بنوك أفريقيا المركزية تتأهب لإبطاء وتيرة زيادة الفائدة مع بلوغ التضخم ذروته

في أعقاب تشديد السياسة النقدية بشكل حادّ خلال 2022، تتأهب غالبية البنوك المركزية في أفريقيا للإبطاء من وتيرة زيادة أسعار الفائدة في غضون الأسابيع المقبلة، إذ يُعطي التضخم مؤشرات على بلوغه مستوى الذروة أو تراجع حدّته.

ستواصل على الأرجح لجان السياسة النقدية لدى نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا بحذر أكبر عملية رفع تكاليف الاقتراض، في حين من المنتظر أن تتمسك موزمبيق بموقفها بينما تُجري تقييماً للتأثير الناجم عن الارتفاعات السابقة. ربما تستمر أنغولا بموقفها المتناقض مع ذلك، وتقوم بتقليص أسعار الفائدة.

ربما تأخذ عملية إصدار القرارات في حسبانها تأثير إعادة فتح الاقتصاد الصيني على معدلات التضخم. كما ستكون البنوك بحاجة أيضاً إلى دراسة احتمال صعود الدولار الأميركي في حال إقبال المستثمرين على الأصول الأميركية مجدداً بسبب مخاوف وقوع ركود اقتصادي على مستوى العالم وتداعيات حرب روسيا التي طال أمدها على أوكرانيا.

انخفضت العملة الأميركية منذ نوفمبر الماضي بدافع من توقُّعات تخفيف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي زيادات أسعار الفائدة خلال 2023 عقب تراجع حدة صعود التضخم في الولايات المتحدة على أساس سنوي للشهر السادس على التوالي في ديسمبر الماضي. وخفّف ضعف سعر صرف الدولار الضغوط على العملات الأفريقية، مما قلّص تكاليف فواتير الاستيراد وبعض عمليات سداد الديون الدولية.

يُرجح أن يصبح البنك المركزي الأنغولي أول بنك في العالم يقلّص أسعار الفائدة العام الجاري. ومن المنتظر أن يواصل معدل التضخم الهبوط الذي بدأ منذ فبراير، في ظل توقُّعات بصعود سعر صرف عملة كوانزا المحلية لأغلب فترات 2022 للاستمرار بالسيطرة على الأسعار.

أنغولا تُسرع خطة سداد ديونها الخارجية بفضل ارتفاع النفط

أوضح ويلسون شيموكو، وهو خبير اقتصادي لدى جامعة “يونيفيرسديد كاتوليكا دي أنغولا”، أنَّ لجنة السياسة النقدية ستقلّص أسعار الفائدة أيضاً نظراً لأنَّ معدلات تضخم ديسمبر الماضي جاءت أقل كثيراً من المعدل المبدئي المستهدف عند 18% وتوقُّعات مخفضة إلى 16%، في حين ظل سعر صرف العملة مستقراً منذ منتصف نوفمبر الماضي عقب الهبوط أمام الدولار لمدة قصيرة.

عقب زيادة سعر الفائدة الرئيسي 5 نقاط مئوية منذ مايو الماضي؛ من المنتظر أن يحد البنك المركزي النيجيري من وتيرة تشديد السياسة النقدية، التي قد تكون آخر عملية رفع في هذه الدورة بعد انحسار معدلات تضخم ديسمبر الماضي.

أكد عبد العزيز كورانغا، كبير محللي شركة “كوردروس كابيتال” (Cordros Capital)، ومقرها في مدينة لاغوس: “برغم أنَّ بيانات التضخم الصادرة مؤخراً كشفت أنَّ معدل التضخم الأساسي هبط للمرة الأولى منذ يناير 2022، لكنَّه ما زال يفوق بطريقة هائلة الحد الأدنى للنمو المستهدف من قبل البنك المركزي النيجيري عند 12.5%”.

سيُبقي واضعو السياسيات النقدية في موزمبيق على سعر الفائدة الرئيسي، المعروف اختصاراً بـ”ميمو” بحسب اللغة البرتغالية، دون تغيير وذلك للاجتماع الثاني على التوالي. بينما ما يزال معدل التضخم عند خانتين، فقد بدأ المعدل بالتراجع منذ سبتمبر الماضي، وقد يسهم صدور قرار من الحكومة بعدم سداد شيك المكافآت الـ13 للعاملين بالقطاع العام في المزيد من الهبوط بالأسعار، بحسب سيليست بانز، الخبيرة الاقتصادية والمستشارة المستقلة المقيمة بمدينة مابوتو.

أضافت أنَّ الميزانية العمومية للبلاد لسنة 2023 تتبنى سياسة نقدية تيسيرية أيضاً.

في أعقاب شن عملية مبكرة لمكافحة أسوأ أزمة ارتفاع معدلات التضخم حول العالم خلال جيل، على الأرجح سيكبح بنك “الاحتياطي الجنوب أفريقي” من وتيرة زيادة أسعار الفائدة بعد تراجع معدل التضخم الكلي والأساسي في ديسمبر الماضي.

