تجّار الخلوي “يسرقون” دولاراً على كل بطاقة تشريج.. أين وزارة الإتصالات؟

سمح «تجمّع أصحاب محالّ الخلوي» لنفسه بالحلول مكان الدولة واتخاذ قرارٍ بإضافة دولار واحد على سعر بطاقات التشريج (Alfa وTouch) التي حدّدتها وزارة الاتصالات. كغيرهم من تجّار الأزمات، وجد هؤلاء في حالة الفلتان المسيطرة فرصةً لمخالفة القانون وزيادة أرباحهم التي «لم تعد كافية»، بمدّ اليد إلى جيوب الناس المُستباحة، علماً أن الصراع يفترض أن يدور بين المجتمع والسلطة لا بين أفراد المجتمع نفسه.

الأسبوع الماضي، أصدر «التجمّع» بياناً جاء فيه أنه «مع الارتفاع المستمرّ في سعر منصّة صيرفة، وبما أن سعر بطاقات التشريج الصادرة عن شركتي Alfa وtouch مرتبط بسعر المنصة… تقرّر أن يُحتسب ربح محال البيع بالمفرّق من كل بطاقة بزيادة دولار واحد على سعرها الرسمي. وتتفاوت الأسعار حسب المناطق». ورغم أن البيان استُهل بـ«حرصاً منّا على عدم الفوضى في التسعير في قطاعِ الاتصالات»، فإن ما تضمّنه يعكس أكثر تجليات الفوضى منذ اتباع وزارة الاتصالات نظام التسعير الجديد في تموز 2022، عندما رُبطت تعرفة الخلوي بـ«صيرفة»، وبات مصرف لبنان يتحكّم بأسعار الاتصالات المتغيّرة في الغالب صعوداً تبعاً لسعر المنصة.

التجاوز للتسعير الرسمي تؤكّد مصادر وزارة الاقتصاد «عدم قانونيته»، واعدةً بتنفيذ جولاتٍ على محالّ الخلوي وتسطير محاضر ضبطٍ بحق من سيفرض هذا الدولار الهابط على غفلةٍ على عاتق المستهلكين. علماً أنه كانت لمديرية حماية المستهلك في الوزارة جولات وصولات سابقاً، بدءاً بمحطات المحروقات مروراً بأصحاب المولدات الكهربائية وصولاً إلى متاجر الخلوي، إلا أن المحاضر المحرّرة بحق المخالفين لم تُنه فوضى التسعير رغم إحالتها إلى القضاء. وعليه، تقترح مصادر الاقتصاد أن تترافق محاضرها وضربة أقوى وأكثر جدّية، كأن «تمتنع وزارة الاتصالات عن منع تسليم المخالفين بطاقات تشريج. وهؤلاء أسماؤهم معروفة في محاضر الضبط».

أصحاب محالّ بيع البطاقات يردون قرارهم إلى عدم كفاية نسبة عمولتهم من السعر الرسمي، إذ يستلم الموزعون المعتمدون من شركتي الخلوي (وعددهم 12 في ألفا و20 في تاتش) بطاقات التشريج بسعرٍ أقل من سعر المبيع بنسبة 3%، وهي النسبة التي تشكّل عمولتهم، ويدفعون ثمنها وفقاً لسعر دولار «صيرفة». ويبيع الموزّعون البطاقات إلى أصحاب محال البيع بالمفرّق ويتقاسمون وإياهم نسبة العمولة (3%)، أي أن هامش ربح صاحب المتجر من البطاقة الواحدة 1.5% من سعر مبيعها الرسمي إلى المُستهلك. مصادر التجّار تعتبر أن «التحليق السريع لسعر دولار السوق الموازية كفيل بتذويب قيمة رساميلهم كونهم يتقاضون من المستهلكين ثمن البطاقات المقرّشة على «صيرفة» بالليرة اللبنانية». ومن وجهة نظرهم «كان من المُفترض إعادة النظر في جدولة العمولة بالطريقة نفسها التي احتُسِبَت فيها زيادة الأسعار الجديدة في تموز 2022، وإنّه لو عُدّلت قيمة الزيادة كما قيمة الأسعار لوصلت نسبة عمولة الموزّع من البطاقة الواحدة إلى 9% من سعرها يتقاسمها والبائع بالمفرّق». ويعتبر التجّار أن «أي سلعة تُباع بالليرة في حال كان هامش الربح منها أقل من 10% يعني أن الخسارة وقعت على صاحبها». وهم في صدد إثارة القضية مع وزير الاتصالات جوني القرم وشركتي الخلوي الأسبوع المقبل.

