“بلطجة” بلدية بيروت: اطردوا العمال السوريين!

 

بلا إنذار وبشكل فجائي، «غزا» حرس بلديّة بيروت وموظّفوها المحال في العاصمة بحثاً عن عمال أجانب بلا إجازات عمل أو بطاقات صحيّة. كان المشهد أشبه بالمطاردة و«البلطجة». إخراج العمال السوريّين من المؤسسات التي يعملون فيها في بيروت مذلّ. والأكثر إذلالاً العبثيّة في تنفيذ إجراءات لا سند لها ولا توضيح شافياً بشأنها. وزارة العمل، المعنية بهذه الإجراءات، ترفض مصادرة صلاحياتها

«يلزمنا موظّف لبناني»… لافتة كُتبت على عجل، بخط اليدّ، على مدخل موقف للسيارات في الحمرا في بيروت. «مطلوب معلّمي شاورما، مشاوي، عصير… لحّام، عمّال تنظيفات من الجنسيّة اللبنانيّة» إعلان انتشر لمطعم لبناني شهير. هذه عيّنة من الإعلانات التي وزّعت بكثافة في الفترة الأخيرة على واجهات المحال وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهي ترتبط بخطة وزارة العمل لمكافحة العمالة الأجنبيّة التي منحت أصحاب العمل مدّة شهر منذ إطلاقها، تنتهي في 9 تموز المقبل، لتسوية أوضاعهم والاستحصال على إجازات عمل للعمال الأجانب لديهم وتسجيلهم في الضمان الاجتماعي ومؤسسات التأمين.

لكن على الأرض، اختلط الحابل بالنابل. استبق حرس بلديّة بيروت انتهاء «فترة السماح» التي منحتها الوزارة. نزلوا، فجأة، ومعهم مدنيّون من البلديّة، في جولة على مطاعم وأفران ومقاه في العاصمة سائلين العمال الأجانب – ومعظمهم سوريون – عن إجازات عملهم وبطاقاتهم الصحيّة، وفرضوا على بعض أصحاب العمل المخالفين الإقفال الفوري. الحملة طاردت العمّال المخالفين، وهم أكثريّة، كون العامل السوري يعمل بموجب إقامته الممنوحة من الأمن العام، وليس بإجازة عمل كما تطلب خطة وزارة العمل التي لم تبدأ تنفيذ حملات تفتيشها بعد.

حرس البلديّة طلبوا من «المخالفين» زيارة البلديّة للتوقيع على تعهّد بعدم العمل بلا إجازات عمل. التعهّد الذي تحدّث العمّال وأصحاب المؤسسات عنه، «غير مفهوم وبلا رقم» ولم يوقّعه العديد منهم. محافظ بيروت القاضي زياد شبيب اعتبره «غير ذي قيمة قانونيّة، ولم أطّلع عليه… غداً أتأكد بشأنه». لكن ماذا عن الحملة وكيف يبرّر «القرار» أو التوجيه المنسوب إليه؟ يردّ المحافظ على السؤال بسؤال آخر: «أي قرار؟»… ويضيف: «عمال المطاعم ممنوع تشغيلهم من دون بطاقات صحيّة، وهذه لا يمكن منحها بلا إجازة عمل. الموضوع له أبعاد عدة أهمّها البعد الصحّي». يتابع: «أما العمالة الأجنبية فهناك قانون نافذ. كل مخالفة ملزمون بمنعها. والتشدّد له علاقة بالعمال في المؤسسات التي تقدّم الأطعمة. المسألة خطيرة. نحن لم ندخل إلى المصانع ومحال الألبسة مثلاً». أما في ما يخصّ إلزام المحال بالإقفال عند الواحدة منتصف الليل، فيجيب: «ثمة نظام صادر عن وزارة السياحة يحدّد أوقات الإقفال وعلينا تطبيقه. وهو يتعلّق بالإزعاج وإقلاق الراحة، وزارة السياحة ترغب بتعديله… نحن مستعدّون للتعاون لإنجاح الموسم السياحي على قاعدة التوازن مع حق السكان بالعيش في منازلهم».

