بوادر مجاعة بدأت تلوح في الأفق مع تراجع إستهلاك اللحوم بنسبة تفوق الـ 85%! فالمعروف أن إستهلاك اللحوم هو مؤشر سلامة المجتمعات واستقرارها، إذ يمثل الغذاء الإجتماعي الركن الأســاسي في سياسات الحكومات وأهداف المؤسسات الدولية.
وبالتالي فإن هذا التراجع هو مؤشّر خطير على بدء ظهور معالم مجاعة محتملة ستكون دون أدّنى شك إذا حصلت المحفز الرئيسي في التسارع السلبي لديناميكية الفقر ودخول قسم أكبر من اللبنانيين في خانة سوء التغذية، وبالتالي ستظهر في المجتمع اللبناني معالم وعوارض غزت بعض الدول الأفريقية الفقيرة.
الأفق السياسية مُلبّدة بغيوم سوداء قد تكون نذير عاصفة أمنية كبيرة تبدأ من باب سوء التغذية التي سيتعرّض لها المواطن حكمًا. فالمُعطيات السياسية تُشير إلى أن الرئيس الحريري هو على باب قوسين من الإعتذار في ظل إنقسام سياسي حاد سيكون من الصعب جدًا الاتفاق على بديل لا يُسمّيه الحريري خصوصًا أن الثنائي الشيعي يتمسّك بالحريري أو برئيس يُسمّيه هو.
وبفرضية أن الرئيس الحريري سمّى بديلا له، هل ستكون هذه الحكومة قادرة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي والباقي من عمرها لا يتخطّى العشرة أشهر؟ الجواب سيكون على الأرجح كلا نظرًا إلى أن بعض الإصلاحات قد تتطلب فترات أطول ولا ضمانة لصندوق النقد أن الحكومة القادمة ستلتزم بما قرّرته الحكومة السابقة.
في ظل هذا التعقيد السياسي وغياب حلول خارجية مع تأخر عودة الولايات المُتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي الإيراني، سيكون المواطن عرضة لأصعب الظروف الاجتماعية وهو ما سيؤدّي إلى إضطرابات أمنية ستضع الجيش اللبناني في مواجهة شعبه الجائع وهو موقف لن يكون الجيش محسودًا عليه خصوصًا أن الجيش يتعرّض لنفس الصعوبات الاجتماعية التي يتعرّض لها الشعب وهو أمر مُختلف كليًا عن إحتجاجات 17 تشرين التي كانت فيها الظروف المعيشية أفضل بكثير.
من هذا المُنطلق، نرى ضرورة التواصل مع المُجتمع الدولي لتأمين مُساعدات غذائية وصحّية ومحروقات للشعب اللبناني لتفادي كارثة إجتماعية ومعيشية صنّفها البنك الدولي على أنها الأصعب منذ أكثر من 150 عامًا. وما يؤكّد صحّة قول البنك الدولي هو تقرير اليونيسف الذي قال إن 30% من أطفال لبنان ينامون بأمعاء خاوية! وهذا يعني أن على الأقل هناك 30% من الشعب اللبناني أصبحوا يعيشون في فقر مُدّقع وما بين 10 إلى 15% أصبحوا يفتقرون إلى الســعرات الحرارية الكافية للعيش!
وبإعتقادنا ينطوي تقرير اليونيسف في إطار الإثباتات التي قدّ تُستخدم في المُستقبل أمام المحاكم الدولية ضدّ المعنيين على أنه «عدم مُساندة شعب في خطر» (Non-assistance à peuple en danger) كما وصفه وزير الخارجية الفرنسي. فهل سيقوم الشعب بالادعاء على المعنيين في المحاكم الدولية وفي شرعة حقوق الإنسان بتهمة التواطؤ أو الإهمال الفاحش على التسبب المجاعة والموت والأمراض المميتة؟