بنوك خارج الخدمة

فاجأ تدهورُ سمعة لبنان المالية هيئات الرقابة المصرفية العالمية بعدما كان يُطلق عليه سابقاً لقب سويسرا الشرق بفضل نظامه المصرفيّ الراسخ. فمنذ بداية حراك – ثورة 17 تشرين عام 2019، وللمرة الأولى في تاريخ لبنان، أغلقت 59 مصرفاً متعثراً مالياً أبوابَها في وجه المودعين، وذلك قُـبيل تخلّف الحكومة عن سداد دينها العام.

أدّى هذا التعثر الى ظهور نظام بديل قائم على النقد ذي الروابط المباشرة مع الفريق الحاكم المتمثل بـ»التيار الوطني الحر» وحليفيه «حزب الله» وحركة «أمل». تُـسيطر على هذا النظام الأغلبية الحاكمة الحالية وهي أيضاً معنية عبر المحادثات مع صندوق النقد الدولي بإيجاد حل لأكثر من سبعين مليار دولار أميركي مفقودة من أموال المودعين.

من ناحية أخرى، فشلت الولايات المتحدة الأميركية على مدار الأعوام العشرين الماضية في كبح تدخل «حزب الله» في النظام المصرفي، رغم إغلاق لبنان ثلاثة مصارف بناء على اكتشاف وزارة الخزانة الأميركية أن لها علاقات مع «حزب الله» وحلفائه السوريين وأنشطتهم في غسل الأموال.

اختراق النظام المصرفي

يشكّل «بنك المدينة» و»البنك اللبناني الكندي» و»جمّال ترست بنك»، وهي البنوك التي أغلقت، أمثلة عن محاولة «حزب الله» وحلفائه السوريين على مدى سنوات عدة اختراق النظام المصرفي اللبناني. لكن اللافت، أنه رغم كل الرقابة التي فرضتها الخزانة الأميركية على المصارف اللبنانية عبر السنين، إلا أن «حزب الله» وحلفاءه تمكنوا بحنكة وذكاء من الإلتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليهم وأتمّوا سيطرتهم الكاملة على النظام النقدي في لبنان. فأهلاً بكم في نظام نقديّ ناشئ حيث تُعتبر «جمعية القرض الحسن» المؤسسة المالية الوحيدة التي لا تزال قائمة.

بالعودة إلى النظام البديل، ما لدينا الآن في لبنان هو نظام تحويل نقدي يتحكّم عبره عدد قليل من الأشخاص بجميع التدفّقات النقدية الواردة إلى البلاد، فيتقاضون عمولات كبيرة. للمفارقة إن هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم المكلَفون بإصلاح النظام المصرفي… و»نِعمَة» الإصلاح.

الإستفادة من عدم الإصلاح

فما الذي قد يدفع السلطة الحاكمة التي تجني الأرباح من النظام النقدي القائم الى إصلاحه؟ وما الذي قد يدفع أيضاً حزباً سياسياً – ميليشيوياً ورئيس تيار سياسي حاكم خاضعَين للعقوبات لإصلاح النظام، إذا كان من شأن هذا الإصلاح أن يحرمهما من جني الأموال؟

وفقاً للبنك الدولي، بلغت التحويلات إلى لبنان 7.41 مليارات دولار أميركي في عام 2019. وفي عام 2020، بلغت 6.63 مليارات دولار، ما يشكل نسبة 25.6% من الناتج المحلي الإجمالي. أما في عام 2021، فقد بلغت 6.61 مليارات دولار.

واستناداً إلى تصنيف البنك الدولي، حلّ لبنان في المرتبة الثلاثين بين أكبر متلقّي التحويلات في العالم والمرتبة السادسة عشرة بين الاقتصادات النامية في عام 2021. لقد تلقى لبنان تحويلات أكثر من غانا (4.5 مليارات دولار) وكينيا (3.7 مليارات دولار) وهايتي (3.1 مليارات دولار). كما تلقى تحويلات أقل من السلفادور (7.3 مليارات دولار) وهندوراس (7 مليارات دولار) وسريلانكا (6.7 مليارات دولار) بين الاقتصادات النامية.

يُصنَف لبنان الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والثاني عالمياً (بعد تونغا 43.9%) من حيث مساهمة التحويلات في الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت 34.8% عام 2021، تليه الضفة الغربية وقطاع غزة (16.7% من الناتج المحلي الإجمالي).

