تحرير سعر الصرف بديل أكثر جدية عن الضرائب العشوائية

تُظهر الإجراءات المالية المتخذة والمنوي اتخاذها من قبل السلطة التنفيذية أن “جحا” الدولة ما في غير على “خالتو” المواطن. فبدلاً من التصويب على أساس المشكلة المتمثل بالتشوه في سعر الصرف الرسمي، يجري رمي السهام جزافاً على ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الدخل للرواتب بالعملة الأجنبية، والدولار الجمركي… فتصيب نبال احتساب الضرائب على أساس سعر صرف السوق، الإقتصاد بمقتل، وتهلك القدرة الشرائية للمواطنين، وتعدم فرص لبنان في التفاوض مع صندوق النقد لمخالفتها المعايير المحاسبية الدولية. ومع هذا قد لا تساهم هذه التدابير برفع إيرادات الدولة.

بالنظر إلى النتائج المالية المحققة في شهر كانون الثاني من العام الحالي، يتبين أن عائدات الدولة بلغت 708,376 مليار ليرة، بالمقارنة مع 1,434,740 ملياراً في كانون الثاني 2021. أي أن إيرادات الدولة تراجعت بنسبة 50 في المئة. في المقابل لم تنخفض النفقات إلا بحدود 17 في المئة وبقيت عند مستوى 2000 مليار ليرة. أحد أسباب تقلص إيرادات الدولة هو الاستمرار باحتساب سعر الصرف على 1500 ليرة في ظل انخفاض النشاط الإقتصادي، في حين أنها تضطر إلى الانفاق على سعر صرف أعلى للحصول على الكثير من الخدمات.

هذا الواقع دفع المعنيين إلى البحث عن سبل زيادة الايرادات من دون أن يضطروا إلى تحرير سعر صرف الليرة أو رفعه إلى رقم منطقي يتناسب مع الانهيار الحاصل. فأصدرت وزارة المالية في 21 كانون الأول 2020 القرار رقم 893 الذي ينص على احتساب TVA على أساس سعر السوق وليس على أساس 1500 ليرة. ليلحقه في مطلع آب الحالي قرار لـ”مديرية الواردات في وزارة المالية” بوجوب احتساب ضريبة الدخل على أساس سعر صرف السوق لمن يتقاضى دخلة بالعملة الأجنبية. ويجري اليوم التحضير لاحتساب الدولار الجمركي على أساس 8000 ليرة.

كل هذه الإجراءات “مخالفة لمعايير المحاسبة الدولية”، يقول خبير المحاسبة المجاز والعضو في “جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” الاستاذ جوزف متّى، وأن “الاصرار على اعتمادها سيحرم لبنان من الحصول على المساعدات من صندوق النقد الدولي، أو أية جهة دولية أخرى. لأنها تعتبر مخالفة للمعيارين 21 و29 من معايير المحاسبة الدولية المعتمدة من قبل الاتحاد الدولي للمحاسبين، والتي التزمت الدولة اللبنانية باعتمادها بموجب القرار 673 /1 الصادر في 14 حزيران 2001 كأساس للقيود المحاسبية ولتحضير البيانات والتقارير المالية.

“المزيد من الفوضى والتخبط في الشركات حول كيفية احتساب سعر الصرف مع تعدد أسعار الصرف من رسمي وقطاعي ومنصات متعددة”، يجيب الاستاذ متى “مع الإشارة الى التضارب الحاصل بين القرار 893 المشار إليه وما ورد من إلزام في قانون النقد والتسليف بوجوب تطبيق سعر الصرف الرسمي المعتمد في مصرف لبنان. والتأكيد عليه في المادة 18 من المرسوم رقم 7308 تاريخ 28 كانون الثاني 2002. و”هناك العديد من المنشآت لا تقوم بتطبيقه بالشكل الذي أوجبه القرار بحسب ما نمي إلينا”، يقول الخبير متّى، “بحيث سيكون لمدققي الحسابات الموقف المتحفظ حول طريقة قيد قيمة النقد وتسجيله في الدفاتر المحاسبية. مما سيعرض المنشآت إلى إشكالات عديدة لناحية ديمومتها واستمرارها”.

إن صدور القرار 893 لم تقتصر نتائجه على ما تمت الإشارة إليه، بل تعدتها إلى الخلل الحاصل لدى تقييم المخزون في نهاية العام 2020 وتقييمه مع بداية العام 2021 بارتفاع 14 مرة دفعة واحدة. ذلك من دون اعتماد الأصول التي أوجبها المعياران 21 و29 من معايير المحاسبة الدولية. مما فتح الشراهة على اعتماده عند احتساب الرواتب المقومة بالعملة الأجنبية ويبحث اليوم تطبيقه على الرسوم الجمركية من خلال احتسابها على سعر الصرف بـ 8 آلاف ليرة للدولار الواحد، بدلاً مما هو معمول حالياً على السعر الرسمي لمصرف لبنان والمحدد بـ 1507.5. وبحسب الخبير متّى فإن “الادارة الضريبية تبحث عن أماكن لتطبيق هذا القرار على مختلف الوثائق والعقود الحاصلة بالعملة الأجنبية، لتحصيل أعلى قدر ممكن من الإيرادات. وليس من المستبعد الوصول إلى الدوائر العقارية لناحية التسجيل والتكليف… وخلافه، أو تقييم رسوم الإنتقال والتركة وكل ما في مصافها”.

الحل الوحيد للانتهاء من هذه الاشكاليات المعقدة هو تحرير سعر الصرف أو تخفيضه إلى مستوى مقبول ومنطقي “لا يميت” المواطنين و”لا يفني” مالية الدولة. أو على السلطة المالية في المقابل “تحضير خريطة طريق ضريبية واضحة منطقية وعادلة والذهاب بها إلى المجلس النيابي واصدار الضرائب بقانون”، من وجهة نظر الخبير متى.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةخدمات الاتصالات: زمن البحث عن الإرسال!
المقالة القادمةكيف ستُسيّل “مخصصات السحب” لتمويل البطاقة؟