عوضاً عن تحقيق النيابة العامة المالية حول شبهات هدر المال العام، من المزايدة الموقعة بين شركة “تاتش” وشركة InMobiles المتعلقة بخدمة الرسائل القصيرة A2P، سلكت التحقيقات مساراً هدفه ترويع الموظفين. وانشغلت وزارة الاتصالات والنيابة العامة المالية بمعرفة من سرّب بريداً الإلكترونياً مزعوماً، فضح أن هذه المزايدة مخالفة للقانون.
استدعاء ستين موظفاً
في المعلومات التي حصلت عليها “المدن”، استدعت النيابة العامة المالية موظفين (ستة موظفين إلى حد يوم أمس الأربعاء) وجرى التحقيق معهم لمعرفة من سرب بريداً فضح كيفية إجراء المزايدة، التي رست على الشركة الآنفة الذكر. وبعيداً من أن دور النيابة العامة المالية بشكل أساسي هو التحقيق في القضايا التي تتعلق بهدر المال العام والفساد المتعلق به، تبين من التحقيق مع الموظفين الذي تم استدعاؤهم ليس في الهدر الذي تسببت به المزايدة لخزينة الدولة، بل حول من سرب البريد الإلكتروني، الذي فضح أمر تلك المزايدة.
ووفق المصادر، وصل الأمر إلى حد مصادرة كمبيوتر إحدى الموظفات في شركة تاتش، وحقق معها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، لساعات، بهذا الشأن. هذا فيما ينتظر نحو ستين موظفاً دورهم للتحقيق معهم في النيابة العامة المالية، وكل ذلك لمعرفة من سرب البريد الإلكتروني. ويقال إن البريد الإلكتروني المشكو من تسريبه مرسل إلى ستين موظفاً (بريدهم الإلكتروني موسوم في الرسالة الأساسية).
التشكيك بالبريد الإلكتروني
مصادر متابعة شككت بهذا الأمر من الأساس ومن وجود بريد إلكتروني. وتسأل: لماذا هذا الانزعاج من تسريب بريد إلكتروني في حال كان الأمر صحيحاً في الأساس، واستدعاء ستين موظفاً إلى التحقيق؟ فالصحافة تناولت قضية هذه المزايدة منذ أكثر من عام، أي عندما لم تكن المزايدة قد رست على الشركة وفضحت بعض خبايا المزايدة.
في التفاصيل، منذ نحو شهرين طالب عضو لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب ياسين ياسين بإعادة المزايدة بين “تاتش” وشركة InMobiles لتصبح من خلال هيئة الشراء العام، وذلك لضمان الشفافية والمنافسة. وطلب سؤال وزارة الاتصالات حول العقد الموقع مع الشركة، لا سيما أن الشروط المفروضة في دفتر الشروط عندما رست المزايدة لا تنطبق على الشركة، بل جرى تزوير مستندات. وقد زودت وزارة الاتصالات اللجنة النيابية بالوثائق منها نحو ستين مراسلة بين الشركة والوزارة حول هذه المزايدة. وتبين أن الشركة لا تستوفي شروط الخبرة لمدة خمس سنوات وغير مؤهلة لإدارة هذا المرفق، كما قال. وتبين أيضاً أن المزايدة رست عليها بمبلغ بقيمة نحو سبعة ملايين يورو، فيما عقد المزايدة عينها، التي جرت مؤخراً من خلال هيئة الشراء العام، بين شركة ألفا وشركة vox solutions بقيمة نحو 17 مليون دولار. أي بفارق بنحو عشرة ملايين دولار خسارة لخزينة الدولة.
ترويع الموظفين وإخفاء الحقائق
وتوعز المصادر هذه الجلبة الحالية في شركة تاتش إلى محاولة ترهيب الموظفين ليس أكثر. وهي تأتي من ضمن المضايقات التي يتعرض لها الموظفون بسبب الخلافات السياسية بين القوى السياسية المتحكمة بالوزارة، والتي وصلت حد التجسس وتصوير موظفين والوشاية بهم لأزواجهم وزوجاتهم.