إذاً، كيف يرسل اللبنانيون الأموال إلى أقربائهم في الوطن؟

تحويل الأموال والشركات المحلية

ثمة 13 شركة يمكنها تلقّي وإرسال التحويلات في لبنان حالياً وفقاً للمصرف المركزي، وهي بحاجة إلى ترخيص منه كي تستطيع العمل. من بين هذه الشركات، تستطيع 5 شركات فقط تحويل الأموال دخولاً وخروجاً.

إذا كانت هذه الشركات الخمس تتولى الاقتصاد النقدي الجديد «فريش»، فكم هي قيمة ما يتولاه القطاع المصرفي من هذا «الفريش» الآن؟

وفقاً لمصرفيّ بارز، يوجد حوالى 1.3 مليار دولار «فريش» في الحسابات المصرفية نقداً وإن حركة دورانه سريعة. أما بقية الاقتصاد النقدي فتتولّاه بشكل أساسي تلك الشركات الخمس التي يمكنها تحويل الأموال داخل وخارج البلاد.

من حيث الحصص في السوق، يبدو أن «ويسترن يونيون» من خلال وكيليها في لبنان «أو أم تي» و»بوب فينانس» في صدارة تولي المبالغ النقدية المستلَمة والصادرة، بحيث تحتل «أو أم تي» أكبر حصة في السوق وتليها «بوب فينانس».

بناء على ما تقدّم، يظهر أن هاتين الشركتين حلّتا مكان النظام المصرفي لبلد لا يتعامل مع المصارف وتقبضان على النظام النقدي بحصتيهما في السوق. ففي أيلول 2022، أعلنت «أو أم تي» رعايتها «ماراثون بيروت»، وهو الحدث الذي اعتادت المصارف تقليدياً رعايته منذ نشأته.

في بحث عن مالكي «أو أم تي» يتبين أنهما كانا النائب السابق أمل أبو زيد والسيد توفيق معوّض، ولكن لأسباب غامضة حلّ مكان أبو زيد في ملكية الشركة ولَداه. فإنضمّا الى توفيق معوّض الذي أدخل ايضاً الى ملكية الشركة إبنته جويا معوّض زوجة السيد عماد المشنوق شقيق وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق.

تشير «أو أم تي» عبر موقعها الإلكتروني الى أن لديها 1200 فرع في لبنان لتلقّي وتحويل الأموال. إذا دققنا في خريطة إنتشار المراكز، فإننا نتساءل إن كان من قبيل الصدفة أن غالبية تلك الفروع تقع في قضاء بعبدا – وخصوصاً في الضاحية الجنوبية – وفي الجنوب اللبناني؟

قد يكون السبب أن معظم الأشخاص «غير المتعاملين مع المصارف» يقطنون في تلك المناطق المكتظة. لكن يمكن القول كذلك إن غالبية النقد المتداول خارج النظام المصرفي تدور في تلك المناطق، إذ إن معظم محلات الصيرفة (التي تسيطر على سوق الصيرفة في لبنان ويديرها مقرّبون من «حزب الله») تتمركز في الضاحية الجنوبية لبيروت. كما يلاحظ أن من أصل 1200 فرع لـ»أو أم تي»، يوجد أكثر من 600 فرع في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.

للمقارنة، فإن «بوب فينانس»، وهي ثاني أكبر منافس لها، تُدير 700 فرع من مواقع «ويسترن يونيون» وتتركز بشكل رئيسي في محافظة جبل لبنان. من غير المستغرب أن تعمد «بوب فينانس» الى تقليص أعمالها في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والتوجه أكثر نحو جبل لبنان، كونها جزءاً من «بنك بيروت» الذي يخضع كمصرف لمراقبة شديدة من النظام المالي العالمي. مع الإشارة، الى أن رئيس مجلس إدارته ومديره التنفيذي هو السيد سليم صفير الذي يشغل حالياً منصب رئيس جمعية المصارف في لبنان.

ذكرت «أو أم تي» عبر موقعها الإلكتروني أنها تعاملت عام 2019 بمبلغ 120 مليون دولار شهرياً أي 1.44 مليار دولار في السنة. كما بلغت التحويلات إلى لبنان في العام نفسه 7.41 مليارات دولار، أي أن «أو أم تي» تعاملت بـ20% من إجمالي هذه التحويلات النقدية فحلّت أولى فيما أتت «بوب فينانس» في المرتبة الثانية.

