تتصاعد التحذيرات من السيناريوهات الكارثية للتغيرات المناخية التي ستجعل الأراضي الزراعية حول العالم مهددة، الأمر الذي سيخلف صدمات غذائية قاسية في المستقبل إنْ لم تتحرك الحكومات لمواجهة هذا التحدي الوجودي.
وتكشف المخاوف حول قضية الأمن الغذائي العالمي عن واقع صادم ينتظر مستقبل البشرية، فيما تطارد الدول سبل إنعاش اقتصاداتها نتيجة الجفاف وظواهر مناخية مثل النينيو، التي ستقضم آلاف الهكتارات الصالحة للزراعة سنويا.
وحذرت الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها من أن النشاط البشري يتسبب في أكبر التهديدات “التي تواجه وجودنا اليوم، وليس تأثير الطبيعة بمعزل عن العوامل الأخرى”.
وتدرك الحكومات والمحللون والخبراء الدور الذي يلعبه البشر في تغير المناخ، ومسؤوليتهم عن إهدار التنوع البيولوجي، ولكنْ هناك أثر بيئي آخر نادرا ما يستحوذ على الاهتمام الذي يستحقه وهو التصحر أو تدهور الأراضي.
ولم يعد التصحر في العديد من المناطق مجرد ظاهرة بيئية عابرة، بل أصبح خطرا يهدد بابتلاع دول بأكملها مع استمرار زحف الرمال لالتهام ما تبقى من الأراضي الزراعية.
ويفقد العالم الأراضي الصالحة للاستخدام بوتيرة متسارعة لأسباب ذاتية، تتراوح بين الزراعة المكثفة والرعي الجائر والتطوير العقاري، إضافة إلى التغيرات المناخية.
ولا يتجاهل الخبراء وناشطو البيئة أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي والمائي، فضلا عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
وأثمرت قمة الأرض التي عُقدت في ريو دي جانيرو عام 1992 عن التوصل إلى ثلاث اتفاقيات للأمم المتحدة، وهي تغير المناخ والتنوع البيولوجي والتصحر.
وتعقد اتفاقية المناخ مؤتمرات قمة كبيرة لمؤتمر الأطراف كل عام، لكن على الرغم من أن اتفاقيتي التنوع البيولوجي والتصحر تعقدان أيضا مؤتمرات، فإنها تُعقد مرة واحدة فقط كل عامين، ونادرا ما تحظى بالاهتمام الذي تحظى به مؤتمرات الاتفاقية الأولى.
وقال إبراهيم ثياو، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة المعنية بمكافحة التصحر لوكالة بلومبرغ إنها “فرصة ضائعة”، مشددا على أنها قد تكون قضية علامة تجارية، لأن الناس يعتقدون أن الأمر يتعلق بالصحارى وحدها.
وأضاف “هناك سوء فهم لمصطلح التصحر. ولهذا السبب نستخدم أيضا مصطلح تدهور الأراضي”. وتابع “من المفارقات أن أحد أكبر التحديات في مكافحة تدهور الأراضي هو تحد عالمي: فنحن بحاجة إلى الغذاء”.
ويُستخدم حوالي 40 في المئة من أراضي العالم، أي ما يعادل 5 مليارات هكتار، للزراعة بينما يُخصص ثلث هذه المساحات لأغراض زراعة المحاصيل، والباقي لرعي الماشية.
ولا يحظى العالم بسجل حافل في ما يتعلق بالممارسات الزراعية المستدامة منذ 500 عام، حيث أدى النشاط البشري، أي الزراعة بشكل رئيسي، إلى تدهور ما يقرب من ملياري هكتار من الأراضي.
وساهم ذلك في إطلاق حوالي 500 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون نتيجة لاضطرابات التربة، أو حوالي ربع إجمالي الغازات الدفيئة التي تسهم في ارتفاع درجات الحرارة اليوم.
ومن المحتمل أن يؤدي المزيد من تدهور الأراضي حتى عام 2050 إلى إضافة 120 مليار طن أخرى من مكافئ ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، الأمر الذي يفاقم مشكلة تغير المناخ.
وقال ثياو إن “تركيز الاهتمام على مشاريع استصلاح الأراضي يمكن أن يقلب هذا السيناريو”. وأضاف “لا توجد حلول لتدهور الأراضي لا تحمل فوائد تعالج المشاكل الأخرى التي نواجهها”.
وأظهر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي أن استثمار 2.7 تريليون دولار سنويا، تنفق في محاولات استعادة النظام البيئي والزراعة المتجددة ونماذج الأعمال الدائرية، يمكن أن يضيف 400 مليون وظيفة جديدة، وتوليد قيمة اقتصادية بأكثر من 10 تريليونات دولار سنويا.
ويعتقد ثياو أن الحكومات على مستوى العالم تنفق أكثر من 600 مليار دولار على الدعم المباشر للزراعة الذي تمكن إعادة توجيهه نحو ممارسات تساعد على استصلاح الأراضي وزيادة المحاصيل.
وقال “لا يوجد شيء غير منطقي أخطر من استغلال المال العام لتدمير رأس المال الطبيعي لديك. ولكن ذلك يحدث بعد الانتخابات التي تتلوها أخرى”.
وقد يكون أحد أسباب تجاهل مشكلة تدهور الأراضي إلى حد كبير هو أن البشر فقدوا ارتباطهم بالأرض، وفقاً لأسامة إبراهيم فقيها، رئيس مؤتمر كوب 16 المعني بالتصحر، والذي سيُعقد في السعودية هذا العام.
وقال فقيها “يعيش جزء كبير من السكان في المدن حالياً. نحن نعيش في غابة خرسانية. قليلون جدا هم الناس الذين تربط بينهم وبين إنتاج الغذاء صلة مباشرة”.
وربما يكون ثمة تفسير آخر يتعلق بالكيفية التي تعاملت بها الدول الغنية مع المشكلة. وقال ثياو “لفترة طويلة كانت الدول المتقدمة تعتبر هذه المسألة قضية أفريقية. لم يُنظر إليها على أنها عالمية”.
ويؤثر تدهور الأراضي والجفاف الآن على كل بلد في العالم تقريبا وحتى أكبر اقتصاد في العالم لا يمكنه تجاهل تدهور الأراضي.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد في دافوس هذا العام إن “التربة تعد حرفياً السبب الجذري وراء العديد من تحديات الأمن القومي المُلحّة التي نواجهها”.