في المقابل، يرجّح خبراء اقتصاديون أن يكون سبب توجّه أصحاب المحالّ إلى زيادة هامش ربحهم تكديس البطاقات في المحال، مع تراجع نسبة استهلاك الداتا، بعدما خفّض المشتركون اشتراكاتهم في رزم الإنترنت. وهو ما أكّده قرم في حديثٍ سابق لـ«الأخبار». لكن ذلك لا يعني وفق آراء المختصّين أن ربحهم يتراجع، إنّما العكس «يحقّق باعة المفرّق ربحاً مباشراً طالما أن دولار صيرفة يرتفع سعره». على سبيل المثال في حال اشترى أحدهم عدداً من البطاقات على سعر «صيرفة» 70 ألفاً، وفي اليوم التالي ارتفع سعر المنصة إلى 75 ألفاً، فإنه سيبيع الكميات المتبقية على سعر أعلى من السعر الذي دفعه للموزّع. ما يعني أنّه في الغالب سيحقّق البائع ربحاً مضافاً على نسبة ربحه الأساسية أي الـ1.5% من سعر البطاقة الرسمي، طالما أن سعر دولار السوق الموازية يتّجه صعوداً وتالياً سعر المنصّة.

في الموازاة، تُحرِزُ هذه الفئة من التجّار (الموزّعون والباعة) ربحاً غير مباشر. فهم يمثّلون فريقاً من اثنين (أصحاب محطات المحروقات) فقط في البلد يملكون أكبر كتلةٍ نقدية بالليرة، كون مبيعاتهم ما زالت بالليرة، ما يسمح لهم برأي اقتصاديين بـ«الاستفادة من الكتلة النقدية الكبيرة بالليرة لشراء شيكات بنكية بقيمة أقل من قيمة أموالهم، ويسدّدون بها جزءاً من ثمن بطاقاتِ التشريج التي يبتاعونها من شركتي الخلوي». وهو ما يحصل في بعض الأحيان بتأكيدٍ من عارفين بالقطاع، يشيرون إلى أنّ «هؤلاء كأصحاب كتلة نقدية وازنة غالباً ما يشترون بها الدولارات عبر «صيرفة» ويبيعونها في السوق الحرة». المعنى، أن العاملين في شراء وبيع بطاقات التشريج يستفيدون مرة في عمليات البيع اليومي للمستهلكين من ارتفاع سعر «صيرفة»، ومرّة كمضاربين على الليرة بصفتهم حاملي كتلة نقدية كبيرة، وخاصةً أن حجم الـ«cash money» الشهري في سوق البطاقات يُقدّر بحوالي ألفين و340 مليار ليرة (على سعر صيرفة 78 ألفاً).

كما ربطة الخبز فإن تسعير الاتصالات لا يمكن التلاعب به. الأولى سلعة أساسية تمسّ بالأمن الغذائي للمواطن والثانية خدمة عامة تقدّمها الدولة، وهي عصب الكون واقتصاده في عصر ما بعد العولمة. الأولى تسعّرها وزارة الاقتصاد والثانية تتولاها وزارة الاتصالات. بل أبعد من ذلك، تعرفة الاتصالات يلزمها مراسيم وخطط ودراسات وموافقة مجلس الوزراء. وإذا كان للمتاجرين بها من حقّ، فالأجدى البحث عنه مع وزارة الاتصالات. وأمام الأخيرة ثلاثة خيارات: إما إعادة النظر في العمولة وهو سيناريو مستبعد، أو حجب بطاقات التشريج عن المخالفين للتسعيرة الرسمية، أو ترك الفوضى باباً للاسترزاق غير المشروع.

 

مصدرجريدة الأخبار - ندى أيوب
المادة السابقةسلامة يحاول توحيد أسعار الصرف: كل شيء بالدولار
المقالة القادمة“خليّة أزمة” بـ 5 مليارات: لا حل إلا بدولرة القطاع العام؟