ارتفع حجم التحويلات التي تعاملت بها «أو أم تي» بشكل حاد في عام 2021. وفي حين لم تذكر الشركة الحجم الجديد على موقعها الإلكتروني، فقد قدّره الاختصاصيون بما يقرب الـ2.8 مليار دولار أميركي. إن هذا الرقم يشكل حوالى 42% من التحويلات لعام 2021 والبالغة 6.63 مليارات دولار. بناء على ذلك، يمكننا الجزم بأن الشركة تهيمن على الاقتصاد النقدي في غياب قطاع مصرفي كان مرموقاً ذات يوم.

إذاً، كيف تجني «أو أم تي» و»بوب فينانس» الأرباح؟

رسمياً، ثمة طريقتان تجني بهما هاتان المؤسستان أرباحهما. إحداهما هي الرسم المحدد للمبلغ المحوَل والثانية هي الفارق في سعر الصرف بين العملة المرسَلة والعملة المستلَمة.

وفقاً لسجل بيانات البنك الدولي، إذا كنت تعيش في فرنسا وأرسلت مالاً إلى بيروت في الربع الأول من عام 2020، لكُـنت دفعت معدلاً يبلغ 9.7% منه كرسوم للمؤسسات التي يمكنها تحويل الأموال إلى لبنان.

على سبيل المثال، إن أرسلت في الربع الأول من عام 2020 مبلغ 200 دولار أميركي عبر «ويسترن يونيون» من فرنسا إلى وكيلها «أو أم تي» في بيروت، فقد تم تحصيل 12.12% من المبلغ المرسل كرسوم، أي ما يعادل 24.24 دولاراً أميركياً. يتكون هذا المبلغ من رسم محدّد قدره 7 دولارات تضاف إليه نسبة 8.62% من سعر الصرف.

إذا أرسلت في تلك الفترة نفسها مبلغ 500 دولار أميركي عبر «أو أم تي» من فرنسا إلى بيروت، فستكون التكلفة 16.74% أي ما يعادل 83.70 دولاراً أميركياً. يتكون هذا المبلغ من رسم محدد قدره 36.26 دولاراً أميركياً وتضاف اليه نسبة 9.49% من سعر الصرف. (المصدر: غرفة بيانات البنك الدولي عن التحويلات).

فبأقل تقدير، إذا جُمع كل شيء، وبحسب البلد الذي يتم التحويل منه وقيمة المبلغ المحوَل، يصبح متوسط تكلفة تحويل الأموال عبر «ويسترن يونيون» إلى لبنان بين 12% و16%. فيما يشير البنك الدولي إلى أن متوسط التكلفة العالمية للتحويلات المالية 6.5% ولا يزال «مرتفعاً بشكل مؤلم» وتكلفة لبنان حالياً توازي ضعف هذا المبلغ. مع الإشارة، الى ان الأمم المتحدة تهدف إلى خفضها لـ 3% وهو يُعتبر من «أهداف التنمية المستدامة».

إذا اعتبرنا الحد الأدنى من الرسوم، أي 12%، فإن المواطن اللبناني «المتلقي» يدفع رسماً إضافياً بنسبة 2% على الاستلام من «أو أم تي». لذا، فنحن نقف الآن عند 14% كإجمالي الرسوم.

حين تستفسر عن نسبة الـ 2% هذه، تخبرك «أو أم تي» أنها من أجل التعامل النقدي بالدولار الأميركي وتكلفة نقل النقود، وهي عملية مكلفة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن المرء يتساءل لِمَ لا تفرض أي دولة من الدول الأكثر مجازفة شيئاً كهذا. في الاتصال الأوّلي، قيل لي إنها إلزامية من قِبل المصرف المركزي. إلا أنني بعد عمل دؤوب والكثير من التقصي، إكتشفت أن المصرف المركزي لا يلزم إعتمادها بل تفرضها «أو أم تي».

هناك طريقة إضافية تُحصّل «أو أم تي» الرسوم بها وهي عبر جمع الدولارات من السوق وتسليمها إلى المصرف المركزي. سمح التعميم 614 الصادر عن المصرف المركزي في عام 2021 لشركات تحويل الأموال العاملة في لبنان بالتقدم بطلب للحصول على رخصة العمل بـ»فوركس» من أجل تنفيذ عمليات الصرف بناء على طلب عملائها بأموال واردة من الخارج.

