بين وزارتَي الاقتصاد والزراعة: أسعار الخُضر والفواكه خارج أيّ رقابة

أسبوعياً، تصدر وزارة الزراعة متوسطات أسعار الجملة والتجزئة للحوم والخضر والفواكه، لكن لا تتضح استفادة المستهلك من هذه الخطوة في ظل استمرار وجود فروقات كبيرة ظاهرة للعيان بين أسعار الجملة (أسواق الحسبة) وأسعار المفرّق (البيع بالتجزئة على البسطات أو في المحالّ التجارية والسوبرماركت)، وتتجاوز في بعض الأحيان 200%. لذا، يكاد يكون الأمر بلا قيمة تُذكر طالما هناك تضارب في صلاحيات الرقابة بين وزارتَي الاقتصاد والزراعة. فوزارة الاقتصاد مسؤولة عن مراقبة أسواق المفرّق وتسطير محاضر ضبط في المخالفين بناءً على مقارنة الفواتير بين بائعي الجملة وبائعي المفرّق، فيما وزارة الزراعة مولجة بمراقبة أسواق الجملة ولا سلطة لديها على أسواق المفرّق. وكل واحدة تزعم أنها تراقب الأسعار سواء من باب «الإرشاد» أو من باب الصلاحيات القانونية، لكنّ الواقع أن وزيرَي الاقتصاد أمين سلام، والزراعة عباس الحاج حسن، ينشغلان في نزاعات بحثاً عن «إنجاز» لأحدهما على الآخر، بدلاً من تفعيل التنسيق المطلوب منهما بموجب قانون المستهلك. هذا النقص يترك المجال واسعاً أمام الحلقات التجارية بين الجملة والمفرق، للتحكّم بالأسعار وتحفيز جشع التجّار.

لا يختلف أحد في وزارتَي الزراعة والاقتصاد على أن أسعار الخضر والفواكه في أسواق المفرّق هي أعلى من أسعار أسواق الجملة بأضعاف. فعلى سبيل المثال، سعر كيلوغرام الخيار في سوق الجملة الباب الأول يبلغ 60 ألف ليرة، بينما يباع في السوبرماركت بنحو 110 آلاف ليرة، أي مضاعفاً 1.8 مرة. والأمر نفسه ينطبق على سعر البندورة البالغ 60 ألف ليرة في سوق الجملة مقابل 95 ألف ليرة في السوبرماركت، أي مضاعفاً 1.5 مرّة. الباذنجان أيضاً سعره في سوق الحسبة 100 ألف ليرة ويباع في السوبرماركت بـ190 ألف ليرة، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الحامض الذي يباع في سوق الجملة بنحو 20 ألف ليرة وفي السوبرماركت بنحو 60 ألف ليرة، أي مضاعفاً ثلاث مرات. بالنسبة إلى الفواكه فإنها تزداد مرات المضاعفة لتصبح 4 مرات للتفاح ومرتين للموز والفريز… غالبية الأسعار فيها هوامش ضخمة من الفروقات في السعر، وهذا أمر لا تنكره وزارتا الاقتصاد والزراعة. إنما الخلاف بينهما، مرتبط بحسب المصادر بالوزيرين نفسيهما اللذيْن تبادلا الاتهامات المتعلقة بالأرز المسرطن والقمح المتعفّن، وبصلاحيات كل طرف في السماح بإدخال هذه المواد. وقد انعكس هذا الخلاف نقصاً في التنسيق، إذ عقد وزير الزراعة قبل بداية شهر رمضان بثلاثة أيام اجتماعاً هدفه الرقابة على أسعار اللحوم والخضر والفواكه من دون أن تُدعى وزارة الاقتصاد إليه، ثم بدأت الوزارة تصدر متوسطات الأسعار.

يقول مصدر في وزارة الزراعة، إن متوسط الأسعار ليس آلية رقابية بديلة عن المسؤوليات المنوطة بوزارة الاقتصاد، بل هو دليل «إرشادي» للمواطن حتى لا يكون عرضة للغشّ، ولا سيما أن هناك فروقات كبيرة في الأسعار بين أسعار الجملة والمفرّق. أما في وزارة الاقتصاد، فما يقال هو أن قانون حماية المستهلك يوجب مراقبة الأسعار من دون أن يحدّد نطاق الصلاحيات، إلا أنه في المادة 71 منه يشير إلى أن الرقابة منوطة أيضاً «كلّ في حدود اختصاصه» بكل من «عناصر الضابطة العدلية المكلّفين رسمياً، وبناءً على تكاليف خطية الموظفين المختصين في كل من وزارات الزراعة والصحة العامة والسياحة والداخلية والبلديات وإدارة الجمارك». والمادة 72 تفرض على هؤلاء ممارسة الصلاحيات ربطاً بالقوانين والأنظمة التي ترعى عملهم، ولا سيما أن المادة السادسة من قرار وزير الزراعة حسين الحاج حسن الصادر في عام 2013 بشأن «تسجيل أسواق الجملة للخضر والفواكه في وزارة الزراعة، ونظام إدارتها» تشير إلى أن الكشف والرقابة على الحركة التجارية والمنتجات في أسواق الجملة يتمّان «من قبل الجهات المختصة المعنية في وزارة الزراعة بالتنسيق مع البلديات». كما أن المادة الثامنة من القرار تخضع «جميع عمليات البيع والشراء للتحقق من قبل إدارة السوق… ويحق لوزارة الزراعة حظر بيع المنتجات التي لا تتناسب مع القرارات الصادرة عن وزارة الزراعة… وألا يتعدى الحدّ الأقصى لعمولة الوكيل من بيع المحصول لحساب الطرف الآخر 10% من قيمة البيع الحقيقية بما فيها أجور التحميل والتنزيل…».

كل ذلك لا يعفي مديرية حماية المستهلك من مسؤولية مراقبة الأسعار، فبحسب مصادر وزارة الزراعة أن أداة الرقابة الأساسية، أي تسطير محاضر الضبط، هي بيد هذه المديرية. لكنّ وزارة الاقتصاد تتذرّع بأن الفواتير هي المشكلة، إذ لا تباع في أسواق الجملة المنتجات بفواتير رسمية يمكن التحقق منها، وهذا الأمر لا يقع ضمن صلاحياتها. فإصدار محاضر الضبط يجب أن يستند إلى فواتير رسمية للتحقق من تطبيق هوامش الأرباح التي تسمح بأن تصل إلى 100% كحدّ أقصى، وهو أصلاً مستوى مرتفع من الربحية.

في المحصّلة، بين وزارة الاقتصاد ووزارة الزراعة يبدو أن المستهلك يدفع الكلفة من مداخيله التي تتحوّل إلى ثروات بيد حفنة من التجّار بين أسواق الجملة وأسواق المفرّق.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقة3 شركات تتنافس للفوز بـ«خردة» المرفأ
المقالة القادمةمناورة القرم على عمال «أوجيرو»: لا مساواة مع موظفـي «ألفا» و«تاتش»