بلديات لبنان تصرخ بأعلى صوتها… من ظلم نواب الأمة

تعلو «صرخات» رؤساء البلديات بعدما أقرّ مجلس النواب المادة 38 من موازنة 2024 كما جاءت من الحكومة، والمتعلقة برفع الرسوم البلدية بين 10 و20 ضعفاً للرسوم الحالية. ويتدارس عدد منهم امكانية الاعتراض عليها بالقانون (كما قال أحد رؤساء البلديات لـ»نداء الوطن») لأن الرسوم المتأتية منها لا تسمن ولا تغني ميزانيات البلديات من جوع، في حين أن رؤساء بلديات آخرين أوضحوا لـ»نداء الوطن» أن «بامكانهم التوفيق بين تطبيق القانون (الزيادة هي 10 أضعاف)، وتغطية مصاريفهم من خلال هذه الرسوم لأن البلديات تحدد القيمة التأجيرية للشقق السكنية وغير السكنية وفقاً للايجار الرائج، وليس هناك أي شقة سكنية في بيروت وضواحيها أقل من 300 دولار، ما يعني أن الرسوم البلدية ستكون معقولة بالنسبة للبلديات. النص القانوني لهذه المادة جاء كالتالي: «تلغى المادة 2 من القانون رقم 336 تاريخ 24/5/1994، وتعاد صياغة المادة 10 من القانون رقم 60/1988 وتعديلاته (قانون الرسوم والبلديات) لتصبح على الشكل التالي: خلافا لأي نص آخر، تضاعف القيمة التأجيرية المحددة عن العام 2022، التي يفرض على أساسها الرسم، الا ما كان مخمناً منها على أساس تقدير جديد خلال العام 2022. وذلك وفقا لما يلي :

– بالنسبة للوحدات السكنية 10 مرات.

– الكائنة في الطابق سفلي لا يمكن الوصول اليه الا من خلال درج 10 مرات.

– الكائنة في الطابق الارضي 20 مرة .

– الكائنة في طابق علوي 15 مرة.

المشكلة بالليرة اللبنانية وليس بالدولار

محاولات بعض البلديات لايجاد مخرج قانوني لزيادة ايراداتها ممكن في البلدات والمدن الكبرى (بعد اقرار المادة)، لكنه غير مجدٍ بالنسبة لبلدات الاطراف. مع الاشارة الى أن العديد من البلديات زادت رسومها البلدية للعام 2023 الى 60 ضعفاً، لكي تتمكن من القيام بواجباتها. فبعد الانهيار تعدّلت عقود الإيجار تدريجياً من الليرة إلى الدولار، وبدأت البلديات استيفاء رسومها على هذا الأساس. ولم تكن هناك مشكلة مع العقود بالدولار بل بالليرة اللبنانية، ولذلك عمد العديد من البلديات في العام الماضي الى إعادة تخمين العقارات على أساس سعر دولار السوق الموازية. وحدّدت القيم التأجيرية الجديدة للوحدات، وعلى أساسها احتسبت رسومها وفق القانون.

ستدمر البلديات!!

«هذه الزيادة تدمر البلديات» بحسب رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة، الذي قال لـ»نداء الوطن»:»نحن منطقة ساحلية ومدينة تصنف منطقة صناعية وتجارية، وزيادة الرسوم بين 10 و20 ضعفاً لا يفي بالغرض، والسؤال لماذا كل المؤسسات الرسمية تتقاضى الرسوم وفقاً لسعر صيرفة ونحن لا؟ المطلوب هو ان تضاعف الرسوم بين 45 و60 ضعفاً لكي تتمكن البلديات من القيام بواجباتها»، مشدداً على أن «كل الرسوم والاسعار باتت على الدولار الاميركي، وايرادات البلدية للعام 2022 بلغت 15 مليار ليرة، بينما مصاريفها هي70 ملياراً، وهذا يعني أننا نتجه الى الافلاس حتماً». وسأل:»ماذا عن بلديات الاطراف ماذا سيحل بها؟ حكما ذاهبون جميعا للافلاس، اعتقد أن هناك تصعيداً ستقوم به كافة البلديات اعتراضاً على هذه المادة وسنطعن بها اذا استطعنا ذلك»، موضحاً أن» بلدية الدكوانة زادت الرسوم في العام الماضي 60 بالمئة بعد أن تم احتساب الدولار وفقا لسعر صيرفة. وهناك دراسة من ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة صدرت في العام 2023، جزمت بأنه يحق للبلديات زيادة الرسوم بناء على حاجاتها لكي تتمكن من تأمين معاشات موظفيها وبعض الانماء والصيانة».

شورى الدولة

يخبر شختورة أيضا أن «بلديات عديدة زادت رسومها في 2021 و2022 وتم تقديم اعتراض عليها امام مجلس شورى الدولة، ولكن المجلس تغاضى عن اصدار جواب على هذا الاعتراض، بهدف السماح للبلديات (ولو ضمنياً) بتأمين احتياجاتها للاستمرار»، مؤكدا أنه «تمت لديهم الاستعانة باختصاصيين وبقضاة متقاعدين من ديوان المحاسبة لدرس الزيادة المطلوبة لتأمين استمراريتنا، وكانت النتيجة انه يجب زيادة 60 ضعفاً وهذا ما قمنا به في العام 2023 وحققنا جباية 63 بالمئة من الشركات والمصانع، ولم نواجه مشاكل كبيرة مع المكلفين وتمت الامور على ما يرام». ويختم:»نحن سنلتزم بالقانون، لكننا نبحث في الطعن بهذه المادة».

