بـ”علامة رضى”: باخرة فيول تأتي وتذهب بلا مقابل؟

قرَّرَ وزير الطاقة وليد فيّاض صرف باخرة تحمل شحنة الفيول، التي كان قد تعاقد لأجلها مع شركة كورال إينيرجي Coral Energy DMCC كجزء من مجموع شحنات الفيول التي أجاز مجلس الوزراء استيرادها لتأمين الفيول لمعامل الكهرباء، ضمن خطة الطوارىء.

علقت الشحنة الأخيرة في البحر بسبب عدم تأمين مصرف لبنان 29 مليون دولار لدفعها للشركة، رغم موافقة وزارة المالية على فتح الاعتمادات المطلوبة لشرائها. لكن تبيَّن لاحقاً أن اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة خطة الكهرباء، لم تعطِ موافقتها “الواضحة والصريحة” على استيرادها. ومع ذلك أحضَرَها فيّاض ثمّ أعادها بلا غرامات، كما يقول (راجع المدن).

خطأ شخصي غير مقصود

وفق قانون المحاسبة العمومية لا يصحّ عقد نفقة لا تتأمّن إيرداتها. وكلفة شحنة الفيول هذه هي نفقة تمّ عقدها قبل تأمين الإيرادات من مصرف لبنان، وقبل موافقة اللجنة الوزارية عليها. مع أن فيّاض أرسل كتاباً إلى اللجنة يسألها الموافقة على تمويل كلفة الشحنة المقصودة، وتأخَّرَ الرد لنحو 10 أيام، على ما يقوله فيّاض.

ولأن الشحنات السابقة جرى الموافقة على تأمين اعتماداتها، وأمّنها مصرف لبنان، اعتبر فيّاض أن “السكوت علامة الرضى”، فأبلَغَ الشركة بتوريد الفيول. لكن التفريغ لم يحصل لأن الاعتمادات الدولارية لم تخرج من مصرف لبنان.
رَسَت الباخرة قبالة الشاطىء بانتظار حلّ مشكلة التمويل. أكثر من لقاء عقدته اللجنة الوزارية، وخلصت إلى أن وزير الطاقة أوضح أمام اللجنة في اجتماعها يوم الاثنين 28 آب، أن الاتيان بالشحنة قبل الحصول على موافقة اللجنة هو “من قبيل الخطأ غير المقصود”. أما اللجنة، فكانت تتريّث في إعطاء موافقتها بهدف التأكّد “من حُسن تنفيذ خطة الكهرباء. ومن توافر الاعتمادات المطلوبة”.

وتجاوُز قرار اللجنة، رَفَعَ الملف إلى مجلس الوزراء. فاللجنة قرّرت عرض الموضوع على المجلس في أوّل جلسة له للبت بنتائج ما حصل. وبما أن اللجنة وضعت قرار التصرُّف بيد الوزير وتحمُّل مسؤولية نتائجه، قرَّرَ فيَّاض “التواصل مع شركة كورال وإلغاء طلب الشحنة بدون ترتيب أي غرامات على الدولة اللبنانية”، وفق ما أكّده فيَّاض في مؤتمر صحافي عقده اليوم لتوضيح مصير الشحنة.

وأبدى الوزير استعداده لـ”تحمّل مسؤولية أي خطأ”. متسائلاً عمّا إذا كان تسريع استيراد الفيول لزيادة ساعات التغذية هو الخطأ، أم العتمة التي يمكن أن تسود بدءاً من الخريف المقبل، هو الخطأ؟.

الخطأ نفسه يتكرَّر

الخطأ نفسه تكرَّر مع شحنة شركة كورال، فانطلاق عملية استيراد الفيول والغاز أويل، مع نهاية العام الماضي، بدأ بالخطأ عينه، والوزير استعجلَ طلب الشحنات وعقدَ مناقصة ربحتها شركة فيتول بحرين Vitol Bahrain E.C قبل تأمين الدولارات، وأتت أربع بواخر وانتظرت أمام الشاطىء وسجّلأت عدادات انتظارها غرامات تأخير بمعدّل 18 ألف دولار عن كل يوم، حتى فاقت قيمة الغرامات 300 مليون دولار، قال فيَّاض لـ”المدن”، أنه تواصل مع شركتيّ فيتول وكورال لتقليص قيمة الغرامات، وتمّ تخفيض المبلغ إلى نحو 1.7 مليون دولار. (راجع المدن).

هذه العملية لم تقنع مصادر قانونية متابعة لملف الفيول. فالقضية “باتت أسهل من بيع البطاطا. ونسبة تخفيض الغرامات لا يمكن إيجادها في سوق الخضار”. وتؤكّد المصادر في حديث لـ”المدن”، عدم اقتناعها بما يقوله الوزير وتطالبه بتقديم “أدلة عن مراسلاته مع الشركتين. فمن غير المنطقي أن تتنازل شركة عن حقّها بمبالغ مالية كبيرة، بلا مقابل”.

لا تحمِّل المصادر كامل المسؤولية لفيَّاض، بل تحيل بعضها إلى اللجنة الوزارية، لتصبح المسؤولية مشتركة بالتكافل والتضامن “فعندما يتّفق الطرفان، يُضرَب المواطن عبر خسارة المال العام، وعندما يختلفان بالسياسة، يُضرَب بالعتمة”. وتشير المصادر إلى أن “لا شيء قانونياً اسمه “اللجنة الوزارية”، وإذا كان فيَّاض يريد تنفيذ الخطة بشكل قانوني، فعليه الاحتكام إلى القانون والالتزام به، ولذلك، كان عليه تأمين الإيرادات لشراء الفيول قبل طلب الشحنة، وهو ما لم يحصل. وعليه، لا يمكن لفيَّاض واللجنة الوزارية إلهاء الناس بمشكلة مفتعلة”.

لشركة كورال صاحبة الشحنة الأخيرة نحو 160 مليون دولار غرامات تأخير تخلَّت عنها “كرم أخلاق” وهي تنتظر سجالاً سياسياً بين وزارة الطاقة ولجنة وزارية لا أساس قانونياً ودستورياً لها، وإنما لقراراتها مفاعيل على الأرض.
أمام ما يحصل، لرئيس هيئة الشراء العام جان العلية كلمته. إذ دعا في حديث لـ”المدن” إلى عدم إغفال حقيقة وجود مخالفة مرتكَبة، وهي “توقيع عقد بدون توفّر الاعتمادات المالية له وبدون عرضه على تأشير مراقب عقد النفقات وديوان المحاسبة”. ومن جهة ثانية طرح العلية سؤالاً حول “كيف حصل الإعفاء من الغرامات وعلى أي أساس، وما هو مصير الغرامات السابقة؟”.

إذاً، هي مؤسسات دولة تُدار بالرسائل المشفّرة وبالأمثال الشعبية وبالمَوْنة، لا بالقانون والدستور. والغريب أن ترتيب الأخطاء والعفو عنها، يحصل بالآلية نفسها، ولا أحد يتحمّل المسؤولية. إلاّ إن قرَّرَ مجلس الوزراء قلبَ المعادلة والخروج برأي مغاير.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةوزارة المالية رفعت مشروع قانون موازنة 2024 إلى مجلس الوزراء ليصار إلى مناقشته
المقالة القادمةتحدٍّ جديد أمام منصوري: الادعاء على رياض سلامة