تحذيرات من تنامي نشاط السوق السوداء للعملات بالدول النامية

يتزايد قلق الخبراء من تنامي نشاط السوق الموازية للعملات في الاقتصادات النامية الأمر الذي يخلّف متاعب إضافية للناس الذين يعانون من تبعات الأزمات العالمية المتتالية.

ويرى البنك الدولي أن تدهور الأوضاع القاهرة على مدار الأعوام القليلة الأخيرة والظروف الضاغطة جراء انخفاض قيمة العملات بالاقتصادات الضعيفة أدّيا إلى ارتفاع عدد الدول التي لديها أسواق عملات موازية نشطة.

ورصد البنك خلال الآونة الحالية أسواق عملات موازية نشطة في نحو 24 اقتصادا تنتمي إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية.

وذكرت المؤسسة المالية الدولية المانحة أنه في 14 من بين هذه الاقتصادات على الأقل يشكل فارق سعر الصرف بين السوق الرسمية والسعر الموازية مشكلة حقيقية.

وأظهرت بيانات نشرها البنك على منصته الإلكترونية أن فروق سعر العملات في هذه البلدان وتضم أربع دول عربية هي لبنان واليمن وسوريا والجزائر فضلا عن إيران، تتجاوز 10 في المئة، بينما تبرز ليبيا في قائمة الأقل من ذلك.

ويأتي لبنان في رأس القائمة حيث يبلغ الفارق في سعر صرف الليرة بين السوقين الرسمية والسوداء 606.7 في المئة، بينما في اليمن، الذي يحل ثانيا فيصل الفارق إلى 392 في المئة، وتليه مباشرة سوريا التي يبلغ فيها الفارق نحو 150.4 في المئة.

وبالنسبة إلى الجزائر التي احتلت المرتبة العاشرة فتصل نسبة الفارق بين سعر صرف الدينار بالبنوك ومكاتب الصراف نحو 61.7 في المئة قياسا بما هو مسجل في السوق الموازية.

وقال ديفيد مالباس الرئيس الذي انتهت فترة رئاسته للبنك الدولي السبت الماضي في مذكرة إن “الجوانب الاقتصادية المرتبطة بأسعار الصرف الموازية واضحة”.

وشرح بكونها “باهظة التكلفة ومشوشة بدرجة كبيرة لكافة المتعاملين كونها مرتبطة بارتفاع معدلات التضخم”.

وحذر مالباس من أن هذا الوضع في حال استمر سيعوق تنمية القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، كما أنه قد يؤدي إلى انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول.

وتعود أسعار الصرف الموازية بالنفع على المجموعة التي يمكنها الحصول على النقد الأجنبي بالسعر المدعوم ومن ثم هناك أيضا ارتباط قوي، إن لم يكن ارتباطاً سببياً، بين وجود أسعار صرف موازية والفساد.

وغالبا ما تنشأ أسعار الصرف الموازية في البلدان عندما تلحق المشكلات بميزان المدفوعات على وجه الخصوص لأن الاحتياطيات النقدية من العملات الصعبة لأي بلد تشكل جدار صد للصدمات الخارجية.

وتدعو سياسات صندوق النقد الدولي إلى معالجة تشوهات أسعار الصرف، إلا أن التقدم على هذه الجبهة كان محدودا في العديد من البلدان التي تعاني فوارق واسعة في سعر الصرف، ومنها الأرجنتين وإثيوبيا ونيجيريا.

وشرعت حكومات بعض الدول في عملية توحيد سعر الصرف لكنها تتقدم خطوة وتتأخر أخرى لأن المصالح المكتسبة ستضطرها إلى التخلي عن هذا النوع من الدعم.

وغالبا ما ينتهي النهج التدريجي لتوحيد العملات الأجنبية بعدم توحيدها على الرغم من الترتيبات المتكررة للصندوق.

وأوضح مالباس أنه يمكن لأسواق أسعار الصرف الموازية أن تقلل بدرجة كبيرة من أثر مشاريع وبرامج البنك الدولي في المستقبل.