الزيادة لا تغطي ثمن المعاملات الإدارية

يؤكد رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ»نداء الوطن» أن «زيادة 10 أضعاف لا تعطي نتيجة للبلديات، والقيمة التأجيرية تتراوح بين 35 و100 الف ليرة في بلدته، أو 75 ألفاً كحل وسطي، وزيادة الرسوم 10 أضعاف (اذا استطعنا الجباية) يعني أن هذه الاموال لن تؤمن تكاليف العمل الإداري في البلدية».

يضيف: «كل مصاريفنا التشغيلية (بنزين ومازوت وصيانة معدات) بالدولار الكاش، بالاضافة الى أن كل لوازم البلدية نشتريها بالدولار وزادت اسعارها أضعافاً ومنها رواتب الموظفين والمساعدات الطبية والمدرسية التي تقدم لهم، وكل هذه المصاريف هي على عاتق البلدية»، مشدداً على أنه «حين تتحسن واردات البلدية ستتمكن من القيام بواجباتها وتساهم في تحسين المالية العامة ككل (مراقبة الامن وسلامة الغذاء والجباية ومنع التهريب وتنظيم عمل اليد العاملة الاجنبية وحماية الاقتصاد اللبناني من المزاحمة الاجنبية وترسيخ حكم القانون و زيادة النشاطات السياحية والتجارية وجذب السياح)، وهذا ما يحفز المواطن اللبناني على الالتزام ودفع الضرائب».

يضيف: «كل هذه التفاصيل والضرورات لا يمكن أن تتحقق من خلال زيادة الرسوم 10 أضعاف. واخطأت الحكومة ومجلس النواب في هذه الزيادة . وكان من الاجدى زيادة 20 ضعفاً للأبنية السكنية وبين 30 و 40 لغير السكن لتأمين التوازن ومنع العجز في ميزانياتها».

ويختم: «هناك بلديات زادت وبغض نظر من السلطات الرقابية، لكي تتمكن من تسيير أمورها، وبعد اقرار هذه الزيادة لن نتشجع على تحفيز المكلفين على دفع الرسوم لأنها لا تغطي تكاليف الاجراءات الادارية (ثمن الورق)».

كل البلديات ستعترض

من جهته يؤكد رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد ضرغام لـ»نداء الوطن» هذه الزيادات غير كافية ولن تؤمن رواتب الموظفين، والمادة 38 من الموازنة لا تسمح للبلديات بلعب دورها، خصوصا ان الدولة اللبنانية تحملها كافة المسؤوليات (رقابة وحفظ أمن) من دون اعطائها حقوقها. فهذا يعني أن مشكلة كبيرة ستقع، مذكراً بأن «جباية الرسوم للخدمات الاخرى (هاتف وكهرباء والضريبة على القيمة المضافة) كلها تضاعفت، بالاضافة الى أن الدولة تقر زيادة رواتب موظفي المؤسسات العامة ومنهم موظفيو البلديات، فكيف يمكن للبلديات أن تؤمن هذه الرواتب وبالمليارات؟». ويختم: «أعتقد أن الاعتراض سيكون من كل البلديات».

النواب منقسمون أيضاً

قبل اقرار الموازنة أطلقت الصرخة على هذه الزيادات ليس من قبل رؤساء البلديات فقط، بل أيضا بين النواب الذين اختلفوا حولها أثناء مناقشة موازنة 2024 بين مؤيد للزيادات ومعارض، فكانت النتيجة أن تمّ اقرارها بالصيغة التي وضعتها الحكومة. يشرح عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله لـ»نداء الوطن» أنه «تمّ اقرار هذه المادة وفق المشروع الذي أتى من الحكومة، ونصف النواب اعتبروا أن هذه الزيادة (10 أضعاف) كبيرة. وخلال نقاشها لم يتم الاتفاق عليها حينها طلب الرئيس بري من كل الكتل أن تختار نائباً لمناقشة الموضوع بغرفة جانبية، وتبين أن هناك تباعداً في وجهات النظر بين نواب المدن والقرى، فهناك من طلب الزيادة 50 ضعفاً ومنهم من اعتبر الزيادة 10 أضعاف كبيرة وأرادوا تقليصها الى 5 أو 6 أضعاف، (نواب بيروت مثلا أعتبروا الزيادة 10 أضعاف كبيرة جداً)، وبسبب هذا الخلاف ارتأى الرئيس بري أن تبقى هذه المادة كما جاءت من الحكومة».

يضيف: «هذه الزيادة غير كافية ولا أعرف كيف سيحل هذا الموضوع لأن تركه في عهدة البلديات مشكلة. وأعتقد أن الحد الادنى المقبول هو أن تكون الزيادة 10 أضعاف، على أمل أن تكون الامور في موازنة العام المقبل قد توضحت أكثر، وتم أخذ رأي وزارة الداخلية واستقر سعر صرف الدولار لكي يحصل اتفاق».

 

المادة السابقةشبهات فساد وتنفيع في عقد “إنكربت”… تجاوزات و”تظبيطات” مالية وإدارية تُثير الشكوك
المقالة القادمةأبو شقرا: مادّة البنزين متوافرة وسنُواصل توزيعها على المحطّات