على وقع قرقعة طبول الحرب التي تتهدّدنا يومياً، ومن تحت أنقاض أعمدة الإقتصاد المتداعية، والتي تصيب المواطن معيشياً واجتماعياً، بفعل إمعان المنظومة الحاكمة في قطع طريق الإصلاح، تطلّ تداولات بورصة بيروت ولو من بابها الضيّق، لتسجّل أسهم «سوليدير» زيادة في سعرها الى 70 أو 80 لولاراً (لولار وليس دولار)، مع انخفاض في حجم تداولات أسهم البورصة عموماً التي تسدّد عن طريق الشيكات. الأمر الذي يستدعي التوقّف عنده للإطلاع على آلية عملها في موسم الأزمات وآلية تحريك عجلتها.
أسهم سوليدير
لا تعود مقاومة تداول سهم شركة «سوليدير» العقارية بفئتي أسهمها «أ» و»ب» في بورصة بيروت الى تحسّن الوضع الإقتصادي في البلاد وخصوصاً أن المصارف المدرجة في بورصة بيروت عاجزة عن تسديد ودائع المودعين. فهذا الأمر يعود الى لجوء أصحاب الحسابات المصرفية الكبيرة الى شراء أسهم في شركة «سوليدير» العقارية لصيبوا بذلك هدفين بحجر واحد: أولاً، يخرجون لولاراتهم من المصارف وثانياً يستثمرونها في القطاع العقاري الذي يعتبر الملاذ الأخير لـ»تصريف» الـ»كاش» أو «اللولارات»، وهذا الأمر شهدناه في بداية الأزمة المالية اللبنانية حين أقبل المتمكّنون على شراء عقارات من خلال شيكات كانت قيمتها مرتفعة يومها عند حدود 80% و50% و40% وليس 15% كما هي اليوم. فراجت لفترة عمليات البيع والشراء في المجال العقاري، قبل ان يركُد القطاع عند توقف قبول الدفع بالشيكات ويتحوّل لاحقاً الى سوق نقدي بالدولار.
قيمة الأسهم محفوظة
وبالعودة الى تداولات بورصة بيروت، التي صمدت فيها بعد الأزمة شركتا الترابة ciment blanc و»هولسيم»، و»سوليدير» العقارية، فقد حافظت الشركة الأخيرة على قيمة أسهمها في تداولات بورصة بيروت بل حتى ارتفع سعر سهمها اذا ما احتسبنا قيمته في العام 2019 عند نحو 6 دولارات مقابل نحو 70 لولاراً اليوم أي بقيمة فعلية هي نحو 10 دولارات بسعر صرف اليوم البالغ نحو 90 ألف ليرة للدولار.
أسهم المصارف اندثرت
ويقول رئيس مجلس إدارة بورصة بيروت غالب محمصاني خلال لقائه مع «نداء الوطن» أن من اشترى أسهماً قبل بدء الأزمة في «سوليدير» حافظ على قيمة ودائعه وحتى على قيمة السهم الذي حقّق زيادة، رغم تغيّر المعادلة. اذ كانت قيمة التداولات في البورصة لشركة «سوليدير» قبل الأزمة بنسبة 50% و 50% لكل المصارف، اليوم اختلف الوضع وبقيت تداولات الأسهم تتركّز على «سوليدير» فتقاعدت البنوك بعد ان فقدت قيمة رأسمالها». مشيراً الى أن التحدّي الأكبر خلال السنوات الأربع المنصرمة، كان عدم توقف نظام البورصة الإلكتروني وتأمين الكهرباء بشكل مستمرّ من خلال توفير المازوت. فبقي نظام التداول الإلكتروني مستمراً من دون مواجهة أي إشكالية».
تضمّ البورصة اليوم اسهم 10 شركات. وبما أن بعض الشركات لديه سهمان مثل سوليدير «أ» و»ب»، والمصارف لديها أسهم عادية وأسهم تفضيلية، يكون مجموع أسهم البورصة 24.
حجم التداول
ووفقاً لمحمصاني، «ما ان توسّعت رقعة الأزمة المالية التي بدأت في 2019 حتى انخفضت قيمة التداولات في البورصة ثم عادت وسجّلت زيادة في سنة 2020 من 242 مليون دولار سنوياً الى نحو 487 مليون دولار لغاية اليوم، ومن المرتقب لغاية نهاية السنة أن يصل حجم التداول الى نصف مليار دولار. ويأتي ذلك مقابل تراجع حجم التداولات من 49,9 مليوناً في 2020 الى 34,6 مليوناً لغاية اليوم.