أصحاب المؤسسات في بيروت يستغربون تحرّك البلديّة من جهة، ويرتبكون في تنفيذ ما تطلبه وزارة العمل من جهة ثانية. صاحب أحد الأفران التي طالتها «غزوة الحرس»، طُلب منه الإقفال الفوري عند الثامنة صباح أول من أمس «لأن الفرّان سوري بلا إجازة عمل… غير أنّهم منحونا إذناً بمعاودة العمل أمس». المطلوب مبهم «لم نفهم ما هو قرار المحافظ. كما لم نفهم جدوى التوقيع على تعهّد بعدم تشغيل سوريين بلا إجازة عمل، والتعهّد بلا رقم! يمكن تجليطة».

صاحب سلسلة مطاعم في العاصمة، يختصر المشهد: «طردوا العمال السوريين الذين لا يملكون إجازات عمل، من دون إنذار مسبق، وطالبونا بزيارة البلدية لتوقيع تعهّد بعدم توظيفهم بلا إجازات. القرار مفاجئ كما أنهم طالبونا بالإقفال عند الواحدة بعد منتصف الليل في عزّ الموسم السياحي». يضيف: «عمل السوريين معنا تاريخي، ولم يكن مطلوباً منهم إجازات عمل (إكتفاء بإقامة من الأمن العام)، الفترة قصيرة لتسوية أوضاعنا، خصوصاً إذا كانوا لن يعطوا العامل السوري سوى إجازة عمل في التنظيفات والعتالة والزراعة وورش البناء… منذ سنوات يعمل لدينا سوريّون في صالات المطاعم وعلى الأراكيل وفي المطابخ… لماذا يسمح لغير السوري بالعمل كشيف مطبخ أجنبي، ولا يحقّ للسوري أن يكون شيف مطبخ حلبي مثلاً؟». ثمة مشكلة مع العمال اللبنانيين «من حيث نوعية الأعمال التي نطلبها والدوامات الطويلة والعمل في العطل… يتحدّثون عن الآلاف من العمال الذين إذا أخرجناهم من أعمالهم، لن يكونوا قادرين على العودة إلى بلدهم لأنهم مطلوبون للتجنيد الإجباري. فإلى أي فراغ وفوضى ندفعهم؟». التجربة في طلب توظيف لبنانيين «لم تفلح! جاءني شاب لبناني للعمل في لفّ السندويشات بمعاش 900 دولار ودوام 9 ساعات، لم يقبل، طالبني بألف دولار لثماني ساعات… مش رح توفّي معي إذا قرّرت استبدال نحو 50 عاملاً سورياً بعمال لبنانيين». ويسأل: «هل يحق للبلدية السؤال عن إجازة العمل؟ في الحقيقة بدأنا بتهريب الشباب السوريين لأن قرار البلدية مفاجئ… كيف أتخلّى عنهم وصرلي 10 سنين بشتغل معهم؟ إذا كان مطلوباً إجازات عمل فليمنحوها لكل الأعمال».

أصل المشكلة مرتبط بأن الأعمال المعروضة لا تلبّي نوعية الطلب اللبناني على العمل، خصوصاً أن ظاهرة البطالة في لبنان التي يقدّرها البنك الدولي بنحو 20% من مجموع القوى العاملة، هي أعلى بكثير لدى الفئات الشابّة وذات المستويات التعليميّة المرتفعة. تطبيق خطة وزارة العمل، وما «يفرّخ» على هامشها من قرارات للمحافظين ورؤساء البلديات، يفرض على أصحاب العمل بطريقة أو أخرى تسوية أوضاع العمّال الأجانب (كما اللبنانيين) لديهم، لكنه في الوقت عينه يدفعهم بطريقة غير مباشرة إلى استبدال اليد العاملة الأجنبية – وخصوصاً السوريّة – بيد عاملة لبنانية. الامر يعني مسألتين، إما قبول اللبنانيين بظروف عمل صعبة يقبل بها العمال السوريون وبساعات عمل طويلة وأعمال لا تتطلّب بالتحصيل العلمي، أو ارتفاع الكلفة على العمال اللبنانيين بتفكيك الحماية القانونية التي يمنحهم إياها قانونا العمل والضمان الاجتماعي. هذا كلّه يقابله شرط إضافي وهو تنازل المؤسسات وقبولها برفع كلفة اليد العاملة لديها على حساب أرباحها، وهو ما يرفضه أصحاب المؤسسات وقد يدفع بعضهم إلى الإقفال. فالمشكل البنيوي في عرض الوظائف والطلب عليها، وفي بطالة المتعلّمين، سيدفع نحو إحلال العمالة اللبنانية مكان العمالة السورية بوظائف ذات قيمة متدنيّة.