تجدر الاشارة الى أن المصرف المركزي منح إستثناء لشركة «سايتك» التي يملكها السيد حسن مقلد المقرّب من رئيس مجلس النواب نبيه بري من أجل جمع الدولارات من السوق وبيعها للمصرف المركزي رغم انها مصنّفة كشركة صيرفة وليست شركة تحويلات بين الخارج والداخل.

إيرادات خيالية

إذا افترضنا ان الشركة تتولى 2.8 مليار دولار من المعاملات النقدية لهذا العام بربح مستمر بنسبة 14% (12% زائد 2%)، فمن شأن هذا الأمر أن يجعل إجمالي إيراداتها 392 مليون دولار أميركي. أضف إلى ذلك، إن نصف مبلغ الـ 2.8 مليار (أي 1.4 مليار) الذي يُحصَّل ويُسلَّم إلى المصرف المركزي مقابل رسوم 3%، (إن حاكم المصرف المركزي يقرر من يحصل على 2% ومن يحصل على 3%. هذا ويقول معنيون في القطاع إن سلامة يعطي الأولوية لجمع الدولارات من السوق لشركتي «او أم تي» و»سايتك»)، فستجني بالتالي 42 مليون دولار أميركي إضافيّة. هكذا يصل إجمالي الإيرادات لهذا العام إلى رقم هائل بقيمة 434 مليون دولار أميركي!

لا تدار الأعمال بلا نفقات. لذا سنفترض أن تكلفة التشغيل لديك هي نصف هذا المبلغ، فيمكن أن تصل الأرباح إلى 217 مليون دولار أميركي سنوياً. أرباحك هي إيراداتك مطروحة منها تكاليفك. على سبيل المقارنة، وُزعت 11 مليار دولار كأرباح في القطاع المصرفي (59 بنكاً) بين الأعوام 2011 – 2018، أي 1.57 مليار دولار سنوياً لـ59 بنكاً. ما يعني أن «أو أم تي» أصبحت بحجم مصرف ريادي.

إيرادات «بوب فينانس» أقل من «أو أم تي» المهيمنة، لكن الشركة لا تزال تحتل المرتبة الثانية في التعامل بالاقتصاد النقدي.

تداخل المصالح مع السياسة

لا يخفى على أحد إنتماء أمل أبو زيد السياسي. فقد كان على القائمة الانتخابية مع «التيار الوطني الحر» مرتين، وخسر مرتين في آخر دورتين للانتخابات البرلمانية، منها مرة أمام النائب زياد أسود من جــزّين. فيما نجح أن يكون نائباً في إنتخابات فرعية عقب وفاة النائب ميشال حلو. كما أنه ليس سراً أن سليم صفير مقرّب سياسياً من «التيار الوطني الحر».

لم يحدث قط أن القطاع المصرفي في لبنان مثّـل في أي وقت من الأوقات طيفاً سياسياً واحداً. كانت للقطاع المصرفي ولاءات متعددة ومثّل جميع الأحزاب السياسية عبر التاريخ. فهل هي مصادفة أن اثنتين من أكبر الشركات المتعاملة بالنقد في البلاد حالياً تدينان بالولاء لـ»التيار الوطني الحر» الذي يخضع رئيسه لعقوبات أميركية؟ هذا هو الحزب نفسه الذي يحكم ولديه الأغلبية مع حليفه الثنائي «حزب الله» – حركة «أمل» والمكلّف بإيجاد حل للأزمة مع صندوق النقد الدولي!

هل هي مصادفة أيضاً عدم إيجاد حل لأزمة القطاع المصرفي؟

بعدما فشل البعض بالسيطرة على القطاع النقدي والمصرفي طوال مدة هذا العهد، ها هو ينجح في تدمير هذا القطاع من خلال سياساته الإقليمية وإنشاء اقتصاد نقدي بديل يستفيد منه الأفراد الخاضعون للعقوبات.

إن علاقة أمل أبو زيد بالرئيس وصهره معروفة. كما أن أمل أبو زيد من المساهمين في «أسترو بنك» مع النائب اللواء جميل السيد وفلاديمير سوتوف ونسيم ولد قدور.

تجدر الإشارة الى أن فلاديمير سوتوف كان مديراً إدارياً لشركة «إيركوت كوربوريشن» في روسيا، وهي شركة لتصنيع الأسلحة. كما أن نسيم ولد قدور هو إبن الرئيس التنفيذي السابق لشركة «سوناطراك» الذي اعتقلته الإنتربول في تشرين الأول 2021 وسلمته إلى الجزائر حيث يواجه تهماً بالفساد. ليس واضحاً ما إذا كان نسيم ولد قدور لا يزال يحتفظ بأسهمه في المصرف حتى الآن.

