أول من أمس، انتهى «طحين الهبات». مع تلك النهاية كانت بداية اشتغال بورصة الخبز التي لا يبدو أنها ستقف عند حدٍ معين.
أمس، وقبل صدور قرار عن الوزارة الوصية بشأن ما سيؤول إليه سعر ربطة الخبز ووزنها مع انتهاء الهبات وارتفاع سعر طن القمح، ارتجل الممسكون برغيف الخبز قراراً برفع سعر الخبز العربي (زنة 900 غرام) إلى 2250 ليرة ، فيما «شدّ» نقيب مستوردي القمح أحمد حطيط، في تصريحاته، نحو الـ2500 ليرة.
وكما كان متوقعا، رضخت وزارة الاقتصاد والتجارة لقرار مستوردي القمح وأصحاب المطاحن وأصحاب الأفران، مصدرة بيانأ يمنح تغطية رسمية لما أراده هؤلاء. هكذا، أصدرت الوزارة، أمس، بيانا متأخرا حددت بموجبه الضريبة الإضافية المفروضة على الرغيف كالتالي: «ربطة حجم كبير: زنة 900 غرام كحد أدنى، بسعر 2250 ليرة لبنانية كحد أقصى وربطة حجم وسط: زنة 400 غرام كحد أدنى، بسعر 1500 ليرة لبنانية كحد أقصى». وهكذا أيضا، باتت الـ250 ليرة بحكم أمرا واقعا. ولو لم يصدر قرار رسمي بذلك، لاتخذ هؤلاء الخبز رهينة. وهذا واقع عايشه الناس أكثر من مرة، مع كل «طفرة» دولار. أما اليوم، الأزمة مزدوجة، إذ لم يعد الدولار وحده «الشماعة» التي يتشبث بها أصحاب المطاحن، قبل الأفران، لفرض تسعيرتهم التي تعفيهم من خسارة الأرباح، إذ أضيف اليه سبب آخر يتعلق بانتهاء كميات الطحين التي مدّت بها البلاد بعد كارثة انفجار المرفأ.
سببان كافيان للبحث في التعديل… صعوداً. وفي هذا الإطار، كان حطيط أول من لوّح بهذا الاتجاه، مبرراً ذلك بارتفاع «سعر القمح عالمياً». والنتيجة البديهية لهذا الأمر خياران لا ثالث لهما: إما ارتفاع سعر ربطة الخبز أو خفض وزنها. في الشق الأول، حدّد حطيط هامش الزيادة بما بين 250 و500 ليرة. هكذا، يصبح الخبز الذي يزن 900 غرام بـ2250 ليرة والخبز زنة 400 غرام بـ1500 ليرة. أما الشق الآخر، فلم يوضع على طاولة البحث إلى الآن لتقرير مصير الأول.
ويبدو أصحاب الأفران أقرب إلى خيار الزيادة، ينطلقون في ذلك من الزيادة الهائلة في سعر طن الطحين «واصل من المطحنة إلى الفرن». وفي هذا الإطار، يشير نقيب أصحاب الأفران في الشمال، طارق المير، إلى أن سعر طن الطحين ارتفع من «670 ألفاً على الدعم إلى 917 ألفاً في الشمال». هذه الزيادة التي يقدرها المير بحدود 240 ألف ليرة للطن لا يمكن «تصريفها» سوى برفع سعر الربطة. ويضيف هؤلاء سبباً آخر لرفع السعر يتعلق بسعر المواد الداخلة في «العجنة» من السكر والخميرة والزيت، «وهذه أسعارها بالدولار «الفرِش» أو بحسب سعر صرف السوق السوداء». ورغم «وعد» وزارة الاقتصاد بـ«إعطائنا بونات لشراء تلك المواد مدعومة، إلا أن المستوردين وأصحاب المعامل الكبيرة لا يعترفون بتلك البونات، فإما نشتري كاش أو لا مواد». من جهته، يشير إبراهيم إلى أن وزير الاقتصاد، راوول نعمه، «بدو يعطينا بونات لمواد مدعومة وما في مدعوم بالسوق»، متسائلاً: «شو الفايدة من هالبونات؟».
مع ذلك، ليس هؤلاء وحدهم من يحملون مسؤولية التحكم في سعر رغيف الخبز. قبلهم يأتي مستوردو القمح والخميرة والسكر والزيت، ومن وراء هؤلاء وزارة الاقتصاد والتجارة التي تقف متفرجة على رغيف الفقراء يتناتشه أعضاء «الكارتيل».
لا يستغرب رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، ما يجري، فـ«هذا السيناريو منتظر، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذا القطاع كلما تلقّى دعماً زادت مطالبه أكثر». مع ذلك، «لا استعصاء في الحلول»، معيداً التذكير بـ«حلول طرحت منذ عشرات السنين، وتتعلق بوقف الدعم بالكامل للقمح ولتأخذ المنافسة حقها». وهذا يتطلب من الدولة التوجه «صوب الاستيراد بنفسها من دولة لدولة، وهذا يعني في المقام الأول كلفة أقل، أضف إلى أنه يلغي الاحتكار، بحيث تصبح هي المستورد الوحيد». بتفصيل أكثر، يدعو برو لكي يصبح القمح «مثل باقي السلع التي يصدر بها جدول أسعار كالمازوت والغاز». ما دون ذلك، «لا تفيد هرطقات الدعم التي تمر عبر التجار».