ترتهن، اليوم، صحة المواطنين وأدويتهم بالأموال المتوافرة للدعم في حوزة مصرف لبنان المركزي. فكلما خرج الحاكم ملمّحاً إلى تناقص «مال الدعم»، تفقد أدوية من السوق. هكذا، من دون سابق إنذار، تصبح حياة الكثيرين من المرضى على المحك. وفي كل مرة يحدث ذلك، يعاد السيناريو التالي: يتجه مستوردو الأدوية وأصحاب المستودعات نحو تقنين توزيع الأدوية على الصيدليات، وتبدأ بورصة الأدوية المفقودة بالعمل، ثم يدبّ الذعر. لا أحد يعرف كيف يحدث ذلك ولا حتى كيف تسكّن تلك الأزمة المستمرة منذ ما يقرب من ثمانية أشهر.
الضالعون في أرق الناس وخوفهم على حقهم بالدواء كثر، من حاكم مصرف لبنان إلى محتكري هذا القطاع من المستوردين إلى أصحاب المستودعات وصولاً إلى المهربين. وعلى رأس هؤلاء كلهم تأتي الدولة بسياسة الدعم التي لا تعدو أكثر من كونها قناة للتوزيع. أضف إلى ذلك السبب الآخر، والذي لا يقل أهمية، وهو الذي يتعلق بضعف الصناعة الدوائية الوطنية التي تجعل صحة الناس تحت رحمة التجار، والسياسة الدوائية المعكوسة التي يتبعها لبنان؛ ففي كل دول العالم تستحوذ أدوية «الجينيريك» على 80% من الفاتورة الدوائية مقابل 20% لـ«البراند»، إلا في لبنان العكس، وبكلفة تصل إلى مليار و600 مليون دولار سنوياً (منها 250 مليون دولار فقط للأدوية الجينيريك). لكل هذه الأسباب، لا يتوقف مسلسل انقطاع الأدوية، والذي طال في الفترة الأخيرة أدوية أمراض مستعصية ومزمنة، ومنها أدوية لمرضى السرطان والسكري والقلب.
إلى ذلك، لا يبدو أن الأزمة وصلت إلى آخر النفق، بدليل استمرار خطر توقف الدعم في أي لحظة، في ظل عدم التوصل إلى حلول إلى الآن في ما يخص تقرير استمرار الدعم من عدمه، ولا حتى في ما يخص كمية الأموال المتوافرة لدى مصرف لبنان للدعم. أضف إلى ذلك الرد الذي تلقّاه لبنان من البنك الدولي لناحية رفضه المساعدة في قطاع الأدوية بذريعة «غياب الإصلاحات».