ووفق المصادر، التسريب حول المزايدة جرى منذ أكثر من عام وليس مؤخراً. أي ليس كما يشاع، بعد إطلالة النائب ياسين الإعلامية وتوجيه مساءلة لوزير الاتصالات، لتبرير ترهيب الموظفين. لا بل جرى التسريب حينها في ظل تصاعد الخلافات بين مستشاري الوزير جوني القرم والوزير نفسه مع مدير عام تاتش سالم عيتاني، حول الترقيات التي حصلت للموظفين. وتبين أن الأخير كان يفضل شركة أخرى غير الشركة التي فازت بالمزايدة، والمملوكة من رجل الأعمال شربل ليطاني. فالأخير كان شريك أحد متعهدي الجمهورية الكبار هشام عيتاني في الشركة. لكن عيتاني بعد خلافاته مع ليطاني عاد وباع أسهمه له.
وتضيف المصادر أنه عوضاً عن فسخ العقد مع الشركة والتحقيق بأسباب رسو المزايدة عليها، وعدم قانونية إعادة تعديل العقد من دون سند قانوني مع الشركة، بات الشغل الشاغل لوزارة الاتصالات والنيابة العامة المالية مطاردة من سرب بريداً إلكترونياً مزعوماً، بغية ترويع الموظفين. وإشغال الرأي العام عن القضية الأساس في كيفية رسو المزايدات والمناقصات بهذا الشكل المشبوه.
رأي هيئة الشراء العام
وتشرح المصادر أن المزايدة أطلقت في 22 كانون الأول 2021 والتزمتها الشركة بعقد وقّع معها بتاريخ 22 أيار 2023، وهي بسعر 0.075 يورو لكل رسالة نصية وبإيرادات تصل إلى 7.3 مليون يورو للدولة خلال ثلاث سنوات للدولة. لكن شركة ألفا لزّمت الخدمة عينها لشركة vox solutions بعقد وقع في 20 حزيران 2023 بسعر 0.105 يورو للرسالة وبإيرادات بقيمة 17.9 مليون يورو للدولة خلال ثلاث سنوات. أي أن الفارق الزمني بين توقيع العقدين ثلاثة أسابيع فقط.
بعد افتضاح أمر المزايدة وخسارة الدولة تلك الأموال، عادت وزارة الاتصالات وعدلت العقد بين “تاتش” وشركة InMobiles ليصبح سعر الرسالة 0.105 يورو للرسالة، أي موازياً للعقد بين ألفا وشركة vox solutions. ورغم ذلك، تبين من مراجعة التقرير الذي صدر عن رئيس هيئة الشراء العام جان علّية بتاريخ 25 أيلول المنصرم، أن ليس من حق وزارة الاتصالات تعديل العقد. بل طلبت الهيئة فسخ العقد وإعادة المزايدة من خلال هيئة الشراء العام.
ورفض رئيس الهيئة جان علّية تبرير وزارة الاتصالات بأن عدم مرور المزايدة على هيئة الشراء العام كان بسبب أنها أطلقت قبل تاريخ نفاذ قانون الشراء العام في آب 2022. فبين إطلاق المزايدة بتاريخ 22 كانون الأول 2021، وتاريخ وتوقيع العقد مع الشركة بتاريخ 25 أيار 2023، ثمة فارق بأكثر من سنة ونصف السنة. وتاريخ توقيع العقد أتى بعد نفاذ قانون الشراء العام. هذا فضلاً عن أن الإيرادات المتوقعة من العقد مع تاتش مبنية على أساس 34 مليون رسالة نصية، فيما مع شركة ألفا 56 مليون رسالة. فلا يكفي تعديل سعر الرسالة النصية مع تاتش، كما فعلت وزارة الاتصالات، بل يجب إعادة المزايدة كلها، لتصبح شفافة وعادلة لجميع العارضين.