وتتمثل إحدى المشاكل الرئيسية في الافتقار إلى أفضل قيمة للمال العام عند تمويل المشاريع التي تتضمن مصروفات بالعملة المحلية.

وعندما يتم تحويل قروض البنك الدولي المقومة بالدولار إلى عملة محلية بالسعر الرسمي المقوم بأعلى من قيمته الحقيقية، فإن الموارد المتاحة بتلك العملة المحلية تقل عما لو كان سعر الصرف قد حدث بسعر السوق الموازية.

ومن شأن ذلك أن يحد من الأثر الإنمائي لعمليات البنك الدولي. فعلى سبيل المثال، إذا كانت عملية البنك الدولي تمول التحويلات النقدية للفقراء التي تُدفع بالعملة المحلية، فإن هذا يعني أن عدداً أقل من المستفيدين سيتلقون هذه الإعانة.

وتتمثل المشكلة الثانية، بحسب مالباس، في أن بعض عائدات قروض البنك الدولي (بالدولار) يمكن للحكومات تحويلها لتمويل نفقات لا صلة لها بالمشروع ويمكن أن تفسح المجال “للممارسات الفاسدة”.

وتتمثل إحدى المشاكل ذات الصلة في أن الحكومة تتحمل ديونا أعلى بالعملة الأجنبية لتحقيق مستوى معين من الإنفاق بالعملة المحلية على المشروع، مما يجعل مدفوعات خدمة الدين في المستقبل أكثر عبئاً، فضلاً عن زيادة مخاطر الدخول في حالة المديونية الحرجة.

وعلى نطاق أوسع، من المحتمل أن يؤدي التمويل الكبير من البنك الدولي الذي يوفر الأموال في ظل نظام سوق الصرف الموازية إلى إطالة أمد هذا النظام.

واتخذ البنك الدولي العديد من التدابير لتثبيط سعر الصرف المدعوم، أو على الأقل الحد من تأثير أسعار الصرف الموازية على عملياته لضمان ألا تتسبب منافع ما يقدمه من تمويلات في إلحاق الضرر بالناس في البلدان النامية.

ولا يقدم البنك مساعدات لمساندة موازنات البلدان التي لديها فوارق كبيرة ومستمرة في أسعار صرف العملات الأجنبية، وذلك ما لم تتم معالجة هذا التشوه من خلال اعتمادها برنامجا لإصلاح أسعار الصرف بالتعاون مع صندوق النقد.

كما يقوم بحصر الموارد المتاحة وعزلها وأيضا حماية القيمة الأفضل للمال العام للقروض الاستثمارية. ويمكن تحقيق ذلك باشتراط ألا تستخدم موارد القروض إلا لتمويل “النفقات الخارجية”، وعلى الحكومة أن تمول أي “تكلفة للنفقات المحلية” من مواردها الخاصة.

وثمة طريقة أخرى وهي مطالبة الحكومة بتقديم تمويل مقابل للتعويض جزئيا عن الفارق بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي للنقد الأجنبي في البلدان التي تكون فيها توابع سياسة سعر الصرف أكثر وضوحاً وتشوهاً.

وخلال فترة توليها منصب رئيسة الخبراء الاقتصاديين بالبنك بدأت كارمن راينهارت برنامجا لجمع البيانات بشأن أسعار الصرف الموازية للمساعدة في تسليط الضوء على الآثار المشوهة المحتملة على الإحصاءات الخاصة بالبلدان التي تنشط فيها هذه الأسواق.

ويسعى البنك الدولي لتفسير الأسباب التي تؤدي إلى ظهور أسواق متعددة في عمليات تحويل العملات في سلسلته الاقتصادية التي يصدرها عن مؤشرات التنمية العالمية.

ورغم نقص المعلومات في بعض الأحيان، وبالتالي صعوبة القياس، فإن المبادرة تمثل خطوة نحو الارتقاء بمستوى الشفافية وتعزيز جودة البيانات.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةشركات الطيران العالمية ترفع التوقعات لأرباح 2023 لأكثر من الضعفين
المقالة القادمةالآفاق الاقتصادية المتقلبة تقيّد مصانع العالم