تجلس نتالي وصديقتها فريال في أحد مقاهي شارع «مار مخايل»، ترتشفان فنجان قهوة بعيد تناولهما الطعام مع فاتورة لم يتجاوز مجموعها الـ25 ألف ليرة. «كنا في الماضي ننتظر فترة الساعات السعيدة في المطاعم، لنأتي ونتناول طعامنا بكلفة مخفضة، وهي عادة تتبعها مختلف هذه المحلات في ساعات ما بعد الظهر، أي من الرابعة لغاية السابعة. ولكن حالياً، ومع الحسومات التي تستحدثها هذه المحلات في ظل الأزمة المالية التي نمر بها، بات الأمر ممكناً في كل يوم، وفي أي ساعة قصدناها فيها»، تعلق نتالي لـ«الشرق الأوسط».
فبدءاً من فنجان القهوة، مروراً بالأطباق الإيطالية والأميركية واللبنانية، وصولاً إلى المراكز التجارية، تشهد جميعها تخفيضات في الأسعار غير مسبوقة في لبنان خلال هذه الفترة من السنة.
وتأتي هذه الظاهرة في عدد من المناطق اللبنانية، لا سيما في مدينة بيروت، إثر تدهور الحالة الاقتصادية في لبنان، ومعاناة مواطنيه من انعكاسها عليه بصورة سلبية. وأدت هذه الأزمة إلى توقف عدد من الشركات والمؤسسات عن ممارسة عملها بشكل طبيعي، وهو ما دفع بمؤسسات تجارية أخرى إلى أخذ المبادرة من خلال تخفيض أسعارها تفادياً لنتائج مماثلة قد تواجهها في حال طالت هذه الأزمة.
فبعدما كانت الحجوزات تتكدس على لائحة الانتظار في هذا المطعم أو ذاك، وبعدما كان اللبناني ينتظر موسم عروض مواتية لجيبه، تسمح له بتناول أطباق «الديلفري» بأسعار مخفضة، شهدت هذه القاعدة تحولاً تاماً. فتكثفت الإعلانات عن حسومات على الأسعار تشهدها غالبية التطبيقات الإلكترونية الخاصة بتلك المطاعم، وبالتالي المحلات والمراكز التجارية لبيع الثياب والأحذية وغيرها، في ظل الركود الذي تشهده حالياً.
وتواكب هذه الحسومات حملات إعلانية على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ترافقها عبارات وشعارات مغرية تساهم في جذب أنظار المستهلك.
«كول لبناني وعلينا النص»، و«مع كل طبق بيتزا طبق آخر مجاناً»، و«لا تحتار نحنا منتكفل بالباقي»، و«حسم عاللقمة اللبنانية»، وغيرها، تشكل نموذجاً عن تلك العبارات التي كان اللبناني ينتظرها في مواسم معينة.
ولكن أن يطالعه بها أصحاب تلك المحلات قبيل مناسبات أعياد الميلاد ورأس السنة شكل مفاجأة له، خصوصاً أنه بات يحسب ألف حساب لكل قرش ينفقه، في ظل الأزمة المالية المتردية السائدة في البلاد.
«إننا نحاول من خلال تخفيض الأسعار كسر الشلل الذي أصاب قطاع المطاعم في الآونة الأخيرة، في ظل الحالتين المالية والميدانية غير المستقرتين، اللتين يعاني منهما لبنان في هذه الفترة»، يقول موريس، صاحب المطعم الذي يقع في منطقة الجميزة. أما توفيق الذي يأتيك صوته عبر سماعة التلفون عندما تتصل بمطعم يؤمن الوجبات الإيطالية، مع خدمة التوصيل المجاني، فيعلق: «إنها سياسة آنية يتبعها أصحاب المطعم كي نستطيع تجاوز هذه الفترة بأقل خسارة ممكنة».
ومن مطاعم «عنب» و«كاسبر أند غامبيني» و«بوفالو وينغز أند رينغز» و«بيلا نابولي» و«زيا» و«البولنجي» و«شاترز» و«نور» وغيرها، يحتار اللبناني أي طبق يختار لتناوله مع أصدقائه من خلال خدمة «الديلفري» التي تؤمنها تطبيقات إلكترونية معروفة في لبنان، وأشهرها «زوماتو» و«توترز». وفي مدينة صيدا الجنوبية، يطالعك أحد المطاعم بشعار «لأن كلنا منحب لبنان 50 في المائة حسم على اللقمة اللبنانية». ويعلق مصطفى، صاحب المطعم، لـ«الشرق الأوسط»: «اتبعنا هذه الحسومات منذ بداية الأزمة المالية التي نعاني منها، فهي جاءت نتيجة بديهية لتحريك السوق من ناحية، وللتشجيع على الدفع بالليرة اللبنانية من ناحية ثانية». ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بعد أن تفاجأنا بارتفاع أسعار اللحوم على أنواعها، قررنا حصر هذا العرض بأطباق المقبلات. وحددناها بأيام الخميس والجمعة والسبت، لأن باقي الأيام لا تشهد مدينة صيدا زحمة لافتة، في ظل الحشودات الجماهيرية الاحتجاجية في ساحاتها».
«مهما يحاولون إغراءنا ودفعنا إلى الشراء، فلا جدوى من ذلك، لأننا بتنا نفكر ملياً قبل صرفنا المال»، يعلق سليم بدوي، وهو أب لثلاثة أولاد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، فيما يشير الطالب الجامعي فادي متى، الذي التقيناه على مدخل جامعة «AUST» في الأشرفية، إلى أنّ هذه الحسومات ساعدته وزملاءه على تخطي مشكلة كبيرة كانت تواجههم في أثناء وجودهم في الحرم الجامعي: «لقد سهلت علينا تناول الطعام بكلفة أقل؛ كنا منذ فترة وجيزة نخصص لها ميزانية معينة ترهق جيبنا، لا سيما أنّنا لا نزال ندرس، ولا عمل نمارسه في المقابل».
أما المراكز التجارية الكبرى في بيروت، وبينها «أ.ب. ث» بجميع فروعها، فقد بدأت بتنزيلات صغيرة على الأسعار، استهلت بنسبة 20 في المائة الأسبوع الفائت، لتصل مع مطلع الأسبوع الحالي إلى 70 في المائة، وهو أمر يتبع عادة من قبل هذه المحلات بعيد انتهاء مواسم الأعياد. «أحاول شراء ما أحتاج إليه بالضبط، لا أكثر ولا أقل، من هدايا لأطفالي، وكان عليّ اغتنام الفرصة للتسوق مع التنزيلات الحاصلة بالأسعار»، تقول ندى التي التقيناها تتسوق في مركز «أ.ب. ث» في الأشرفية.
فيفيان حداد – الشرق الاوسط