بين من يُقنّن ومن يُفوّل “يا ربّ ما انقطع عالطريق”

“رضينا بالهمّ والهمّ مش راضي فينا”. يختصر هذا المثل حالنا كلبنانيين نتنقّل من محطّ وقود الى أخرى باحثين عمّن يمنّ علينا بعشرة آلاف أو عشرين ألفا حدّا أقصى من مادّة البنزين حتّى نصل الى حيثما نحن ذاهبون، ففي زمن “الذلّ” كلّ شيء مباح!

في مشوارك في عطلة نهاية الأسبوع، تستقبلك محطّات الوقود على امتداد الساحل، ولكن أمام طوابير السيارات المُصطفّة، دورك لن يأتي قبل نصف ساعة على الأقلّ. البعض يختار الإنتظار فمُحرّك السيارة قد يتوقّف في أي لحظة، وفي هذه اللحظة بالتحديد وأنت تعلي صوت الراديو لتستمع الى الأخبار يطمئنك المعنيون أن لا أزمة محروقات أو توزيع.. فعلا، لا تعليق! تخال أنّك تعيش في عالم وهؤلاء الذين يتحدثون عبر الأثير في عالم آخر تماما.
وأنت نتنظر، تتقدّم سيارتك ببطء مبشّرة بقرب الفرج، فيما يختار سواك عدم الإنتظار ليفتّش عن محطّة وقود أخرى غير مكتظّة. يكمل مشواره نحو الجبل، مُقتنعا بأنّه سيجد مقصده، فلا يكاد يلمح محطّة من بعيد حتّى يتأكّد، كلّما اقترب أكثر، من أنّها مُغلقة إمّا بجنزير حديدي أو بدراجة نارية أو كرسي بلاستيك، وإن وجدت أحدا سرعان ما يسارعك بالقول “عفوا مسكّرين”. تكمل سيرك وأنت تراقب إشارة البنزين، “يا ربّ وصّلني على محطّة فاتحة قبل ما انقطع بنصّ الطريق”، نعم هذا ما إنحدرت إليه أمانينا!

وكمن استُجيب دعاؤه بسرعة، تلمح محطّة وقود مع عدد قليل من السيارات فتسارع الى الإصطفاف وراءها، ولكن “يا فرحة ما اكتملت” يأتي صاحب المحطّة الغاضب ليقول لك “سكّرنا، صرلنا من الصبح فاتحين”. تقف مذهولا، تسارعه بالقول: “ولو بس بعشرة آلاف، ما بقا معي ولا نقطة” فلا تجد من يجيب أو حتّى يتفاعل آسفا، كلّ ما يفعله هو إدارة ظهره.

إدارة الظهر هذه ليست حادثة عابرة على محطّة وقود، فالدولة بكاملها تدير لك ظهرها وما عليك سوى تدبّر أمورك بالتي هي أحسن. معاناة الناس على محطّات الوقود ليست سوى مثلا من أمثال عدّة تجسّد الذلّ الذي يعيشه اللبنانيون يوميا بحثا عن ابسط حاجاتهم، في وقت تتزاحم فيه بعض الدول الرائدة في المنطقة على كيفية إسعاد مواطنيها.

في طريق العودة من مشوارك الميمون، تحاول توفير أكبر قدر ممكن من الوقود المتبقّي حتّى لو على حساب مكابح السيارة. وفجأة تلمح طابورا على طرف الطريق، تخاله في البداية زحمة عادية، لتجد بعد التدقيق أنّ محطّة وقود تستقبل المواطنين وعم “بتفوّل”! تصيبك الدهشة فتسأل: ما هذا الإنفصام؟ وتستعيد لدقائق حديث الراديو أن لا ازمة محروقات او توزيع، فما هي إذا؟

المهمّ أن “فوّلنا”.

بنزين؟ نعم، لكن أيضا كثيرا من القنوط والغضب.

 

×

مصدرليبانون ديبايت
المادة السابقةإيطاليا وليبيا ستتعاونان في مشاريع الطاقة
المقالة القادمةهكذا سيكون الموسم السياحي