بات الحصول على شقة للإيجار في العاصمة بيروت أو مناطق محاذية لها، أشبه بضرب من الخيال، وأصبح من شبه المستحيل على الكثير من اللبنانيين، حتى من أصحاب الدخل المتوسط، إيجاد غرفة في أي منطقة آمنة نسبياً وبعيدة عن الغارات الإسرائيلية في لبنان.
الأمر لا يتعلق بندرة الشقق وحسب، ونقص العرض، بل بارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه، وسط غياب أي تدخل من قبل السلطات اللبنانية، لتسود “شريعة الغاب” رغم قساوة المرحلة، التي تتطلب تعاوناً استثنائياً بين المواطنين لمواجهة تداعيات الأزمة الإنسانية.
ارتفعت أصوات النازحين مما وصفوه باستغلال السماسرة لحاجتهم الإنسانية، وعبّر عدد كبير من المواطنين عن غضبهم من استغلال البعض لحاجتهم الماسة إلى مسكن آمن، بهدف تحقيق مكاسب مالية.
حرب الأسعار
واجهت أميرة عياش التي نزحت من منطقة “حاروف” قضاء النبطية إلى العاصمة بيروت، صعوبة بالحصول على منزل، شقة فندقية، أو أي مكان للإيواء. تعيش اليوم برفقة عائلتها عند أقارب لها، ولكن بحسب تعبيرها، لا يمكن البقاء لفترة طويلة، ولا بد من إيجاد شقة.
تروي عيّاش لـ”المدن” رحلتها مع سماسرة العقارات، وتقول “وجدت شقة متواضعة في إحدى مناطق العاصمة، بإيجار شهري يصل إلى 1500 دولار، المشكلة ليست في السعر، بحسب تعبيرها، وإنما في طلب مالك العقار، من تسديد إيجار عامين مسبقاً للحصول على الشقة، أي تسديد ما يقارب من 36 ألف دولار، وهو ما جعلها تشعر بالصدمة!.
تضيف: بعدما فشلت في إيجاد شقة مناسبة في العاصمة، بدأت البحث في مناطق الجبل، لكن الأسعار لم تكن أيضاً منطقية، بعدما قفز سعر الشقة اضعاف ما كان عليه قبل الحرب.
منذ بداية فصل الصيف، ارتفعت أسعار الإيجارات في جميع المناطق اللبنانية، وتحديداً في المناطق التي تعتبر آمنة نسبياً، وصل سعر الشقة المؤلفة من غرفتين في عالية، صوفر، بحمدون حينها إلى ما يقارب من 800 دولار تقريباً، لكن مع موجة النزوح والتي تقدر بنحو نصف مليون تقريباً، بات إيجار الشقة يناهز 3000 و4000 دولار، ناهيك عن دفع ما لايقل عن 6 أشهر مسبقاً.
ويقول علي مهنا الذي غادر منزله برفقة عائلته من الضاحية الجنوبية قبل أيام “يبدو وكأن هناك معركة بين السماسرة للحصول على أكبر قدر من المكاسب، وهم اليوم يضعون تسعيرتهم بعيداً عن مالك العقار، ومن يملك الكاش، تمكن من النجاة بحياته”. ويشير إلى أن أحد السماسرة في منطقة جبل لبنان طلب منه 2500 دولار للحصول على شقة من غرفتين، من دون أثاث، أما في حال أرادها مع أثاث، يتوجب عليه تسديد 3500 دولار، وهناك أيضاً شقق بمواصفات فاخرة، يصل إيجارها إلى 6000 دولار، ناهيك عن عمولة المكتب التي تصل إلى 5000 دولار!.
الليلة بـ 700 دولار
وبعيداً عن الإيجارات الشهرية، لا يبدو الأمر مختلفاً كثيراً على مواقع البحث المتخصصة بتأمين أماكن للإقامات القصيرة على غرار Airbnb أو Dubizzle، بل على العكس من ذلك، من خلال البحث على هذين الموقعين للتعرف على أسعار الشقق، تبين بأن السعر في العاصمة بيروت والمناطق المحاذية يبدأ من 400 دولار في الليلة الواحدة، ويرتفع في مناطق على غرار البترون، جونية، جبيل إلى 700 دولار في الليلة، أما في مناطق المتن وكسروان، فقد يصل سعر الليلة إلى 1000 دولار.
افتراش الساحات العامة
ارتفاع أسعار الشقق وضعف القدرة الشرائية لدى اللبنانيين بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية شكلت بدورها، عائقاً للحصول على مأوى، واضطرت الكثير من العائلات أن تفترش الساحات العامة في بعض المناطق وتقضي ليلتها الأولى بعد النزوح في العراء.
تقول سارة حطيط التي نزحت من منطقة الدوير لـ “المدن” بعد رحلة استغرقت أكثر من 12 ساعة، عشنا خلالها أصعب يوم في حياتنا، بسبب الخوف من الغارات الإسرائيلية، وبعدما وصلنا العاصمة بيروت منتصف الليل، لم يكن أمامنا أي منزل، أو مكان للإيواء، فاضطررنا للبقاء في السيارة حتى الصباح الباكر.
تمكنت حطيط من الحصول على غرفة في إحدى مدارس الإيواء، لكن الوضع بحسب تعبيرها غير مناسب، خصوصاً إن طال أمد الحرب.
تكشف أزمة تأمين ملجأ أو مسكن للنازحين، عن ضعف خطط طوارئ الدولة لمعالجة تداعيات أي أزمة أو حرب يواجهها البلد. ولا يقتصر الخلل على تأمين أماكن للإيواء إنما أيضاً على تأمين الغذاء والدواء والحد الأدنى من سبل العيش للنازحين من تحت القصف الإسرائيلي.