غير أن المطلوب هو خلق وظائف بقيمة مرتفعة لناحية الأجور والأرباح ونوعيّة العمل. الحملات الأخيرة والخطابات السياسيّة المرافقة لها لا يمكن وضعها إلاّ في إطار «مسايرة المزاج الشعبوي»، و«الاستقواء» على الفئات الأضعف.

«تدبير» محافظ بيروت زياد شبيب، ليس إلاّ «بروفا» لما يمكن للمحافظين ورؤساء البلديات تقديمه لمؤازرة وزارة العمل كما تطلب في خطّتها. لكن استعادة زمام الأمور، قد يكون عبر «دعوة المحافظين إلى اجتماع لدرس الخطوات لما بعد 9 تموز (تاريخ انتهاء مهلة تسوية الأوضاع التي حدّدتها وزارة العمل)، لتفويض البلديات وشرطة البلدية بمهام محدّدة» كما يعلن مدير عام وزارة العمل جورج أيدا في اتصال مع «الأخبار». أما إقفال المؤسسات فـ«ليس لعبة، وسيبقى بيد الوزارة». في الوضع الاقتصادي الحالي، يعلن أيدا أن «الهدف ليس إقفال المؤسسات بل تسوية أوضاع العمال، ولا يمكن قمع المخالفات بشكل فوري. الوزارة جمّدت التفتيش إلى حين انقضاء المهلة الممنوحة». وعن اتهام أصحاب المؤسسات للوزارة بأنها لا تعطي إجازات عمل للسوريّين سوى ضمن تصنيفات التنظيفات وورش البناء والعتالة والزراعة، يؤكد أيدا أن ذلك «غير دقيق، نحن نقبل كل الطلبات وحيث يمكن توظيف أجانب نوافق على تسوية الأوضاع، حتى أننا نوافق على إجازة أجنبي صاحب عمل شريك، فالهدف ليس العرقلة». ماذا عن الورقة المطلوبة من السفارة السوريّة لإرفاقها ضمن ملف العامل السوري للحصول على إجازة عمل؟ يجيب «تمّ الاستغناء عنها، ولم تعد ملزمة». القرار 29/1 المتعلّق بالوظائف المحصورة باللبنانيين «ساري المفعول لكن لوزير العمل (كميل أبو سليمان) حق الاستنساب». كيف تنوي الوزارة حلّ مسألة العرض والطلب على الوظائف التي يعاني أصحاب العمل من إيجاد لبنانيين فيها، يردّ أيدا «أصحاب الفنادق عرضوا على موقع إلكتروني مستحدث ألف وظيفة جديدة، ارتفع عدد طالبي العمل من اللبنانيين إلى 22 ألفاً، بينهم 8 آلاف أعلنوا قبولهم بالحدّ الأدنى للأجور. لذا على أصحاب العمل الاطلاع على موقع الوزارة للبحث عن لبنانيين. في النهاية مطلوب من أصحاب العمل اللبنانيين تشغيل نسبة معقولة من الأجانب، قد تتدنى تباعاً، شرط ألاّ تتعارض وظائفهم مع وظائف يقوم بها اللبنانيون. حينها لن تتم الموافقة على إجازات عملهم».

بواسطةايلده الغصين
مصدرالاخبار
المادة السابقة
المقالة القادمة75 في المئة من الأطفال السوريين في البقاع يعملون في الزراعة