تعرّض اقتراح فرض ضريبة على المقترضين الذين سددوا قروضهم الدولارية لدى المصارف بأسعار غير واقعية في خلال الأزمة، وحققوا ارباحاً استثنائية، للكثير من التحليل والانتقاد، او الاشادة. ما هي خلفيات هذا الاقتراح؟ وهل ينبغي ان يمر؟ ولماذا؟
قبل الحديث عن المضمون، لا بد من الاشارة الى التوقيت. اذ يأتي هذا الاقتراح في عزّ الحرب في غزة، والـ«ميني حرب» في الجنوب، مع ما يرافق ذلك من حال شلل شبه تام في كل المواقف الرسمية، خارج اطار التحضيرات لاحتمالات توسّع الحرب، ووضع خطط طوارئ. كذلك، ينسحب حال الشلل والقلق على الاوساط الشعبية. في هذا التوقيت بالذات، جاء اقتراح فرض ضرائب على المقترضين الذين حققوا ارباحاً استثنائية في خلال ازمة الانهيار. كثيرون نظروا الى التوقيت بسلبية، واعتبروا انه يهدف الى تهريب الاقتراح، فيما الجميع يغرق في هموم الحرب المحتملة.
هذه النظرة السلبية لا تعبّر عن الواقع، بل انّ التوقيت بالذات ينبغي ان يكون موضع تقدير، لأن المعطيات المتوفرة تفيد بأن الفريق الذي يعمل على خطط التعافي لاجتياز الانهيار الاقتصادي، واصَلَ نشاطه، متجاوزاً الوضع الاستثنائي القائم في الجنوب. وهذا القرار لا يُعبّر عن عدم اهتمام بالوضع الجنوبي، بقدر ما يعكس التصميم على ان يستكمل كل فرد او مؤسسة عمله، استعداداً لما بعد الحرب. وهذا القرار يُحسب لكل الفريق المهتم بالوضع المالي والاقتصادي، وليس عليه. لأنّ هذا الفريق توافق على أن يواصل التحضيرات وإعداد الدراسات واتخاذ الاجراءات، لكي تكون جاهزة عندما تتوقف الحرب، ونعود الى اشكالية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبدء مسيرة التعافي للخروج من الانهيار القائم منذ اكثر من اربع سنوات.
وفي هذا السياق، فإنّ اقتراح فرض ضريبة على المقترضين ليس الاقتراح اليتيم في هذا الاتجاه. وهناك اجتماعات دائمة تجري بعيداً من الاضواء، لاستكمال تبادل الافكار، بهدف التوصل الى تفاهمات حول السبل الذي ستُعتمد لإنجاز المشاريع المتعلقة بالانقاذ، ومنها الخطة التي سيجري التفاهم حولها مع صندوق النقد، بالاضافة الى خطة التفاهم على معالجة قضية الودائع، واعادة تطبيع الوضع المصرفي، لكي يستعيد القطاع دوره في الحركة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، يقوم حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري بجهد استثنائي، وهناك ارتياح للاسلوب العملي والواقعي الذي يعتمده، خصوصا لجهة التحاور الدائم مع القطاع المالي للوصول الى اجراءات قابلة للتنفيذ، ويمكن ان تساهم في تسريع عملية عودة القطاع المصرفي الى وضعه الطبيعي.
في عودة الى موضوع الضرائب على المقترضين، لا بد من تسليط الضوء على الحقائق التالية:
اولاً – انّ مجموع الارباح التي حققها المقترضون جراء اعادة القروض الدولارية بالليرة او باللولار تبلغ 15 مليار دولار، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. هذا الرقم لا يشمل الارباح الاضافية التي يمكن ان تكون قد تحققت بعد منتصف العام 2022.
ثانيا – انّ المقترضين الصغار، اي القروض الشخصية والسكنية لا يشملها اقتراح الضرائب.
ثالثا – انّ عملية تسديد القروض تمّت في معظمها بشيكات مصرفية، بما يعني ان جزءا من الثروة انتقل من مودع الى مقترض. بمعنى ان مودعا لديه في المصرف مليون دولار، اصبحت وديعته تساوي فعلياً على سعر سوق الشيكات حوالى 120 الف دولار، في حين ان مُقترضاً لمبلغ مليون دولار استطاع ان يُعيد القرض بشيك ثمنه 120 الف دولار. وهكذا يكون ربح 880 الف دولار، وهو المبلغ الذي خسره نظرياً المودع.
رابعا – ان الاقتراح لا ينص على فرض ضريبة خاصة سيتم ابتكارها، بل انه يستند الى ضريبة الدخل القائمة. وبالتالي، ما هو مطلوب من مجلس النواب، هو إقرار نوع من العفو عن الغرامات او العقوبات في حق الذين حققوا الارباح الاستثنائية، لأنهم لم يصرّحوا عنها، ولم يدفعوا عليها ضريبة الارباح وفق ما ينص عليه القانون. وهذا الامر وارد في المادة الرابعة الفقرة ج من قانون ضريبة الدخل.
خامسا – ان الضريبة المستحقة على هؤلاء تترواح، بحسب القانون القائم، بين 4 و25%، وفق حجم الارباح المحققة، ذلك انها ضريبة تصاعدية، وهناك شطور تُحدّد النسبة المستحقة على الربح.
سادسا – الامر الآخر المطلوب تعديله في القانون القائم، هو ان يتم تحويل هذه الضريبة الى صندوق استعادة الودائع، اي ان الاموال لن تذهب الى الخزينة، بل حصرا الى هذا الصندوق، لأنها اموال يتمّ جمعها في اطار معالجة مسألة اعادة الودائع الى اصحابها.
طبعاً، سيخضع هذا الاقتراح الى مناقشات مطولة في المجلس النيابي، لكن من المهم إقراره، بعد درس مسألة الشطور، على اعتبار انها محدّدة بالليرة. وسيكون ذلك اول الغيث في عملية جمع الاموال المخصصة لاعادة الودائع، وقد يمكن جمع ما بين 2 الى 4 مليارات دولار، وفق ما سيتقرّر في مسألة الشطور. وهذا المبلغ جيد كبداية، لتمويل صندوق الودائع، والانتقال الى اجراءات اخرى لاستكمال التمويل.
الملاحظة الاساسية التي ينبغي التنبّه إليها، تتعلق بكيفية توزيع الاموال المتأتية من هذه الضريبة، اذ ينبغي ان تعود الى المودعين بالنسبة نفسها التي تم فيها تسديد القرض. بمعنى ان هذه المبالغ تختلف بين مصرف وآخر، وينبغي أخذ هذه النسب والمبالغ بالاعتبار، لكي تكون استعادة الودائع عادلة وموازية للمبالغ التي انتقلت في كل مصرف على حدة، من مودع الى مقترض.