بلغ سعر الفائدة الأساسي 7% وهو أيضاً أعلى من المستوى المقدر لنهاية 2025 من خلال نموذج توقُّعات ربع سنوية للبنك المركزي، الذي تستعمله لجنة السياسة النقدية كدليل استرشادي، مما يعزز عملية تخفيف تشديد السياسية النقدية بدرجة أقل. خفّض خبراء اقتصاد لدى “أيه بي إس أيه غروب” (Absa Group)، بمن فيهم بيتر ورثينغتون، توقُّعاتهم لصعود أسعار الفائدة خلال شهر يناير لتبلغ 25 نقطة أساس بدلاً من 50 نقطة أساس.

أشار “ورثينغتون” إلى أنَّ القرار سيكون “متوازناً للغاية” ولن يكون أمراً مفاجئاً إذا حدث أي انقسام لنتائج التصويت بين أعضاء اللجنة للاجتماع الثامن على التوالي. وتكشف اتفاقات سعر الفائدة الآجل، المستخدمة لعمليات المضاربة في تكاليف الاقتراض، عن أنَّ المضاربين يأخذون في حسبانهم وجود احتمال بنسبة 80% لإقرار زيادة بـ25 نقطة أساس.

ستسفر توقُّعات زيادة معدلات التضخم وتفاقم ضغوط الأسعار، بما فيها ارتفاع تكلفة الكهرباء، غالباً، عن الإبقاء على موقف محافظ البنك المركزي ليسيتجا كغانياغو المتشدد، إذ يعمل على تكريس وجود توقُّعات ببلوغ التضخم منطقة قرب نقطة وسط النطاق المستهدف عند 4.5%.

على الأرجح سيتطابق موقف مملكة إيسواتيني ومملكة ليسوتو اللتين ترتبط عملتاهما المحليتان بعملة الراند الجنوب أفريقي، في ظل زيادة سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي مع نهاية الشهر الجاري.

يعني حدوث طفرة أعلى من المنتظر لمعدل التضخم السنوي خلال الشهرين الأخيرين من 2022، والضعف المتجدد لسعر صرف عملة السيدي الغاني أمام الدولار أنَّ السلطات النقدية في غانا ستزيد سعر الفائدة الأساسي لديها لسابع مرة منذ نوفمبر 2021، لتضاف إلى 13.5 نقطة مئوية من عمليات الارتفاع.

قالت راضية خان، رئيسة قسم الأبحاث المختصة بمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط لدى بنك “ستاندارد تشارترد”: “واصل التضخم في غانا الصعود، ولذلك نتوقَّع زيادة 200 نقطة أساس في يناير الجاري، و200 نقطة أساس أخرى في مارس المقبل ليصل إلى ذروة نسبتها 31%”.

انخفض السيدي الغاني عقب صعود لفترة محدودة أوائل ديسمبر الماضي نتيجة تعليق غانا مدفوعات الفوائد على ديونها الخارجية التي كانت مقررة في 19 ديسمبر الماضي. شكّل هذا الإجراء مفاجأة بالنسبة لحاملي السندات قبيل انطلاق محادثات إعادة هيكلة تهدف لتدشين خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي لمعالجة الماليات العامة غير المستقرة وتدعيم السيدي.

أضافت “خان”: “يتمثل الخطر حالياً في أنَّه إذا احتاجت عملية إعادة هيكلة الديون مدة زمنية أطول حتى تكتمل؛ فستتعرض العملة بصورة واضحة لضغوط، وربما يُجبر بنك غانا المركزي على تشديد السياسة النقدية أكثر”.

من المرجّح أن يكبح صانعو السياسة النقدية في كينيا وتيرة زيادة أسعار الفائدة عقب تراجع وتيرة زيادة الأسعار على مدى شهرين متتاليين. أكد إريك موساو، رئيس وحدة الأبحاث في “ستاندرد إنفستمنت بنك” (Standard Investment Bank) في نيروبي، أنَّه من المنتظر أن يتم رفع سعر الفائدة الأساسي ربع نقطة مئوية للمساعدة في عودة التضخم للمعدل المستهدف ودعم العملة المحلية التي تراجعت قيمتها بحوالي 9% أمام الدولار منذ بداية السنة الماضية.

في ظل تصاعد معدلات التضخم لأعلى مستوى في غضون 5 أعوام حتى قبل الخفض الكبير لقيمة العملة للمرة الثالثة بمصر خلال أقل من عام؛ قد يبدو كأنَّ زيادة أسعار الفائدة مرة أخرى أمر محسوم بالنسبة للدولة العربية.

لكن بحسب فاروق سوسة، وهو خبير اقتصادي لدى بنك “غولدمان ساكس غروب”، لا يعد هذا القرار بسيطاً على هذا النحو، في ظل انحسار أزمة العملات الأجنبية تدريجياً التي استمرت على مدى شهور في مصر، وربما تتيح تدفقات رأس المال المحدودة القادمة من الخارج للبنك المركزي المصري فرصة لالتقاط الأنفاس إلى حد ما، وهو ما يمكنه من التمسك بتشدده حتى يُقيّم آخر جولة لتشديد السياسة النقدية التي شملت رفع سعر الفائدة بمقدار هائل بلغ 300 نقطة أساس في ديسمبر الماضي.

مصدراقتصاد الشرق
المادة السابقةعربيد: لا خيار أمامنا إلا صندوق النقد الدولي
المقالة القادمةالبرازيل والأرجنتين لتقليل الاعتماد على الدولار بـ«عملة موحدة»