضرار بالغة خلال حرب إخراج العراق من الكويت العام 1991، حيث دمر طيران الولايات المتحدة وحلفاؤها محطات التوليد الكبرى وشبكات النقل الرئيسية ومراكز التوزيع الفرعية، مغرقا البلاد في ظلام تام دام لشهور.

لكن نظام الرئيس الراحل صدام حسين تمكن من إعادة التيار الكهربائي إلى أجزاء واسعة من البلاد في وقت قياسي، باستخدام معدات مستعملة، أو أخرى جديدة جرى تعديلها لتناسب الحاجة الملحة.

وبالرغم من أن حصة المحافظات كانت أقل من حصة بغداد خلال الأعوام الأخيرة من عمر النظام، إلا أن الكهرباء كانت موجودة في كل مكان، ولو بشكل متقطع. وحدث الانهيار الأكبر في هذا القطاع بعد العام 2003، إذ جرت سرقة معظم الأموال المخصصة له.

وبينما ازداد عدد السكان وارتفع الطلب على الطاقة، سجلت محطات التوليد وشبكات النقل تراجعا في قدراتها بشكل رهيب، أولا بسبب حاجتها إلى صيانة مستمرة لم تكن متوفرة، وثانيا بسبب الحاجة إلى تخفيف العبء عن الشبكة الوطنية من خلال تعزيزها بمحطات جديدة.

ومن أبرز المفارقات إقدام العراق في عهد نوري المالكي بين 2006 و2014 على بناء محطات لتوليد الطاقة تعمل بالغاز، الذي تفتقر إليه البلاد أساسا، لمجرد أن الشركات المنفذة قدمت عمولات كبيرة. وشكلت سلسلة المحطات الغازية التي أُنشئت في عهد المالكي صداعا ما يزال مستمرا، بسبب الحاجة إلى استيراد الغاز لها.

لكن تحديد المستفيد من هذه المفارقة سيكشف أسرارها، إذ يدفع العراق الملايين من الدولارات سنويا، منذ أعوام، لإيران كي تزوده بالغاز الذي تحتاجه هذه المحطات. وعلى غرار ذلك جرى التعامل مع قطاع الكهرباء، الذي وجدت فيه الأحزاب بقرة حلوبا قادرة على ملء خزائنها بالملايين.

ونسبت وكالة الأنباء العراقية لعضو لجنة النفط والطاقة البرلمانية، أمجد العقابي، قوله إن “استيراد الغاز من إيران يكلف العراق نحو ملياري دولار سنوياً لتشغيل محطات إنتاج الطاقة الكهربائية“.

وأضاف أن ”ثمة سوء إدارة يكمن في مسألة استثمار الغاز في العراق رغم امتلاك العراق للغاز الطبيعي الذي تصل نقاوته إلى 97 في المئة في حقلي عكاز والمنصورية”.

وبالرغم من تعاقب العديد من الوزراء على هذا الملف، إلا أنه بقي عقدة تشغل بال العراقيين وتؤرقهم، لاسيما خلال فصل الصيف الذي تبلغ خلاله درجات الحرارة معدلات قياسية، تناهز الـ50 درجة مئوية.

وعندما تسلم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مهامه، تعهد بأن يكون إصلاح الكهرباء من أولوياته، لكن الوضع لم يختلف كثيرا. وبعد تنسيق مع الحكومة، شكل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لجنة نيابية تخصصية لتحديد الإشكاليات الرئيسية التي تمنع إنهاء ملف الكهرباء.

وقالت اللجنة في تقريرها الأول، الذي انتهت من إعداده منتصف الأسبوع، إن “حجم الإنفاق الفعلي الكلي في وزارة الكهرباء منذ عام 2005 وإلى غاية عام 2019، هو أكثر بقليل من 80 مليار دولار”.

وعلق مراقبون على هذا الإعلان بأن الرقم الخيالي المذكور يمكن أن يبني بلدا كاملا، وليس مجرد قطاع فيه. ويعادل هذا الرقم موازنتي كل من الأردن ولبنان مجتمعتين، لمدة ثلاثة أعوام.

وكشفت لجنة التحقيق عن عدم مطابقة المبالغ المتبقية لعدد من المشاريع المتعاقد عليها من خلال طرح الأموال المصروفة من أصل مجموع مبلغ القروض بفارق مقداره أكثر من 1.1 مليار دولار، ما يعني أن هذه الأموال سُرقت مباشرة.

ووجدت اللجنة اختلافا بين التخصيصات السنوية لوزارة الكهرباء والمصروفات الفعلية المثبتة في سجلاتها مقارنة مع التخصيصات السنوية والمصاريف المثبتة في وزارة التخطيط بفارق مقداره نحو 6 مليارات دولار. ولم تكتف الأطراف المعنية بهذا القطاع بالسرقة المباشرة أو عبر المشاريع الوهمية، بل امتد ضررها إلى درجة إغراق العراق في ديون حتى العام 2048.

وقالت اللجنة إن “وزارة الكهرباء لجأت في تنفيذ بعض مشاريعها إلى القروض الخارجية من البنك الدولي، جايكا الياباني، السويدي، الألماني، وسيمنز، والتي تراوحت فترة سدادها بين 2017 و2048 حيث أن ذلك يشكل عبئا كبيرا على الخزينة العامة في السنوات القادمة، فضلا عن الفوائد المترتبة على تلك القروض”.

وأوصت اللجنة بـ”العمل على استكمال المشاريع المتوقفة والمتلكئة والتي لم تعمل بطاقتها التصميمية قبل وبعد عام 2003، والتي في حال إنجازها بالإمكان الحصول على طاقة لا تقل عن 14.000 ميغاوات”، مشيرة إلى أن “تلك المشاريع بحاجة إلى مبالغ مالية محدودة مقارنة بالمبالغ العالية التي يتطلبها إبرام عقود جديدة، فضلاً عن الاختصار في الوقت والجهد”.