القيمة السوقية
أما الرسملة السوقية للأسهم في البورصة، فكان اداؤها انحدارياً، اذ كانت تتراوح قيمتها قبل الأزمة المالية بين 10 أو 9 مليارات دولار «فريش»، اليوم أصبحت بقيمة نحو17 مليار لولار أي ما يعادل نحو 2,7 مليار دولار، بسبب تراجع قيمة أسهم المصارف، فبدل شراء السهم على سبيل المثال بقيمة 10 دولارات، بات بقيمة نحو دولار أو دولار ونصف».
لولار – دولار
متى تُحوّل حسابات اللولار الى دولار؟ لفت محمصاني الى أنه «تمّ البحث في موضوع إمكانية التداول بالدولار النقدي بدلاً من الإستمرار بالتداول باللّولار، إلا أن ذلك يعتمد على موازنة 2024». واكّد أنه «إذا تمّ تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار في الموازنة، عندها لا يمكن الإستمرار بالتداول باللّولار في البورصة، وحكماً سننتقل الى التداول بالدولار النقدي، وهذا الأمر سيحصل عاجلاً أم آجلاً».
وعرض محمصاني لحسنات وسيّئات التداول باللولار فقال: إن من «سيّئات استمرار تداولات البورصة باللّولار الحؤول دون جذب المستثمر الأجنبي للتداول بها واستقطاب متداولين جدد، اذ لا يمكن للأجنبي شراء أسهم في بورصة بيروت، علماً أن البلاد أصلاً في حالة ركود. أما الحسنات فهي تشجيع الناس التي لديها مبالغ كبيرة عالقة في المصارف على شراء أسهم في «سوليدير» أو في شركتي الترابة (الاسمنت) «هولسيم» و»سيمان بلان»، لأنهم يحوّلون اللولار الراكد في المصارف الى أسهم».
تطوير السوق
كيف يمكن تحريك عجلة بورصة بيروت؟ تطوير بورصة بيروت يحتاج الى خصخصة مرافق عامة وطرحها في بورصة بيروت منها الـ»ميدل ايست» ومؤسسة كهرباء لبنان وكازينو لبنان.
بالنسبة الى بورصة بيروت يروي محمصاني: «أنجزنا المترتّب علينا، فتم إعداد نظام الشركة الجديد للخصخصة، ووافقت الحكومة ووزارة المالية على أن تكون البورصة شركة خاصة مملوكة من لبنانيين. بدأنا بالتنفيذ والتأسيس لتلك المرحلة. حتى أننا طرحنا أسماء الأعضاء لتشكيل مجلس الإدارة وأرسلنا اللائحة الى وزارة المالية ولا تزال هناك. وهنا تجدر الإشارة الى أن كل البورصات في كل دول العالم أصبحت شركات خاصة ولم تعد مؤسسات عامة».
وشدّد على ان عجلة البورصات لا تنطلق، إلا إذا تمت خصخصة المرافق العامة كما يحصل في سائر الدول المتقدمة. وتطاول الخصخصة مؤسسة كهرباء لبنان التي تصبح شركة مؤسسة كهرباء لبنان ش.م.ل. علماً أنها كانت في الماضي شركة خاصة إلا أنه تمّ تأميمها في الستينات. فعندما تصبح شركة خاصة يمكن أن تتضمن أسهماً يتمّ بيعها للعموم بنسبة 49% وتبقى نسبة 51 % مع الدولة أو الشركات المستثمرة الأجنبية الكبيرة. على أن تُدرج الأسهم المسجلة للعموم في البورصة. وهنا نشير الى أن كل الدول العربية الشبيهة بلبنان تحوّلت مرافقها الى شركات خاصة»، كما يقول.
