سقط سعر صرف العملة اللبنانية من 1500 ليرة إلى نحو 140 ألف ليرة، قبل أن يستقر مقابل الدولار على نحو 89500 ليرة. وخلال مسيرة الانحدار التي تسارعت منذ أواخر العام 2019، كان أداء الليرة يتراجع بحسب المؤشّرات العالمية مقارنة بأداء عملات أخرى، حتى في بلدان تواجه أزمات اقتصادية.
والحال، أن تصنيف أداء العملات يؤثّر في نظرة المستثمرين للاقتصاد. وبالتالي، من شأن تراجع أداء العملة أن يخفِّض ثقة المستثمرين، سيّما وأن الأداء يعكس جملة من المؤشّرات التي تتّصل بالنشاط الاقتصادي بشكل عام.
ولذلك، فقد يكون وضع وكالة بلومبرغ الليرة اللبنانية في قائمة “الأسوأ أداءً”، انعكاسات غير مرغوب بها. لكن في الوقت نفسه، هناك مَن يقلِّل من تأثيرات التصنيف لأنه لا يراعي المتغيّرات التي شهدها لبنان وبقاء سعر صرف الليرة مستقراً وسطها.
تصنيف الليرة خلال عام
أبقت وكالة بلومبرغ الليرة اللبنانية في مصاف العملات الأسوأ أداءً بين العامين 2023 و2024، لكنّها غيَّرَت نسبة الانخفاض. فصنّفت الوكالة الليرة في المرتبة السلبية الأولى بمعدّل تراجع يزيد عن 83 بالمئة منذ بداية العام الجاري، علماً أنها صنّفتها في المرتبة عينها خلال العام الماضي بنسبة تراجع 89.9 بالمئة أمام الدولار.
ومع بداية العام، حلّت النيرة النيجيرية Nigerian naira في المرتبة الثانية بتراجع نحو 42 بالمئة، وثالثاً حلّ الجنيه المصري بتراجع 38.3 بالمئة. وحلّ البيزو التشيلي في المرتبة الرابعة مسجّلاً تراجعاً بنسبة 10.2 بالمئة، وأتت الليرة التركية في المركز الخامس 7 بالمئة.
علماً أنه في العام الماضي، كانت الليرة اللبنانية في المرتبة الأولى كأسوأ أداء، واحتلّ البيزو الأرجنتيني المرتبة الثانية بانخفاض 78.1 بالمئة، وأتت النيرة النيجيرية في المرتبة الثالثة بتراجع 49.5 بالمئة، وحلت الكوانزا الأنغولية رابعاً بانخفاض نسبته 39.1 بالمئة، ثم الكواشا الملاوية بتراجع 39 بالمئة.
استقرار رغم المؤشرات السلبية
قلبت الليرة صفحتها كإحدى أقوى العملات في العالم، بعد أن كانت ضمن أقوى 10 عملات عالمياً بين العامين 1960 و1970، إذ كان سعر الدولار نحو 3 ليرات فقط. ومع أن أداء الليرة تراجعَ خلال فترة الحرب الأهلية بين العامين 1975 و1990 وصولاً إلى تسجيل الدولار نحو 3000 ليرة أواخر الثمانينيات، إلاّ أن الليرة استقرّت على سعر 1500 ليرة منذ العام 1997 حتى العام 2019، بغطاء نقدي من مصرف لبنان عبر ضخ الدولارات في السوق.
هذا التقلّب يعني تغيُّر متانة الليرة مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وفي مقدّمتها الدولار. ويعكس الأداء حجم الطلب على الليرة، وبالتالي، كلّما تراجع الأداء، انخفض حجم الطلب عليها وفقدت المزيد من قيمتها.
وفي أي بلد، يلعب تصنيف أداء العملة دوراً في تحليل النشاط الاقتصادي، الذي بدوره هو الآخر ينعكس على أداء العملة، فكلّما زاد النشاط الاقتصادي زاد معدّل النموّ وارتفع سعر صرف العملة، والعكس صحيح. وانطلاقاً من ذلك، فإن الاستقرار الذي شهده سعر صرف الليرة منذ نحو عام، يرسم شكوكاً حول كيفية تصنيف بلومبرغ لأداء الليرة خلال هذه الفترة، وهو الرأي الذي يحمله رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل، إذ يشير في حديث لـ”المدن”، إلى أنه “من غير المفهوم على ماذا اعتمدت بلومبرغ لوضع هذا التصنيف، خصوصاً وأن الليرة استعادت الكثير من قيمتها منذ آذار 2023 حين تراجعت إلى نحو 140 ألف ليرة، وبعد ذلك، ارتفع سعر الليرة حتى استقرّ منذ تموز 2023 حتى الآن على سعر 89500 ليرة”.
ويرى غبريل أن بلومبرغ تقوم بعمليات حسابية تستند على مقارنة سعر الليرة مقابل الدولار، بأسعار العملات الأخرى مقابل الدولار، وتستخلص نسبة مئوية على هذا الأساس، لكن الليرة حالياً “مستقرة رغم عدم وجود رئيس للجمهورية، والحكومة في حالة تصريف الأعمال، والبلاد شهدت أحداثاً أمنية يفترض أن تؤثِّر سلباً على سعر الليرة، ومع ذلك بقيت مستقرة”.
وبنظر غبريل، على بلومبرغ أن ترى “كيف أوقف مصرف لبنان المضاربة على العملة وتحسّنت ودائع القطاع العام في المصرف من نحو 70 ألف مليار ليرة، قبل عام، إلى نحو 400 ألف مليار ليرة، وكيف أن وزارة المالية لم تعد تطلب المال من المصرف المركزي. كما أن الليرة بقيت مستقرة رغم أحداث مخيّم عين الحلوة وحادثة كوع الكحالة، وصولاً إلى تداعيات الحرب في الجنوب والحرب على قطاع غزة”.
الليرة ما زالت مستقرة رغم أن أداءها ليس بأفضل حاله. فهي لا تستطيع كسب ثقة المستثمرين ولا تلبّي حاجة المستهلكين إلى الشراء، وكذلك ليست مقبولة من قِبَل القطاع الخاص الذي يفضّل التداول بالدولار بيعاً وشراءً. ومع ذلك، فإن تأثير التصنيف السلبي على سعر الليرة ليس مباشِراً، بمعنى أن وجود الليرة في قائمة العملات الأسوأ أداءً، لا يعني بالضرورة انخفاضها مجدداً أمام الدولار، فتحرُّك العملة الخضراء يحتاج بشكل أساسي إلى قرار سياسي أو تغيُّراً في قرارات مصرف لبنان حيال تمويل الدولة. وهذان العاملان مستقرّان حتى اللحظة، ما يعني أن سعر صرف الدولار لن يرتفع بالضرورة، إلاّ في حال حصول مفاجآت.