يتسلّح أغلب التجّار بتقلّب الدولار لرفع أسعار بضائعهم أو لبيعها بالدولار النقدي، وخصوصاً أسعار السلع غير الغذائية. في حين يستفيد هؤلاء من دولار منصة صيرفة، أي يشترون دولارهم من مصرف لبنان بسعر 24900 ليرة حالياً، ويبيعون السلع وفق ما لا يقل عن 30 ألف ليرة. ولا تستطيع وزارة الاقتصاد ضبط السوق والتأكّد من تسعير البضائع، نظراً لنقص عديد الطاقم البشري المراقب، والذي يفترض به النزول إلى السوق والتأكد من الأسعار المعروضة ومطابقتها مع فواتير الاستيراد لدى الشركات. وفي محاولة للحدّ من الأزمة، تؤكّد مصادر في وزارة الاقتصاد، توصّل الوزارة ومصرف لبنان لقرار يقضي بوقف إعطاء الدولارات للتجّار الذين يبيعون بضائعهم بالدولار، ومنهم بعض تجّار الأدوات الكهربائية والهواتف الخليوية، على سبيل المثال لا الحصر.
تقليص صرف الدولارات
تسعى وزارة الاقتصاد إلى اصطياد عصفورين بحجر واحد. فمن جهة تحمي المستهلك من ثقل الأسعار المدولرة، ومن جهة أخرى تساهم في الحفاظ على الدولارات أو توجيهها نحو مكانها الصحيح من خلال منع استفادة تجّار لن يبيعوا بضائعهم وفق دولار المنصة.
وتشرح المصادر في حديث لـ”المدن”، أن القرار “اتّخذ يوم الجمعة الماضي، وسيبدأ تنفيذه من يوم الاثنين 20 حزيران، وذلك عبر الطلب من المصارف عدم استقبال طلبات بعض التجّار”. ولا يتوقّف الأمر على البضائع غير الغذائية “بل حتى المواد الغذائية التي تُشرى من داخل لبنان، لن يستفيد تجّارها من دولارات صيرفة”، أي لن يستطيع تاجر ما، من الحصول على دولارات من صيرفة، لشراء بضائعه من لبنان، بل فقط يستطيع الاستيراد من الخارج”. وبهذه الآلية “تستطيع الوزارة حصر التجار المستفيدين من صيرفة، وتحاول مراقبة التزامهم بالأسعار المعقولة”.
على أن القرار لم يصدر رسمياً بتعميم من مصرف لبنان، بل أُبلِغَ كتوصية داخلية في بعض المصارف، بحسب ما تؤكّده مصادر مصرفية. وبذلك، يتكامل قرار وزارة الاقتصاد مع هدف المصارف والمركزي، فتُعصَر دولارات المنصّة بشكل إضافي.
إبرة في كومة قش
لوزارة الاقتصاد هدف إيجابي، لكن العبرة في تنفيذه وتداعياته. من ناحية التنفيذ، تعترف الوزارة بضعف إمكانياتها الرقابية على الأرض، كما ليس لديها القدرة ولا السلطة لمعرفة مَن يحصل على الدولارات إلا من خلال لوائح ترسلها المصارف للمركزي، الذي بدوره يحيلها إلى الوزارة.
فضلاً عن أن حجب الدولارات عن بعض التجّار، سيتحوّل إلى ذريعة إضافية لرفع الأسعار. إلاّ أن مصادر الوزارة تستبعد، لأن “الأسعار حالياً مرتفعة جداً وبعضها بالدولار، فلن يكون هناك رفع لما يفوق سعر الدولار في السوق”.
هذه العملية بمثابة البحث عن إبرة في كومة قش. فالوزارة تريد ضبط الأوضاع بعد انفلاتها بصورة جنونية، من دون أن تمتلك الإمكانيات. فعلى أقل تقدير، إذا أرادت المصارف والمركزي رفض طلبات بعض التجّار، سيغامر المركزي بافتعال التجار بلبلة في السوق قد تخيف تجاراً آخرين، ويتحضّرون لاحتمال وقف تأمين الدولارات للجميع، أو في أحسن الأحوال، يتحضّرون لمزيد من التقنين، وهم في الأصل يشكون من عدم تلبية المركزي لأكثر من 30 بالمئة من حجم الدولارات المطلوبة. وللتأكّد من بيع أي تاجر لبضاعته بالدولار، سيتعيّن على الوزارة توثيق ذلك عبر الفواتير، ما يعيد القضية إلى أزمة نقص العدد البشري.
بالتوازي، لا يستطيع أحد الجزم بأن الدولارات التي ستُحجَب عن بعض التجّار، ستذهب لزيادة حجم استيراد مواد أخرى، وفي مقدّمها المواد الغذائية، وتالياً خفض أسعارها، بما أن تجار المواد الغذائية يشكون من تقليص حجم المواد المستوردة بدولار صيرفة.
ويصطدم هذا التوجّه بواقع أن “صيرفة” هي منصة لتداول الدولار بسعر يقل عن سعر السوق السوداء، ما يعني أن الدولار معروض على المنصة بوصفه “سلعة” كما يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وليس بوصفه أداة لدعم الاستيراد. وربطاً بضعف الاجراءات الرقابية للوزارة، يصبح الهدف الأوضح من الإجراء، هو خفض حجم التداول على المنصة أكثر من كونه إجراءً للاقتصاص ممّن يستفيدون من المنصة ويبيعون بالدولار. وبذلك، يكسب مصرف لبنان أكثر مما ستكسب وزارة الاقتصاد والمواطنين، لتسود الحقيقة المُرّة، وهي مواصلة سير الأمور جرياً على عادتها، ويشمل ذلك التوقّف مستقبلاً عن تأمين الدولارات عبر المنصة، ليصبح السوق هو المصدر الوحيد للدولار، وحينها، تصبح كل السلع والخدمات مدولرة، وتنتفي الحاجة للرقابة.