ما هي الوسيلة القصيرة المدى لتفعيل دور البورصة ؟ يجيب: ننتظر اليوم تحسّن الأوضاع في البلاد، في ظلّ عدم إمكانية إنجاز تحاويل مالية الى الخارج، لبدء العمل بالنظام الجديد «أوبتيك سيستام» optic system الذي سبق أن تمّ توقيع اتفاقية (عام 2014) لاعتماده قبل الأزمة بين بورصة بيروت وبورصة يورونكست euronext الأوروبية التي تضم بورصتي بلجيكا و باريس. علماً ان بورصات تونس وعمان ومسقط تعاقدت ايضاً مع «يورونكست» ويتمّ اعتماد هذا النظام. في لبنان أنجزنا التجهيزات اللازمة لبدء العمل بهذا النظام، لكن لم يتمّ تشغيله بسبب اندلاع الأزمة الإقتصادية في البلاد.
كيف يمكن التداول؟
كيف يمكن للفرد التداول بالبورصة؟ يقول: يحقّ لكل فرد لديه حساب مصرفي التداول عبر وسيط معتمد من قبل بورصة بيروت. ويبلغ عدد الوسطاء 13 ويتألفون من مصارف ومؤسسات مالية ولديهم رخصة من هيئة الأسواق المالية، تسمح لهم بالدخول الى نظام بورصة بيروت لإدراج الأمر order. اما مراقبة أعمال البورصة فتتمّ من هيئة الأسواق المالية التي عرّفها قانون الأسواق المالية رقم 161/2011 على أنها «شخص معنوي من أشخاص القانون العام يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي ولا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال وللرقابات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام. إذاً، ستقبى بورصة بيروت رهن سياسة الحكومة العاجزة عن إتخاذ إجراءات إصلاحية بأي موضوع يتعلق بالإقتصاد اللبناني، كيف لا والبورصة مرآة الإقتصاد. فاذا كان الإقتصاد يتداعى سيجرف معه بورصة بيروت نحو الأسوأ واذا كان جيّداً ستشهد تحسنّاً وتألقاً.
Beirut stock Exchange بين الأمس واليوم
تاسست بورصة بيروت عام 1920وتعتبر ثاني أقدم بورصة في المنطقة بعد بورصة الإسكندرية التي تأسست عام 1890. وكانت تتضمن شركات مدرجة في بورصة بيروت وباريس وقد وصل عددها الى 45 شركة في فترة ما قبل الحرب اللبنانية.
كانت هنالك امتيازات لشركات محلية مملوكة من لبنانيين وفرنسيين مثل مرفأ بيروت على سبيل المثال. فأسّس الفرنسيون شركات عدة لإدارة المرافق العامة في لبنان وبينها شركتا كهرباء قاديشا وشركة إدارة مرفأ بيروت التي كانت مدرجة في البورصة.
خلال الحرب اللبنانية التي انطلقت شرارتها في العام 1975 توقفت بورصة بيروت عن العمل وراحت تفتح أبوابها تارة وطوراً تقفلها. في العام 1982 أوقفت عملها كلّياً في مقرّها في وسط بيروت التجاري الذي دمّر بسبب الإجتياح الإسرائيلي للبنان.
خلال العام 1994 في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري أُعيد إطلاقها، فتمّ تعيين لجنة جديدة للبورصة. وكانت التداولات فيها في فترة الحرب تتم بالمناداة shouting فيجلس الوسطاء الى طاولة ويتمّ عرض الأسهم المتداولة. سنة 1994 أعيد فتح البورصة وتعاقدت إدارتها مع البورصة الفرنسية معتمدةً نظام التسعير بالتثبيت Fixing system، فيتم تجميع الأوامر التي بحوزة الوسطاء ويتمّ إدخالها في الـ»كومبيوتر»، وعندما تتم المطابقة وفق خوارزمية أو «الغوريتم» معين تُحدّد الأسعار. استمرّ الوضع على هذا المنوال لغاية العام 2003 ثم تمّ إرساء نظام التداول المستمرّ في البورصة، فأي وسيط يُدخل الأمر order اذا قابله فريق ثان بالسعر نفسه أو بسعر أفضل تتمّ عملية التداول أو البيع والشراء وذلك الكترونياً.
*أسهم البنوك تتقاعد من تداولات البورصة بعد أن فقدت المصارف رساميلها
*أسهم «سوليدير» ترتفع من 6 دولارات الى 70 لولاراً أو ٨ دولارات نقدية
*البورصة مرآة الإقتصاد ونهضتها تتطلب خصخصة المرافق العامة
*من حسنات التداول باللولار في البورصة «تحرير» المودعين لودائعهم
* القيمة السوقية للأسهم المدرجة من 10 مليارات دولار إلى 2,7 مليار