الرئيس التنفيذي الحالي لـ»أسترو بنك» هو أريستيد فوراكيس وهو نائب الرئيس التنفيذي السابق لـ»بنك عودة» والذي استقال في عام 2019 خلال الحراك – الثورة. فهل من باب الصدفة إنتقال نائب الرئيس التنفيذي السابق لـ»بنك عودة» إلى مصرف غالبية مساهميه من حركة 8 آذار؟

في عام 2008، تم تعيين أريستيد فوراكيس كأحد أعضاء فريق استشاري لأحد المصارف الدولية لتقديم المشورة بشأن الخيارات الاستراتيجية لـ»بنك عودة»، بما فيها دمج بمليارات الدولارات مع مؤسسة في المنطقة، وذلك لإنشاء مصرف ضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عمل مع أريستيد السيد كريم نجيم المستشار الاقتصاديّ لـ»التيار الوطني الحر» والصديق المقرب لجبران باسيل. بعد مرور عامين على هذه الوظيفة في «بنك عودة»، دُعي أريستيد الى ترك المصرف الدولي في لندن والانضمام الى «بنك عودة»، ثم انضم لاحقاً إلى أسترو بنك كرئيس تنفيذي.

بالعودة الى أموال «التحويلات النقدية»، فيمكن القول إنها ما يُبقي لبنان على قيد الحياة في الوقت الحالي في ظل إنهيار قيمة مداخيل العديد من المواطنين. لكن هذه «التحويلات النقدية» هي نعمة مقنّعة، كما أنها أيضاً «حبة زاناكس» تُبعد ضغط أي ثورة عن اجتياح الشوارع في أي وقت قريب أو الضغط عن الحكومة لإيجاد حل. بات الناس مخدرين بهذا الدعم.

فأين لبنان من قوانين مكافحة غسل الأموال وقوانين مكافحة تمويل الإرهاب في غمرة المعاملات النقدية التي تجري اليوم وواقع اقتصاده الذي تحول نقدياً بالكامل؟ كان القطاع المصرفي ممتثلاً لفترة طويلة لهذه القوانين. بل في الواقع، كان لبنان يتعامل قبل الأزمة مع 5 مصارف مراسلة في الولايات المتحدة مقابل تعامل مصرفين مراسلين فقط مع المكسيك! لكن في ظل الازمة اليوم، اصبحت هذه المصارف المراسلة تشترط التعامل فقط على أساس نقدي مع لبنان ما يعني عملياً إضطرار المصارف اللبنانية الى إرسال المبالغ كاملة نقداً الى الخارج وعدم إستخدام الاعتمادات letters of credit.

أولئك المستفيدون من الاقتصاد النقدي الحالي لديهم وضع مربح في كلتا الحالتين. فكلما طالت مدة بقاء لبنان من دون خطة خلاص زادت أرباحهم النقدية، وإن وُضعت خطة ونُفذت وأُعيدت هيكلة القطاع المصرفي، فسنراهم أول المسارعين لشراء المصارف بسبب الثروات التي حققوها.

من المسؤول عن بؤس المواطن العادي؟ هل ما زال المصرفيون؟

هنا تذكير بأن الحكومة اللبنانية لم تتوصل بعد إلى خطة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي رغم مرور ثلاث سنوات على الأزمة في لبنان. ففي نيسان 2022، تم التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين لم ينجزه لبنان. طالب صندوق النقد الدولي الحكومة اللبنانية بإصلاحات ولم تقم بها.

في الختام، صدق راي داليو كبير مديري صندوق مالي في العالم بقوله: «حين تفرغ الخزائن وتوجد حاجة للمزيد من النقود، تُطبع النقود ما يهبط قيمة العملة. حين يكون لديك مشاكل مالية، يزداد الاستقطاب وكذلك الشعبوية من اليسار ومن اليمين. يمكن أن تـنتج عن هذا فترة من الفوضى ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى حرب أهلية».

 

 

مصدرنداء الوطن - سمر القزّي
المادة السابقةموسم “اللؤلؤ الأخضر”: الأرباح تتجاوز المليار ليرة
المقالة القادمةتجهيز الـ ATM بـ”صيرفة” لزوم الإقفال وتعديل “التعاميم” ينتظر رفع سعر الصرف