تحضير “نيو-سيدر” استباقاً للاتفاق مع الصندوق

في خلال وجود الموفد الفرنسي بيار دوكان في بيروت، يطيب لبعض الحالمين أن يراهنوا على إحياء مقررات مؤتمر “سيدر”، بعد إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد. فهل انّ تلك المقررات لا تزال صالحة اليوم كما كانت قبل خمس سنوات أو ست؟

في الواقع، ومنذ أن طُرحت المشاريع في مؤتمر “سيدر” كان هناك اكثر من علامة استفهام حول جدوى البعض منها، لا سيما ان تمويل تلك المشاريع يتمّ في غالبيته بقروض ميسّرة، وليس بهبات. وبعضها تمّ إقحامه في لائحة المشاريع لحسابات مناطقية ضيقة، وفي اطار المصالح السياسية. وبالتالي، ومنذ البداية، كان هناك عدد لا بأس به من المشاريع ينبغي ان يتم شطبه، اذا كان المعيار الفعلي يرتبط بالجدوى الاقتصادية، وليس السياسية.

اليوم، وبعد إفلاس الدولة، وبعد بلوغ الانهيار المالي والاقتصادي مستويات قياسية لا تشبه حالات الافلاس التي تعرّضت لها دول أخرى ونجحت مع الوقت في الخروج من الأزمة، لم يعد ممكناً العودة الى لائحة مشاريع “سيدر” والادعاء انّ لبنان يحتاج اليها في حال وافقت الدول المانحة على احياء مقررات المؤتمر.

وما دامت حكومة تصريف الاعمال حريصة، علناً على الأقل، على تحضير الأرض لعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي، قد يكون من المجدي تكليف فريق عمل متخصّص في اعادة النظر منذ الان بلائحة المشاريع الواردة في “سيدر”، ليس من اجل تحديث هذه المشاريع فحسب، بل من اجل تنقيتها واعادة ترتيب الاولويات في المشاريع التي قد يحتاجها البلد في مرحلة البدء في تنفيذ خطة الانقاذ. ومن المهم ان يكون فريق العمل غير مُسَيّس، وان يعمل بحرَفية لأن الاستثمار في البنى التحتية، وفي أي مشروع إنمائي، في زمن الانهيار، وفي حقبة التعافي تختلف عن الاولويات التي تفترضها ظروف ما قبل الافلاس. كذلك، فإنّ التهاون وغَض النظر عن بعض الانفاق غير المجدي، لا يمكن أن يمر في حقبة تنفق فيها الدولة حتى الان، من اموال المودعين، وستُكمل على الذهب اذا استمرت من دون اصلاحات، وتغيير جذري للمشهد السائد.

11 مليار دولار هي قيمة المشاريع التي وافقت الدول المانحة على تقديمها كقروض للبنان لتمويل المشاريع التي اختارتها الدولة اللبنانية. هذا المبلغ كان يشكّل نسبة 20 % من حجم الاقتصاد الوطني. اليوم أصبح هذا المبلغ يشكل حوالى 55 % من الـGDP، وهي نسبة كبيرة لا يتحمّلها الاقتصاد بوضعه الجديد.

ما هو مطلوب، الانكباب على دراسة جديدة، تسمح بتغيير جذري في المشاريع المطروحة للتمويل، ولا بد من تقليص حجم المبلغ المرصود، لأنّ صندوق النقد الدولي لن يوافق على هذه الكمية من القروض التي ستُضاف الى الديون القائمة، ومن ضمنها المبلغ الذي سيقدمه الصندوق بالاضافة الى القروض التي قد تقدمها الدول المانحة بالتوازي.

وللتذكير، فإنّ البنك الدولي الذي يقترح اليوم مساعدة البلد في بعض القروض يشترط تقديم دراسات وافية توضِح قدرة الاقتصاد على تحمّل القروض الجديدة. والكلام هنا، يستهدف مئات الملايين من الدولارات فقط، وليس بضعة مليارات. وبالتالي، من البديهي انّ الدول الراغبة في مساعدة لبنان، بعد إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد، في حال أُنجز، ستحتاج الى دراسات مُعمّقة حول الحاجات والاولويات وقدرات اعادة الاموال. ومن المفيد تجهيز هذا الملف، الى جانب خطة التعافي، التي سيتمّ تنفيذها مع صندوق النقد، بحيث تصبح امكانية الجلوس الى طاولة الدول المانحة، قائمة وسريعة في أعقاب البدء في تنفيذ برنامج التمويل مع الصندوق.

وقد يكون من المفيد اثارة هذا الموضوع مع دوكان الموجود في بيروت، والتفاهم معه على الخطوات التي يمكن اتخاذها في اتجاه تحضير ملف “نيو-سيدر” في المرحلة المقبلة.

مصدرالجمهورية
المادة السابقةصندوق قطر للتنمية يدعم القطاع الصحي اللبناني بمساعدات شهرية
المقالة القادمةتصحيح الأرباح على حساب الأجور