تحطيم الأحلام على بوابة مصرف لبنان

هناك شيء ما انكسر في منسوب الثقة الفائضة التي ضخّها الناس في “الدولة”، يوم اعتبروا أن وجود “الثنائي عون – سلام” في بعبدا والسراي، قلَبَ كل المقاييس السابقة، ونقل مشهد المحاصصة والشخصنة إلى مشهد آخر مختلف تماماً، يجعل “دولة” اليوم غير “دولة” الأمس. طبعاً، من السابق لأوانه الادعاء أن التفاؤل انحسر وحلّ مكانه التشاؤم والخيبة. الرهانات على نجاح الحكومة لا تزال قوية وقوية جداً، لكن بعض الإشارات السلبية بدأت تُقلق الرأي العام، وبات الأمر يحتاج إلى تصحيح سريع للمسار، لكي لا تنمو الشكوك وعلامات الاستفهام، وتتحوّل إلى ما هو أكبر وأبعد من ذلك.

القضية المركزية في هذا الموضوع، إلى جانب المسألة السياسية الأمنية المتعلقة بتنفيذ القرار 1701، تتمحور حول حاكمية مصرف لبنان، وما تسرّب حتى الآن في شأن النهج الذي يتمّ اتباعه في مقاربة هذا الملف الحسّاس، الذي يرتبط بجانب منه، بمصير البلد من الوجهتين الاقتصادية والمالية، يدعو إلى الاستغراب والقلق.

الانطباع الذي كان سائداً قبل إثارة هذا الملف، أن نقطة القوة التي تحكم التعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، هي أن الخلاف بينهما حول التعيينات، في حال حصل، سينحصر في عملية تقييم الأشخاص المطروحين لهذا الموقع أو ذاك. لكن الناس، وبشكل عام، كانوا يستبعدون أن يقرّر رئيسٌ بينهما أن يعترض على اسمٍ ما، وفق حسابات شخصية، أو مناكفات، أو حتى رغبة في تصفية حسابات مع هذا الفريق أو ذاك.

هذا الأمر حصل. أو على الأقل، هذا ما تشي به الأجواء التي يتمّ تسريبها، عن قصد أو غير قصد، إلى الرأي العام. ومن البديهي أن مساراً من هذا النوع السيئ، سيترك انطباعات سلبية جداً في الشارع، خصوصاً أن التوقعات التي منحها المواطن لحكومة العهد الأولى ورئيسها، عالية السقف.

لا يجوز أن تتحوّل حاكمية مصرف لبنان، وفي هذه الظروف بالذات، إلى بورصة اسماء ولعبة تجاذبات وإشاعات وما شابه. كل الأسماء المطروحة للحاكمية، أو في غالبيتها على الأقل، تصلح للجلوس على كرسي الحاكمية، لكن الاختيار يجب أن يأخذ في الاعتبار أن موقعي حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، هما جناحا رئاسة الجمهورية. وهذا الواقع أصبح أكثر أهمية اليوم مع رئيسٍ من طينة العماد جوزاف عون، وفي ضوء الأوضاع الاستثنائية التي تحتّم أن يتمتّع رئيس البلاد بهامش مريح من الحركة، لكي ينجح في تنفيذ “الأحلام” التي توافق عليها اللبنانيون بغالبيتهم المطلقة، يوم سمعوها في خطاب القسم، ومن ثم تأكدوا من التصميم لتحويلها إلى وقائع، يوم اطلعوا على مضمون البيان الوزاري.

ولا حاجة إلى إعادة التذكير بالمهام الجسام التي ستُلقى على عاتق حاكم مصرف لبنان المقبل، وفي مقدمها المساهمة الفاعلة في خطة التعافي، خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، خطة معالجة أزمة الودائع، مسألة صوغ سياسة نقدية تتماهى مع كل الخطط السالفة الذكر. والأهم من كل ذلك، إعادة الثقة بمصرف لبنان وبالقطاع المالي وبالدولة.

لا تخيّبوا ظنون الناس، ولا تزرعوا الشكوك في النفوس، ولا تتذرعوا بالكتاب أو سواه. أنجزوا تعيين الحاكم، واسمحوا للبلد بأن يستعدّ، ومن موقع قوة، لجولات التفاوض مع صندوق النقد الدولي في نيسان المقبل.

مصدرنداء الوطن - أنطوان فرح
المادة السابقةمشروع إعادة الإعمار: هل يفاقم التجاوزات الزبائنيّة؟
المقالة القادمةالدولة سلَّمت أمرها لصندوق النقد