لا شك أن تشكيل الحكومة بات متنفساً للتطلع الى تغيير يكسر الجمود الذي خيم على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطن اللبناني طيلة فترة المخاض الذي سبق ولادتها، والذي دام 9 أشهر، حيث تتوجه الأنظار اليوم الى مشاريع “سيدر” والاصلاحات التي ستترافق مع تطبيقها.
يؤكد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة في مقابلة حصرية لمجلتنا أنه على الحكومة الشروع بالاصلاحات قبل البدء بتنفيذ مشاريع “سيدر”، غير أنه من الممكن أن تنفذ بعض الاصلاحات كإقرار الموازنة وملف الكهرباء كبادرة “حسن نية” تجاه الممولين لمشاريع “سيدر” الاستثمارية، قبل البدء بتنفيذ جميع الاصلاحات التي نص عليها البيان الوزاري، والتي تنضوي تحت عنوانين رئيسين هما تخفيض الانفاق ومحاربة الفساد.
ولا ينكر عجاقة أن المعوقات ستكون كثيرة أمام تطبيق الاصلاحات الموعودة، غير أن الصعوبة الأكبر ستكون على المستوى المالي، وتكمن في تمكن الحكومة من المحافظة على مستوى عجز مماثل للعام الفائت دون زيادته، حيث يقول في هذا المجال: “نحن لا نقول أن على الحكومة تخفيض العجز كما هو مطلوب في “سيدر”، ولكن كيف تحافظ عليه ليس الا، خصوصا انها تعهدت بعدم فرض اي ضرائب”، هذا اضافة الى المعوقات الناتجة عن التجاذبات السياسية، ولكن مما لا شك فيه انه سيتم السير بهذه الاصلاحات مهما كانت الصعوبات.
أما بالنسبة للسيولة النقدية المتوقع ضخها في السوق المحلية يقول عجاقة: “نعلم أنه وبحسب ما ذكر الرئيس سعد الحريري، فإن الحجم الاجمالي لمشاريع “سيدر” يصل الى 17 مليار، ولكن هذه الكمية من السيولة لا يمكن أن يتم ضخها في الاقتصاد دفعة واحدة تفاديا للتضخم، لذا نتوقع أن يتم ضخ ما يقدر بـ500 مليون الى 1 مليار د.أ سنويا، وهذا الرقم كافٍ لرفع النمو بمقدار 1% سنويا، الذي سيؤدي اذا ما تزامن مع تخفيض العجز الى استرجاع التوازن المالي”، مشدداً على ايجابية هذا الامر اذا ما تم فعلا.
أما بالنسبة للوظائف التي سيخلقها “سيدر”، يشير عجاقة الى أنه من شبه المؤكد أن أنّ الإستثمارات المُنتظرة من مؤتمر «سيدر» ستخلق وظائف في الإقتصاد اللبناني وبالتالي ستُحفّز النموَّ الإقتصادي، ولكنه ينبه الى مشكلة اساسية في هذا المجال، تتمثل بأنّ الشركات الكبيرة ستلجأ إلى إستثمارات من نوع «الإستثمارات في الإنتاجية» بالدرجة الأولى، ما يعني إستبدال اليد العاملة برأس مال ثابت، في حين أن الشركات الصغيرة والمُتوسّطة الحجم تكون إستثماراتها حكماً من نوع «الإستثمارات في القدرات» وبالتالي فهي تخلق تلقائياً وظائف، لذا على الشركات الكبرى (اذا ما تم تلزيمها) أن تلجأ الى الـoutsourcing، أي ان تطلب خدمات الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وختاما، وتعليقا على قرار رفع الحظر المفروض على سفر الرعايا السعوديين الى لبنان، والذي كان قد أعلنه السفير السعودي وليد البخاري من السراي الكبير عقب لقاء جمعه والموفد السعودي والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا بالرئيس الحريري، يؤكد عجاقة على أهمية هذا القرار قائلاً: “تشير الأرقام الى أن 22% من دخل القطاع السياحي كان من نصيب السياح السعوديين (في العام 2012)، وبالتأكيد، فان عودتهم ستؤدي الى نمو يتراوح بين 10% و 15% في هذا القطاع، نسبة الى العام المنصرم”، ويستحوذ هذا النمو في القطاع السياحي على أهمية كبيرة نظرا الى كون ربع اليد العاملة في لبنان موظفة في القطاع السياحي، هذا اضافة الى ادخال المزيد من العملات الصعبة بما فيه من دعم لليرة اللبنانية، وتخفيض العجز في ميزان المدفوعات.
تبدو الصورة مشرقة اذا ما نظرنا الى ما يحمله لنا “سيدر” من مشاريع استثماري من جهة، وما يحمله قرار رفع الحظر السعودي من دعم للقطاع السياحي من جهة ثانية، ولكن بالرغم من ذلك، تبقى العبرة بالتطبيق، ورهن بمستوى الوعي في مراكز القرار حتى يفسحوا المجال أمام حكومة “الى العمل” لتعمل فعلاً.